طرقنا البرية .. بلا خدمات
يعاني المسافرون كثيرا سوء خدمات مراكز الطرق القائمة، ويتضح ذلك من التصميم والتوزيع العشوائي لمرافق تلك المراكز، وإلى المستوى التنفيذي المتواضع ومستوى النظافة والتشجير وعدم رصف الممرات وسوء الإضاءة، إضافة إلى تدني مستوى الخدمات المقدمة فيها، من تغذية ودورات مياه لا تفي بالحد الأدنى من متطلبات المسافرين على هذه الطرق. وتبذل الهيئة العليا للسياحة جهودا للنهوض بهذه الخدمة المهمة بما يخدم السائح المسافر، ولكن تبقى المشكلة في تشتت المسؤولية بين جهات حكومية لها دور أساسي كوزارة الشؤون البلدية والقروية وثانوي أو مساند كوزارة النقل، إضافة إلى مبادرات للتعامل مع الوضع المتدني في بعض المواقع المرتبطة بتنقلات زوار المملكة ومن ذلك وزارتا المالية والحج. ونصت لائحة محطات الوقود على دور مهم للجان في متابعة تقوم بدور المراقبة، ومشكلة من البلديات والنقل والدفاع المدني ولكن هذه الجزئية المهمة لم يتم تفعيلها على الوجه المطلوب بشكل منتظم لأسباب سنتطرق لها لاحقاً. كما يجب أن ندرك أن المتابعة على الأغلبية من المستثمرين الأفراد غير المؤهلين ينطوي على جهود ضخمة، وبالتالي شبه استحالة تفعيل أي نظام مراقبة مهما كان مستوى دقته.
الدكتور فيصل المبارك مستشار الأمين العام للهيئة العليا للسياحة للتخطيط، أن تراجع مستويات أداء مراكز خدمات الطرق وصل حدودا غير مقبولة، ولا تعكس السمعة الحضارية للمملكة، مشيراً إلى أن المملكة من الدول الرائدة في مضمار تنفيذ شبكات الطرق الإقليمية وتشغيلها.
وقال المبارك: "إنه من المفترض أن تحتفظ بهذه الريادة في تبني تطوير المحطات لتواكب مستوى شبكات الطرق"، مؤكداً أن مستوى خدمات تلك المراكز يهم المسافرين بشكل عام والسائح بشكل خاص.
وأكد صلة واهتمام الهيئة العليا للسياحة بشبكات الطرق باعتبارها من مقومات النقل السياحي.
وأضاف: "إن اهتمام الهيئة العليا للسياحة في التعامل مع مراكز الطرق هو من منطلق رفع مستوى الخدمات التي يستفيد منها المسافر السائح بشكل خاص"، مؤكدا أن السفر بالسيارة عملية ترفيهية بحد ذاتها، حيث يسهم مستوى الخدمات بشكل كبير في اتخاذ قرار السفر بالسيارة في حال ضمان مستوى مرتفع من تلك الخدمات، والاعتبارات الأمنية على الطريق التي يمكن أن تترك أثرا إيجابيا للمسافر بما يتوافر فيها من خدمات ذات جودة عالية مثل المطاعم، والتموينات الراقية، والتشجير وأماكن للراحة ومصليات ودورات المياه النظيفة وغيرها من وسائل الترفية المناسبة.
وقال: "هناك بالتأكيد جهود حثيثة للتعامل مع الموضوع بشكل جدي، ولكن الآلية الحالية غير ممكنة لعدد من الأسباب، من أهمها عدم وجود شركات متخصصة وضعف السيطرة الحقيقية أدى إلى عدم قطع ثمار تلك الجهود". وأشار المبارك إلى أنه لم ينظر إلى مصلحة المسافر بمثل الاهتمام بمصلحة المستثمر الفرد بالذات، مشددا على وجوب تغيير هذه النظرة والموازنة بين الطرفين، حيث إن التعاطف بإطلاق الاستثمار للمستثمر الفرد أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم.
دور الجهات الحكومية
وعن دور الجهات الحكومية الأخرى في تطوير مراكز خدمات الطرق، أوضح مستشار الأمين العام للهيئة العليا للسياحة للتخطيط، أن وزارة المالية الآن بدأت بتنفيذ مراكز خدمة على منافذ المملكة من منطلق تحسين مستوى تلك الخدمات لما تتركه من انطباع إيجابي للمسافرين من خارج المملكة بالذات. وعلل الدكتور المبارك مسببات إطلاق الاستثمار لجميع المستثمرين بمن فيهم الأفراد جاء بسبب فشل حصر الاستثمار على شركة بعينها على الطرق الإقليمية، بينما كان الأولى تشجيع المنافسة بين عدد من الشركات المتخصصة المؤهلة تحت إشراف جهة غير مثقلة بالكثير من المسؤوليات، وقال: "لابد أن يكون هناك توجه متزن يراعي إتاحة الفرصة للاستثمار للجميع، ولكن من خلال ضوابط تؤدي إلى بيئة تنافسية بين شركات متخصصة تعتمد على مبدأ تقديم الجودة في الخدمات، مع إتاحة الفرصة للاستثمار الفردي في بعض المواقع وتحت شروط محددة، ويمكن للأفراد الدخول كمساهمين في الشركات التي يمكن أيضا مراقبتها من حيث السعودة ونظامية العمالة ومستوى تأهيلها".
وتساءل المبارك: "هل نريد حل المشكلة بجدية ونضع حلولا ناجحة ثبت نجاحها في معظم الدول، أم تستمر الأوضاع بهذا الشكل المخجل، اللهم ليجني المواطن ثمنا بخسا تارة، وليتكبد خسائر كبيرة تارة أخرى بسبب الاستثمار في مجال ليس من اختصاصه، أو لتستفيد العمالة الأجنبية وعلى حساب سمعة المملكة وراحة المسافر وأمنه وسلامته؟"، وزاد قائلا: "إن من الواضح أن الوضع السابق لم يحقق الأهداف، والواجب علينا تشخيص المشكلة حتى لو تطلب العلاج الناجح نقل المسؤولية إلى جهات حكومية أخرى أكثر تفرغا وتأهيلا، ودليلنا في ذلك التطبيقات الناجحة في الدول الأخرى".
المستثمرون.. نتائج غير مضمونة
وحذر المبارك أن حصر المشكلة في إناطة التشغيل والصيانة إلى قرار المستثمرين الأفراد سيؤدي إلى نتائج غير مضمونة، حيث إن المستثمر الفرد بطبيعة الحال سيبحث عن شركات متدنية الخبرة ذات السعر الأقل، وستعود المشكلة كما كانت وهي قضية التأهيل، بل إنه من المتوقع أن يقدم البعض على تأسيس مؤسسة خاصة به لتشغيل المركز، طالما لا يوجد هناك نظام لحصر مثل هذه الوظائف على شركات ذات سمعة رائدة أو شركات تؤسسها الدولة وتؤهلها بشكل مهني سليم وبأحدث المعايير العالمية كما هو الوضع في الإمارات على سبيل المثال.
ويرى أنه من الأفضل أن ينتهي دور المستثمر الفرد عند طرح الموقع للمزايدة بين تلك الشركات المعترف بها رسميا، كما أنه من المحتمل أن يؤدي ترك المراقبة للجهات المحلية إلى مضايقة الشركات لإفساح المجال للمستثمر المحلي الفرد.
وعن الجهات المسؤولة عن مراكز الخدمات، قال المبارك: "إن الجهة الرئيسية هي وزارة الشؤون البلدية والقروية، ثم يأتي دور محدود لوزارة النقل وهو ملاءمة الموقع وعلاقته بالمداخل والمخارج، ووزارة الداخلية (الدفاع المدني)، فيما يختص في اشتراطات السلامة".
وأضاف أن جهود وزارة الحج اقتصرت حتى الآن على وضع نماذج استرشادية في الطرق التي يمر بها الحجاج، مشيرا إلى أن دور الهيئة العليا للسياحة تنطلق من توصيات الاستراتيجية العامة لتنمية السياحة الوطنية المعتمدة من مجلس الوزراء من ذلك أهمية تطوير الخدمات على الطرق الإقليمية، وللهيئة أكثر من أربع سنوات تقوم بدور مهم، وتطالب بالاهتمام بدخول شركات متخصصة في هذا المجال.
عمالة متدنية.. ربح أوفر
ولفت المبارك إلى أن الحلول الناجحة لضمان جودة الخدمات المقدمة في مراكز الخدمة الجديدة تتضمن تحديد مواقع تلك المراكز، بما يضمن توزيعها بشكل يحقق الجدوى الاقتصادية ومتطلبات السلامة والأمن، ومن ثم طرحها للمزايدة من قبل شركات بترولية متخصصة، بينما يلاحظ أن هناك بعض الجهات المحلية تتعاطف مع بعض الملاك ومنحهم مواقع وتراخيص دون التدقيق في الضوابط التي نصت عليها اللائحة.
وأوضح مستشار الأمين العام للهيئة العليا للسياحة للتخطيط، أن إطلاق الاستثمار يؤدي إلى تفشي استثمار الأفراد بسبب تقليل تكلفة التشغيل لمستويات متدنية حرصا على الربح البسيط، لافتا إلى سعي كثير من المراكز تأجير الخدمات لعمالة أجنبية رخيصة، مؤكدا أنه يتطلب المحافظة على مستوى مقبول في تلك المراكز وعلى جهود رقابية كبيرة على العكس من الشركات التي تتبع معايير تنفيذ وتشغيل ذات مهنية عالية ترتبط بصورتها الذهنية لدى المستهلك وتحرص كل الحرص على مستويات خدمة عالية لضمان سمعتها محليا وعالميا.
وقال: "إنها شركات تتمتع بإدارة متخصصة في التسويق وتطوير المنتجات ويمكن مراقبتها بسهولة نسبية من قبل الجهات المخولة نظاما، وفرض أي اشتراطات بالتواصل مع مقارها الرئيسية".
ومن جهة أخرى عبر عدد من المواطنين عن امتعاضهم لسلوك تلك الطرق، التي بقيت دون تحفيز تدفعهم للسفر برا، معللين ذلك بضعف الخدمات فيها من مطاعم، سوبر ماركت، مصليات، دورات مياه، خدمات بترولية، وورش صيانة السيارات، مطالبين بتضافر الجهود بين جميع الجهات المعنية في هذا الشأن، ويلزم معالجة ذلك من منطلق وطني، أخذاً في الاعتبار المصلحة العامة المتمثلة في حماية المستهلك كمعيار مهم عند وضع الحلول الناجحة للنهوض بتلك المراكز من وضعها المتردي.
توصيات وزير الداخلية
ويجدر هنا التنويه إلى ما أشار إليه الأمير نايف بن عبد العزيز رئيس مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة في اجتماع مجلس الإدارة الأخير من أن وضع مراكز الخدمات على الطرق السريعة غير مرض، ولا يليق بمواطني المملكة وزوارها سواء من ناحية المنشآت أو الخدمات المقدمة وضرورة وجود مراكز طرق متطورة تشتمل على كافة الخدمات الأمنية والإسعافية والأسواق التموينية والاستراحات وفق نماذج ومواصفات قياسية يتم التقيد بها وضرورة الاستمرار في البحث عن الحلول المناسبة لهذه المشكلة.
وإلى ما أشار إليه الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز الأمين العام للهيئة في كلمته للمشاركين في ورشة العمل الأخيرة من أنه لا يمكن استمرار استراحات الطرق طوال هذه المدة على هذا الوضع غير اللائق, والذي لا يتوافق مع مكانة المملكة وشعبها وضيوفها المستخدمين للطرق الإقليمية. وتأكيده على التأثير السلبي لمستوى هذه الاستراحات على مكانة المملكة لدى المسافرين وتأثيرها على نمو السياحة الوطنية يجعلنا نطالب بتكثيف وتوحيد الجهود للرفع من مستواها, وتشديده على أنه لا تتحمل جهة بعينها مسؤولية ذلك بل إن الجهات المعنية مطالبة كل حسب اختصاصها بتطوير هذه الخدمة. ولاشك أن الهيئة وانطلاقا من أهمية هذا الموضوع وتأثيره على النشاط السياحي في المملكة ومن خلال الإدارة المعنية فيها وهي إدارة التخطيط والمتابعة, فإنها دائمة الاتصال بالمسؤولين في وزارة الشؤون البلدية والقروية الذين يبذلون جهودا كبيرة في هذا المجال وبغيرهم من المسؤولين في الوزارات المشاركة في اللجنة لتظهر المقترحات التطويرية إلى الواقع.
شركة لتطوير الاستراحات
الغرفة التجارية الصناعية أنجزت بدورها دراسة بخصوص إنشاء شركة لتطوير الاستراحات والمناطق الخدمية التي تقع على الطرق داخل المملكة والتي تعاني العشوائية والتلوث وانعدام النظافة، ما يتطلب معه الاستثمار في هذا القطاع الكبير المهم من القطاعات الاقتصادية بشكل منظم وعدم تركه لاجتهادات الأفراد، خاصة أنه ليس هناك شركات متخصصة في هذا المجال سواء كانت مساهمة عامة أو غيرها.
وحول رأس المال أكد مصدر في الغرفة أن ذلك ستحدده دراسة الجدوى الاقتصادية، حيث سيتم تطوير هذه الاستراحات لتكون نواه أولى لإقامة مراكز حضرية متكاملة تضم مطاعم ومراكز تسوق وأماكن الإيواء، ومرافق لتقديم الخدمات السريعة، إضافة إلى خدمات أمن الطرق والإسعاف ومقار لدوائر حكومية.