لماذا عاد التعاون الأمني الوثيق الأفغاني - الباكستاني؟

drashwan59@yahoo .com

يبدو واضحاً أن الأوضاع في أفغانستان تشهد مع بداية العام الجديد تطورات مهمة قد تجعل منه عاماً مختلفاً عن الأعوام الستة الماضية التي مرت على هذا البلد منذ غزو القوات الأمريكية له في تشرين الأول (أكتوبر) 2001 وإسقاطها حكم حركة طالبان. خلال الأسبوع الأخير من الشهر الحالي وقع حدثان يؤكدان أن ثمة تغيرات رئيسية تشهدها أفغانستان ويرتبط جزء منها بالجارة الكبيرة لها باكستان بينما يرتبط الجزء الآخر ببعض القوى الدولية الرئيسية ذات الدور المحوري فيما يحدث في أفغانستان خلال الأعوام الأخيرة وما يمكن أن يحدث فيها غداً.
فمن ناحية وبصورة مفاجئة، قام الرئيس الأفغاني حامد كرزاي بزيارة إلى باكستان حيث التقى رئيسها المنتخب للمرة الثانية برويز مشرف، وبحثا معاً قصية واحدة هي كيفية تعاون حكومتيهما في مواجهة الإرهاب وحلفائه في البلدين. وتأتي أهمية ومفاجأة الزيارة مما هو معروف من توتر كبير ساد العلاقات بين الحكومتين وبصفة خاصة بين الرئيسين اللذين تبادلا الاتهامات خلال العام الأخير على الأقل بعدم القيام بما هو مطلوب من جهود لمواجهة كل من حركة طالبان وحليفها تنظيم القاعدة في البلدين وفي المناطق الحدودية الواسعة بينهما. وكانت اتهامات الرئيس الأفغاني للحكومة الباكستانية أكثر وضوحاً وخطورة، حيث صرح أكثر من مرة بأن بعض أجهزتها تقدم دعماً مباشراً لطالبان والقبائل المتحالفة معها في داخل أفغانستان في المناطق الحدودية، داعياً الولايات المتحدة إلى التحرك العسكري في داخل الأراضي الباكستانية لاستهداف مواقع ومراكز طالبان والقاعدة بداخلها بعد تقاعس أو تواطؤ الحكومة الباكستانية في التصدي لها، حسبما كان يقول. وكانت الردود الباكستانية على تلك الاتهامات الأفغانية تركز على أن السبب الحقيقي لتصاعد قوة طالبان والقاعدة في البلدين هو عدم قدرة الحكومة الأفغانية على مواجهتهما وافتقادها القدرة والخبرة للقيام بتلك المهمة الصعبة.
من هنا فعندما تأتي تلك الزيارة للرئيس الأفغاني لباكستان ليكون موضوعها الرئيسي هو التعاون الأمني بين البلدين لمواجهة طالبان والقاعدة، يبدو الأمر جديداً ومفاجئاً. وقد زادت المفاجأة بالمناخ الودي الواضح الذي ميز اللقاء وما أسفر عنه من اتفاقات بين الرئيسين لمواجهة طالبان والقاعدة في بلديهما، حيث شكلا لجاناً أمنية مشتركة فيما بينهما لهذا الغرض على أن تبدأ فوراً عقد اجتماعاتها لتطبيق التعاون على الأرض، كما اتفقا على عقد مجلس القبائل المشتركة بين البلدين والمعروف باسم اللويا جرجا، والذي عقد للمرة الأخيرة في آب (أغسطس) الماضي في العاصمة الأفغانية كابل بصورة لم تحقق الغرض منه بسبب توتر العلاقات حينئذ بين البلدين.
ومن الواضح أن عوامل مهمة قد دفعت رئيسي البلدين وبخاصة الرئيس الأفغاني إلى تطوير علاقاته بجاره الباكستاني بهذه الصورة الإيجابية الجديدة. وربما يكون في مقدمتها نجاح الرئيس برويز مشرف في عبور الأزمة السياسية الحادة التي عاشتها بلاده قبيل وبعد إعادة انتخابه رئيساً للجمهورية وفرضه خلالها حالة الطوارئ والصدامات السياسية التي خاضها مع خصومه في صفوف المعارضة. فقد تنازل مشرف عن قيادة الجيش مع احتفاظه بولائه وولاء قائده الجديد له، ووعد برفع حالة الطوارئ قبل إجراء الانتخابات العامة الشهر المقبل وفكك حالة الاحتقان الشديد مع المعارضة، وهو الأمر الذي أنهى المعارضة الدولية له وأعاده من جديد الرئيس القوي الشرعي المستقر لباكستان الذي سيسيطر على أوضاعها خلال الأعوام المقبلة، وهو ما مثل للرئيس الأفغاني دافعاً لتحسين علاقة حكومته به لارتباط مصالح بلاده وحكومته به وببلده الكبير ذي الدور المهم في أفغانستان دوماً. كذلك فإن تزايد حجم تهديدات طالبان والقاعدة وحلفائهما على أمن البلدين خلال العام الماضي، قد يكون العامل الثاني الذي دفع برئيسيهما إلى تجاوز خلافاتهما السابقة بخصوص الملف نفسه والسعي للتعاون بشأنه لمواجهة تلك التهديدات.
أما العامل الثالث الرئيسي وراء هذا التقارب الأمني الأفغاني – الباكستاني فهو يرتبط بالحدث الثاني الذي شهدته أفغانستان في أسبوع لقاء مشرف وكرزاي نفسه. فقد اتهمت الحكومة الأفغانية دبلوماسيين أحدهما تابع للأمم المتحدة والآخر للاتحاد الأوروبي، وهما بريطاني وإيرلندي، بممارسة "أنشطة لا تتلاءم مع مهمتيهما"، ولكونهما "يشكلان خطرا على أمن البلاد"، وقامت بطردهما من الأراضي الأفغانية. وقد اتضح بعد ذلك أنهما عقدا لقاءات مع رجال قبائل وبأعضاء في حركة طالبان، وهو الأمر الذي أضافت إليه وسائل الإعلام البريطانية معلومات أخرى تتعلق بعقد ضباط مخابرات بريطانيين وغربيين اجتماعات سرية عديدة مع أعضاء من حركة طالبان أو القبائل المحاربة إلى جانبها ضد حكومة كابل. فمن الواضح من مجريات الأشهر الأخيرة في أفغانستان ومن تصريحات عديدة لرئيسها بخصوص استعداده للتفاوض مع طالبان وحلفائها مع تأكيده على وجود دعمين أمريكي وغربي لذلك، أن ثمة ترتيبات تجري الآن من أجل التوصل لحلول وسط مع تلك الحركة لوقف الصراع الدموي الذي تشهده أفغانستان منذ خروجها من الحكم.
ومن الواضح أن هذه الترتيبات كانت تستلزم اشتراك الحكومة الباكستانية فيها في اللحظة الحالية المهمة في مسارها نظراً لدورها المحوري في صياغة المستقبل الأفغاني ولتأثير الاضطرابات في داخل أفغانستان في أمنها الداخلي فضلاً عن ثقة الحلفاء الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة بإخلاص الرئيس الباكستاني في محاربة الإرهاب، وهو ما يوضح السبب الثالث لهذا اللقاء الودي – الأمني بين الرئيسين مشرف وكرزاي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي