قطاع تكنولوجيا المعلومات في الهند والغلاء الفاحش
الأجور والرواتب المتصاعدة بشكل سريع ، العملة التي تزداد قوة وفوضى البنية التحتية في الهند هي ما يهدد نمو قطاع تكنولوجيا المعلومات الذي كان حتى الآن رمز النهوض الاقتصادي الهندي. إن مراكز تكنولوجيا المعلومات ، وبشكل خاص بانجالور ، تتعرض الآن إلى ضغوط شديدة من مواقع منافسة . ومن المحتمل أن يكون الرابح في هذا السباق هو الصين . غير أن وادي السيليكون في كاليفورنيا أصبحت له جاذبيته من جديد بالنسبة للمستثمرين على خلفية تصاعد الأسعار في الهند .
ومن المحتمل أن تتمكن شانجهاي ، العاصمة الاقتصادية للصين ، من التغلب على بانجالور في هذا السباق . وفي الوقت الراهن تعد نيودلهي وبومباي ، إضافة لبانجالور المدن الهندية الثلاث ، مضافا إليها داليان ، المدينة الصينية الوحيدة ، من أفضل المدن الخمس في إنتاج تكنولوجيا المعلومات . وخلال بضع سنوات فقط سترجح كفة الميزان ، على الأرجح، لمصلحة الصين : حيث ستصبح المدن الصينية الثلاث شانجهاي وداليان و بكين من بين الخمس الأوائل . ذلك هو الاستنتاج الذي خلص إليه معهد " آي دي سي – IDC " للبحوث في أحدث دراساته التي تضمنت مقارنات بين 35 من مراكز تكنولوجيا المعلومات .
لم تعد الهند مجدية بالنسبة للشركات الصغيرة
لقد اعتمدت الدراسة في عملية المقارنة معايير مثل أجور العمل ، وأسعار العقارات ، ولكن أيضا إجادة اللغات . وفي هذا السياق يقول كونراد تشانج، مدير البحوث في معهد " آي دي سي " في آسيا : " إن للصين منذ الآن علاقات متينة مع اليابان ، وكوريا فيما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات ، ومن المعروف أن هذه هي الأسواق التي واجه الهنود فيها صعوبات جمة . " يضاف إلى ذلك أن الصينيين درسوا بدقة مكامن التميز لدى الهند ، ونسخوا الكثير منها ، طبعا دون أن يقعوا في الأخطاء التي وقع فيها الهنود. وقد أصبحت الصين تحوز في هذه الأثناء ، بعكس الهند ، على بنية تحتية ممتازة ابتداء من تجمعات التكنولوجيا المتقدمة ، إلى كابلات الإنترنت العريضة النطاق ، وانتهاء بالتيار الكهربائي المضمون .
ولكن المنافسة تشتد ليس في الصين فقط ، حيث جاء في دراسة نشرت أخيرا لتحالف برمجيات الأعمال ، أعادت وحدة المعلومات لمجلة الإكونوميست نشرها : " أن المستقبل سيشهد سلسلة من البلدان الناهضة التي ستتنافس مع الصين والهند في قطاع خدمات تكنولوجيا المعلومات الأولية ، ومن بين هذه البلدان ماليزيا ، والبرازيل وفيتنام وكذلك روسيا والمجر وبولندة . " غير أن أمريكا، كموقع متقدم في هذا المجال ، قد سجلت لحسابها بعض النقاط : إذ أن المهندسين الهنود المتميزين يكلفون في هذه الأثناء نحو 75 في المائة مما يكلف زملاؤهم في أمريكا. ومع ذلك فإن " التجربة الهندية " لم تعد مجدية بالنسبة للشركات الصغيرة الحجم.
تردي أحوال أكبر منتج للبرمجيات
لقد ابتدأت وتيرة نمو فخر القطاعات الهندية في التراخي ، وإن بشكل بطيء : فخلال السنة المالية الحالية 31 آذار (مارس) يتوقع اتحاد الصناعة أن تنمو الصادرات من خدمات تكنولوجيا المعلومات بنسبة تراوح بين 26 و 29 في المائة أي بمبلغ قدره نحو 40 مليار دولار ، بينما بلغت نسبة نموها في العام الماضي 33 في المائة .
في بداية الأسبوع الجاري أعلنت شركة تاتا للخدمات الاستشارية ، وهي كبرى المنتجين الهنود للبرمجيات ، عن تراجع هامش أرباحها قبل حساب الاستهلاك والضرائب والرسوم من 25.6 إلى 23 في المائة للربع الأخير من السنة المالية المنتهية في 31 آذار ( مارس ) وذلك بسبب قوة العملة من ناحية ، وارتفاع الأجور من ناحية ثانية . ومن الجدير بالذكر أن ارتفاع قيمة العملة كلف الشركة 258 نقطة أساس من حساب الأرباح التشغيلية ، بينما كانت تكلفة الأجور المتصاعدة 208 نقطة أساس إضافية . ومن المتفق عليه في هذا القطاع أن ارتفاعا بنسبة واحد في المائة في سعر صرف العملة يؤدي إلى تراجع في أرباح شركات التصدير الهندية بنسبة نصف نقطة مئوية .
تكاليف الأجور تشكل ما نسبته 15%
إن القيمة الخارجية للروبية تؤثر في الشركات ويمكن أن تشكل مشكلة حقيقية لها . فهي تضيق هامش الربح الذي تحققه الشركات الهندية في أكبر أسواقها ألا وهو سوق الولايات المتحدة . من ناحية أخرى فإنه يسلب جزءا من جاذبية الهند بالنسبة للمستثمرين الأجانب . ومن الجدير بالذكر أن قيمة الروبية قد ازدادت مقابل الدولار بما نسبته 6.6 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي وذلك بفضل النمو الاقتصادي الذي بلغ نحو 9 في المائة . أما النتائج المترتبة على ذلك فهي ماثلة للعيان : فالأجانب يجرون حاليا حساباتهم فيما يتعلق بما تبقى فعلا من مزايا الأجور على خلفية الارتفاع المستمر في الأجور وارتفاع قيمة الروبية .
ومن المعروف أن تكاليف الأجور في الهند ترتفع سنويا بوتيرة تراوح بين 10 و 15 في المائة كما تقول شركة انفوسيس تيكنولوجيز المنافسة لشركة تاتا للخدمات الاستشارية . وتقدر شركة إنفوسيس أن أجرة ساعة العمل تبلغ حاليا 29 دولارا في المتوسط . بينما تقول شركة تاتا للخدمات الاستشارية إن أجور العاملين لحسابها في الخارج تزداد بنسبة 3 إلى 5 في المائة سنويا.
التدريب في المعاهد المهنية له تكلفته أيضا
إن الشركات الهندية والأجنبية على حد سواء تعاني البنية التحتية السيئة. ففي بانجالور تعاني الشركات تأجيل عمليات البناء والتوسع لأسباب سياسية ، كما يوجد ثمة نقص في عدد أسرة الفنادق ، هذا إضافة إلى أن ازدحام السير يكلف العاملين والزائرين كثيرا من الوقت ، كما يسيئ في الوقت نفسه لسمعة الهند نفسها . ولهذا فقد لجأت الشركات ليس فقط لإنشاء مواقعها حسب المواصفات الغربية ، وإنما عمدت أيضا لبناء بيوت ضيافة خاصة بها .
وكذلك يظهر جماع المواهب الهندية أضعف مما يبدو للوهلة الأولى . إن 30 في المائة فقط من خريجي المعاهد العليا في الهند صالحون للعمل بداية في صناعة البرمجيات ، وذلك وفقا لما جاء في دراسة تحالف برمجيات الأعمال . إن العديد من شركات تكنولوجيا المعلومات الكبرى انتقلت أخيرا إلى مرحلة إيفاد العاملين الجدد لديها لمدة نصف سنة للتدريب في مدارس تجهيزية ومعاهد مهنية ، وبعد عودتهم فقط يصبح في الإمكان إدماجهم في العمليات اليومية . ولكن هذا من شأنه أن يزيد التكاليف أكثر فأكثر. هذا ويتوقع كرام كارنيك ، رئيس مجلس إدارة شركة ناسكوم ، أن نصف مليون وظيفة لن تجد من يشغلها في قطاع صناعة تكنولوجيا المعلومات عام 2010 .
" المؤهلون يذهبون إلى سنغافورة "
إذا كان هذا القطاع حتى إلى ما قبل بضع سنوات هو القطاع الوحيد القادر على جذب خريجي المعاهد العليا المؤهلين ، فقد أصبح أمام هؤلاء الخريجين في هذه الأثناء مجال للاختيار بين العديد من القطاعات كقطاع صناعة السيارات والبنوك وشركات التأمين وحتى المؤسسات الاستشارية . ولكن من شأن هذا زيادة التكاليف ، حيث جاء في دراسة تحالف برمجيات الأعمال تحذير مفاده : " لا تستطيع أي دولة أن تنافس وحدها في التكاليف . ومن الواضح أن مقدمي الخدمات الهنود قد ابتدأوا يحسون بالمنافسة القادمة من روسيا ومن المجر وحتى من فيتنام ".
إن المستفيد من حالة الإشباع التي بلغتها الهند هي المواقع التي كانت حتى وقت قريب تعد في مرتبة ثانية ، ومثال ذلك سنغافورة المدينة الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا . ومن الأمثلة على ذلك أيضا قرار شركة بوش Bosch تكثيف أنشطتها الآسيوية في مجال تكنولوجيا المعلومات هنا . ولكن لماذا في سنغافورة حيث أسعار العقارات في تصاعد مستمر ، وفي الوقت الذي تعد فيه شركات ألمانية خططها للرحيل من هناك؟ وترى شركة بوش أن لوجودها في سنغافورة بعض المزايا التي خبرتها بنفسها . ومن هنا يقول هاينز ديرينباخ ، المدير الفني لتكنولوجيا المعلومات في شركة بوش : " لقد تفحصنا عن كثب كثيرا من المواقع في آسيا بما في ذلك بنجالور في الهند . "
ثم يضيف قائلا : " يمكن بسهولة انتقال الفنيين المؤهلين من اليابان أو من أستراليا إلى سنغافورة ، ولكن انتقالهم إلى الهند مشكلة في حد ذاتها . " وما يدعم اختيار سنغافورة هو موقعها المتوسط بين الصين والهند ، وكذلك توافر بنية تحتية رائعة ، واستقرار سياسي طويل الأمد وربطها بالكابل البحري الضروري لنقل البيانات . يضاف إلى ذلك المساعدة الفعلية التي تقدمها الحكومة لعملية الاستقرار . لأن مما يجدر ذكره أن بيروقراطية الدولة في الهند هي التي تدفع الأجانب إلى الإصابة بالإحباط.