العراق بعد عام من إعدام صدام حسين: أحوال أسوأ
drashwan59@yahoo .com
عام مضى منذ تنفيذ الإعدام في الرئيس العراقي السابق صدام حسين بالصورة التي جرى بها والتي عكست مشهداً دموياً حقيقياً لحكومة طائفية بامتياز. وعلى الرغم من الدعاية الواسعة التي قامت بها هذه الحكومة والحكومات السابقة عليها – والتي اختلفت عنها فقط في الدرجة وليس في النوع – ومن قبلها وورائها الإدارة الأمريكية لتأكيد أن إعدام الرئيس السابق سوف ينهي جميع الأزمات في العراق، فإن تطورات العام الماضي منذ إعدامه تؤكد أن الأمور تسير بالوتيرة نفسها من التدهور إن لم تكن أسوأ.
فلا يزال أكثر من مليونين ونصف المليون من أبناء العراق مهاجرين خارج بلدهم موزعين في ظروف معيشية صعبة في عديد من دول المنطقة في مقدمتها سورية، بينما اضطر ما يزيد عن هذا العدد إلى هجرة مناطق سكنهم الأصلية بداخل العراق إلى مناطق أخرى بالقرب من أبناء مذهبهم أو طائفتهم، خوفاً من التطهير العرقي والمذهبي الذي بات مشهداً يومياً في مختلف مناطق العراق المختلطة السكان من أصول مذهبية وعرقية. وفي بغداد، حيث توجد كل الطوائف والمذاهب، تتحدث الأنباء عن الأسوار الأسمنتية العالية التي باتت تعزل المناطق التي يقيم فيها أبناء هذه الطوائف والمذاهب بعضهم عن البعض الآخر بما يشبه مناطق الجيتو التي كان يعيش بها اليهود في أوروبا في العصور الوسطى. أما المعتقلون من أبناء العراق وبخاصة من أبناء الطائفة السنية، فقد وصل عددهم حسب تقارير بعض مراكز الأبحاث الأمريكية المتخصصة إلى ما يزيد عن 25 ألفاً في سجون القوات الأمريكية ونحو ضعفهم في سجون الحكومة العراقية، بدون أن يخضع أي منهم للمحاكمة أو لأي إجراءات قانونية عادلة. وعلى الصعيد السياسي تندلع كل يوم الأزمات بين الحلفاء والفرقاء من مختلف القوى السياسية والمذهبية العراقية، ويكون الثمن الدائم هو فقدان البلاد لأي نوع من الاستقرار والثبات السياسي.
ووسط هذه المشاهد الدموية الحزينة لعراق لم يعرف استقراراً منذ أن دخلته القوات الأمريكية والبريطانية في نيسان (أبريل) 2003، تصدر وزارة الدفاع الأمريكية تقريراً يشيد بالاستقرار النسبي الذي يعرف العراق منذ ثلاثة أشهر وبتراجع العمليات المسلحة الخطيرة كما يسميها التقرير. كما يشيد التقرير بالتراجع الذي عرفته عمليات تنظيم القاعدة في البلاد في ظل تشكل الهيئات والتحالفات العشائرية والقبلية السنية في محافظات الوسط والغرب العراقي لمواجهته بدعم تسليحي ولوجستيكي من القوات الأمريكية والحليفة. إلا أن التقرير الذي يريد كاتبوه وناشروه أن يعطوا صورة أكثر وردية للمشهد السوداوي في العراق، لم يستطع أن يغفل حقيقة أن الأوضاع السياسية لا تزال مهتزة في العراق، وأن الطائفة السنية لا تزال غير ممثلة بعدالة وتوازن في مؤسسات الدولة المختلفة. كما لم يستطع التقرير أن يغفل حقيقة أن الجيش العراقي، بعد كل ما أنفقه الأمريكيون عليه من مال وتسليح وتدريب خلال السنوات السابقة، لا يزال غير قادر على مواجهة العمليات المسلحة في البلاد، بل ويخسر نحو 17 في المائة من قواته سنوياً في تلك المواجهات بالإضافة إلى هروب أفراده ومجنديه منه. وأخيراً لم يستطع التقرير أن ينفي الحقيقة التي بات الجميع يعرفها، وهي أن العراق قد صار المجال الحيوي الرئيسي الذي تمارس فيه إيران كل ما تريد وتتصور أنه يزيد من مكاسبها ويحقق لها أهدافها الاستراتيجية ويحمي مصالحها من أي أطراف إقليمية أو دولية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
والحقيقة أن الشيء الأهم الذي لم يستطع التقرير الأمريكي ذكره بوضوح هو أن ذلك الاستقرار النسبي وتراجع عمليات العنف الخطيرة لم يأتيا إلا بعد زيادة القوات الأمريكية في العراق بأكثر من عشرين ألف جندي، وبعد تشكيل التحالفات السنية المسلحة لمواجهة تنظيم القاعدة. ولاشك أن الأمرين معاً يعنيان أن الحديث عن الاستقرار واحتمالات تراجع العنف في العراق لا معنى له، حيث إن استمرار ذلك الاستقرار المهتز يحتم استمرار بقاء القوات الأمريكية المحتلة لأعوام أخرى طويلة بل وزيادتها لتلافي تصاعد عمليات العنف من جديد، وهو ما سيجلب بدوره عمليات مقاومة مسلحة متصاعدة ستطيح بأي أمل في هذا الاستقرار الوهمي. كذلك فإن دخول العشائر والقبائل السنية إلى مجال تشكيل قوات وفرق مسلحة لمواجهة القاعدة سيضيف إلى المشهد العراقي المتخم بالصراع المذهبي والطائفي احتمالات تفجر جديدة، في ظل وجود مليشيات شيعية مسلحة قوية ومدعومة من أطراف عديدة بداخل العراق وخارجه. وليس هذا فقط، فعلى الجانب الشيعي توضح تطورات الأيام الأخيرة في محافظة البصرة وبعض محافظات الجنوب الغربي العراقية ذات الأغلبية الشيعية المدى الخطير الذي وصلت إليه الصراعات الدموية بين بعض من الأحزاب والقوى السياسية والعسكرية الشيعية فيها، والمرجح أن تتزايد بصورة كبيرة بعد انسحاب القوات البريطانية من البصرة، حيث بدأت تلك الأطراف صداماتها المسلحة من أجل السيطرة عليها دون الأخرى.
الخلاصة واضحة بعد عام من إعدام صدام حسين: فلم يؤد إسقاطه ونظامه قبل نحو خمس سنوات إلى قيام البلد الديمقراطي المستقر الذي زعم الأمريكيون أنهم جاءوا لبنائه في العراق، ولم يؤد إعدامه في المشهد الطائفي المذهبي المستفز قبل عام إلى أي استقرار في هذا البلد، بل ربما زادت الأحوال سوءاً وينتظرها في المستقبل سوء أكثر.