واقع التوظيف في شركاتنا

واقع التوظيف في شركاتنا

نستبشر نحن المواطنين حينما تتم سعودة نشاط معين أو مهنة معينة. أو حينما توكل أعمال إلى شركاتنا الوطنية. وذلك لإدراكنا المصلحة الوطنية في استنقاذ أموالنا ومصادرنا الوطنية من فك الشركات الأجنبية. ولقناعتنا بأهمية توظيف أموالنا محليا وتدويرها داخليا.
ومن المهم في ظل الطفرة التي يشهدها الوطن ورواج الأعمال وكثرة وكبر العقود، أن يوازيها نمو ورواج في سعودة هذه الأعمال والمهن داخل هذه الشركات. ليتحقق توزيع الثروة بشكل متوازن وعادل بين الشركات الوطنية والقاعدة العريضة من المواطنين. لئلا ينحصر النفع من هذه العقود والأعمال في فئة صغيرة من المواطنين والعمال والموظفين الأجانب. ولتتم إعادة تدوير الأموال مرة أخرى داخل اقتصادنا المحلي. ويعم النفع الجميع.
لكن أن يروج العمل وتتعدد وتسمن العقود مع هذه الشركات المحلية ولا يكون للوطن والمواطن حصة جوهرية منها, فهذا هو الهدر الواضح والظلم الفادح للوطن والمواطن. ومعه، لا فرق بين أن يأخذ العقد أو يوكل العمل إلى شركة وطنية أو أجنبية.
وتوظيف العمالة الوطنية حق ومبدأ. ويجب ألا نساوم عليه في ظل وجود هذا السيل الجارف من العاطلين عن العمل ووجود العقود الضخمة والأعمال المتزايدة. وفي ظل وجود سيل جارف من العمالة الأجنبية تقدر بنصف عدد سكان هذه البلاد.
فهذا المبدأ حق للوطن والمواطن والوفاء به واجب على الشركات ورجال الأعمال. وليست منة من أحد. فمن يحصل على ثرائه من بلادنا يجب أن يخصص جزء من هذه الثروة للوطن والمواطن. وإلا وجب أخذها منه عنوة وتوزيعها على مستحقيها. فبغير هذا لا تستقيم الأمور.
وتوظيف الأجانب والدفع لهم بسخاء مع وجود هذا القدر من البطالة يعد بدعة وشذوذا في ممارسات الدول. وسيفرز في حال بقائه على حاله سلبيات على المجتمع لا حصر لها.
من هذا المبدأ، يجب ربط إيكال الأعمال والعقود للشركات المحلية أو الأجنبية بتحقيق نسبة لا تقل عن 50 في المائة من قيمة ما يخصص لرواتب ومنافع الموظفين لعمالة محلية مهما كانت ذرائع الشركات في عدم وجود المؤهلين لهذه الأعمال. أنا أدرك كغيري أنه لا يمكن سعودة أعمال حرفية عمالية بعينها ، كأعمال الرصف والبناء وبعض أعمال النظافة والصيانة، وقد تحتاج سعودتها لوقت وبيئة مناسبة وثقافة يتم صنعها، وهذه الأعمال مبرر ومفهوم عمل الأجانب فيها ولا نتحدث هنا عنها. لكن نتحدث عن الوظائف سهلة وممكنة المهارات.
ومن خلال تجربتي المتواضعة ومشاهداتي المحزنة اطلعت على عدد كبير من المبتدئين الأجانب في الشركات المحلية والأجنبية ممن يأتي للتدريب على رأس العمل في بلادنا وتدفع لهم مبالغ لا تدفع لمديرين محللين. بل يتم إرسالهم في دورات تدريبية داخليا وخارجيا. وهذه حقيقة للأسف يجب أن نعترف بوجودها. وتمثل هدرا مزدوجا وذبحا للوطن والمواطن. ويجب ألا نتسامح معه ولا نغض الطرف عنه. كما أننا نرى شركات أجنبية أثرت في بلادنا لا توظف أي سعوديين وتصرف كل عوائدها في بلدانها.
وللحق، يوجد شركات وطنية ترتقي إلى مستوى الحس الوطني في توظيف العمالة المحلية استحقت التكريم ومنح الأوسمة. وقد احتفى بها الوطن في مناسبات كثيرة. في المقابل، اطلعت على حالات مأساوية ومبكية لممارسات شركات محلية مع مواطنين. هي واقعا غاية في الاستغلال لظروف هؤلاء المواطنين الشباب والإهانة لهم. وممارسة أقل ما يقال عنها أنها خالية من الأخلاق والمسؤولية وتمثل قمة الاستهتار بأنظمة العمل. وتدليسا واضحا وتحايلا على الأنظمة لإيجاد ذرائع للتهرب من المسؤولية وحجج لرفع العتب عن هذه الشركات.
فبين يدي، على سبيل المثال، حالة لعدد من الشباب الذين تعاقدوا مع إحدى الشركات العاملة في مجال تسويق خدمات إحدى كبريات شركات الاتصالات في بلادنا. فاثنان من هؤلاء الشباب يحملان مؤهلا من كلية التقنية في مجال عمل الشركة واثنان يحملان الثانوية العامة. وكان هؤلاء الشباب، تحت ظل الحاجة وواقع السوق، في منتهى الأثرة والتواضع والتنازل في قبول عرض الشركة الذي يمثل في حقيقته منتهى الإجحاف وعبئا وصرفا على هذه الشركة من قبل هؤلاء الشباب وكأنه عمل دون مقابل.
تخيلوا، كان عقد كل من هؤلاء الشباب 1500 ريال راتب أساسي + 375 بدل سكن + 325 مواصلات. ليصبح إجمالي ما يحصل عليه الموظف 2200 ريال. هذا الراتب يغطي العمل على فترتين صباحية ومسائية يمتد العمل خلالها إلى الساعة الحادية عشرة مساء. يخضع الموظف قبل العمل لدورة تدريبية لمدة أسبوعين أو ثلاثة لدى شركة الاتصالات التي تسوق هذه الشركة منتجاتها براتب مقطوع قدره 1500ريال شهريا. بعدها يلحق بالمدينة التي يرغبها. ويتضمن العقد بندا ينص على حق الشركة في نقل الموظف إلى أي مدينة من مدن المملكة. في أي وقت شاءت. دون أن يترتب على النقل أي زيادة في الراتب أو البدلات للموظف. كما أن هناك بنودا جزائية في العقد وغرامات تقدر بخمس رواتب تعويضا للشركة مقابل التدريب في حالة رفض الموظف النقل. هذا في الأمام. ومن الخلف، يقنع الموظف شفويا بأنه لن يتم نقله وإنما هذا مجرد إجراء روتيني يضمن كل العقود ولن يلجأ إليه أبدا. طبعا، تحت وقع الحاجة وظروف عدم توافر العمل يضطر المواطن إلى قبول هذه الشروط المجحفة. فالراتب ضئيل حتى في مكان الإقامة. فماذا سيكفي هذا الراتب في حال قبول النقل لمدينة أخرى تبعد مئات بل آلاف الأميال؟ هل هذا الراتب للإيجار أم للمصروف أم للمواصلات أم أم أم ؟؟؟.... وماذا لو كان الشاب متزوجا. ولديه أسرة وأبناء؟
رغم رضا هؤلاء الشباب باستغلال الشركة الواضح لهم وإجحافها معهم، إلا أن الشركة لم ترض بهم وأصرت على نقلهم لحملهم على الاستقالة التي طالبتهم بها قبل أن تتخذ قرار فصلهم بحجة عدم قبولهم النقل. والواقع أن الشركة مبيتة سوء النية منذ البداية لفصل هؤلاء ولكن ترغب في رفع العتب أمام المسؤولين بالالتزام بالسعودة وتقوم بلي يد الموظفين لحملهم على ترك العمل. وكدليل على سوء نية الشركة وتبييتها نية النقل ومن ثم الفصل منذ البداية. هو:
1 - تضمين العقود هذه البنود والشروط الجزائية.
2 - ربط الشرط الجزائي بالتدريب الشكلي.
3 - عدم تسليم شهادات التدريب إلا بالموافقة على النقل.
4 - رفض الشركة تسليم الشهادة بعد إتمام الفصل.
5 - اتخاذ قرار النقل بعد أسبوعين من مباشرة العمل.
6 - ادعاء الشركة بقرار الفصل تغيب الموظف عن العمل مدة ما يقارب أسبوعين وهو على رأس العمل.
والواقع المؤلم يحدث في ظل وجود عدد كبير من التنفيذيين في هذه الشركة من غير السعوديين. وتدفع لهم رواتب خيالية. هذا مجرد مثال بسيط يعكس واقع السعودة في شركاتنا الوطنية.

 * محلل مالي

الأكثر قراءة