الرشوة .. تعرقل التنمية وتزيد البطالة وتتسبب في إهدار 300 مليار دولار سنويا

الرشوة .. تعرقل التنمية وتزيد البطالة وتتسبب في إهدار 300 مليار دولار سنويا

في إطار الشفافية التي ينادي بها الجميع في العالم بدأت المنظمات الدولية والجمعيات المهنية في نشر العديد من القضايا التي تهم الفساد في العالم ومن أهمها قضية الرشا. فالرشوة تعد اليوم واحدة من أكثر صور الفساد تفشيا في المجتمعات الإنسانية سواء تلك التي تصف نفسها بالمجتمعات المتحضرة أو تلك التي يصفها الآخرون بمجتمعات العالم الثالث. فلا تكاد تمر فترة إلا وتبدأ وسائل الإعلام في نقل أخبار عن جرائم الرشوة يتهم فيها الكبار قبل الصغار سواء أكانوا يعملون في المؤسسات الحكومية أو الخاصة. ونقرأ أحيانا أو نسمع عن حدوث جريمة رشوة متهم فيها موظف كبير أو مسؤول بارز في أحد قطاعات العمل الحكومي أو الخاص في بعض دول العالم ومنها الدول العربية، الأمر الذي يؤكد مدى الخطر الداهم الذي يهدد مجتمعنا من جراء تفشي هذه الظاهرة. وعموما يؤكد علماء الاجتماع والقانون والقضاء والدين وغيرهم أن الفساد ظاهرة عالمية، فلا يوجد أي مجتمع من المجتمعات سواء في دول العالم الأول أو دول العالم الثالث مستثنى من هذه الظاهرة، حيث تنتشر أساليب الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ والوساطة، والتي تشكل جميعها صور الفساد، في كل مكان في العالم، خاصة في المجتمعات التي تتعقد فيها المصالح، وتزداد فيها أساليب البيروقراطية. فالفساد ينتج بسبب قيام الموظف المسؤول باستغلال منصبه وسلطته لتحقيق مصالح شخصية على حساب المصالح العامة. وفي الوطن العربي يؤكد العلماء أن هناك عدة أنواع وأشكال من الفساد سواء أكان كبيرا أو صغيرا، وجميعها مرتبطة بالمناصب التي يتولاها هؤلاء القائمون عليها. فهل من الصعب على المجتمعات إيجاد المدينة الفاضلة، وتوفير مجتمع يخلو بصفة كلية من هذه الظاهرة؟
وفي إطار الجهود التي تبذلها الدول لمحاربة هذه الظواهر نجد أنها تشكّل أو تؤسس هيئات ومجالس للرقابة المالية ولجانا مماثلة هدفها متابعة هذه القضايا والعمل على تحجيم وتقليص عمليات الفساد، باعتبارها تؤثر في عمليات التنمية سواء للفرد أو المجتمع، فيما تساهم وسائل الإعلام الحديثة بدعم توجهات تلك المجالس واللجان لنشر مبادئ الديمقراطية والشفافية والمساءلة. ومن خلال تلك الجهود يتم إظهار الحقائق ومحاربة عمليات التعتيم والمهادنة التي يحاول البعض القيام بها، وبالتالي تزيد في المجتمعات ما يسمى بـثقافة الفساد وإدانة الذين يمارسون الفساد. البنك الدولي يعزز اليوم هذه التوجهات على الرغم من أن رئيسه السابق بول وولفويتس مارس نوعا من الفساد، وبالتالي نجحت الحملة العالمية في إقصائه ليأتي محله شخص آخر. وهذا البنك قام على سبيل المثال في الفترة السابقة بتجميد قرض بقيمة 250 مليون دولار لصالح كينيا بعد توجيه الاتهام لبعض الوزراء بتهريب أموال عمومية، حيث أكد مسؤول في البنك أن إدارته لن تكون مرتاحة إلا إذا بذلت الحكومات في العالم جهودها في مجال محاربة الرشوة، وعدم تبذير أو تهريب الأموال لصالح البعض. هذه السياسة التي يتبعها البنك لم تكن ممارسة من قبل خمسين عاما، كما أن كلمة رشوة لم تكن من بين المفردات المتداولة بهذه الصورة لدى المؤسسات المالية الدولية. لقد أدى الفساد ومن بين مظاهره الرشوة إلى انتشار الفقر وإخفاقات برامج التنمية في كثير من الدول، الأمر الذي أدى بالبنك الدولي لمتابعة قضايا ومصير القروض والهبات المخصصة لدعم التنمية في الدول النامية والدول الفقيرة, والأمر المؤسف حقا أن تأتي دول عربية في مقدمة قائمة أشد دول العالم فسادا وفي ذيل قائمة أنظف دول العالم من ظاهرة الرشوة. وتشير بعض المصادر إلى أن قيمة المبالغ التي تدخل جيوب المرتشين سنويا في العالم العربي تقدر بنحو 300 مليار دولار، في الوقت نفسه هذا المبلغ يعادل نحو ثلث قيمة ما يدخل جيوب المرتشين في العالم بأسره حسب تقديرات البنك الدولي. أما منظمة العمل العربية فتقول إن هذه الأموال تكفي لتوفير عشرين مليون فرصة عمل. هذه الفرص لن يتم توفيرها إلا من خلال محاربة أبرز مظاهر الفساد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في المنطقة العربية والمتمثلة في الرشوة، والمحسوبية، ونهب المال العام، والابتزاز، والواسطة، والمحاباة.

الأكثر قراءة