من أي تمكين يخافون؟
من أي تمكين يخافون؟
أطمئن القارئ بداية بأنه لن يجد عفريتا من أي نوع في زوايا مقالتي هذه، بل هي اجتهادات وأفكار مطروحة للنقاش في قضية من أهم القضايا، قد يتفق معها القارئ وقد يختلف لكن احترام وجهات النظر يظل حقا محفوظا لكل الطرفين.
تأتي مقالتي إجابة مختصرة على مكالمة هاتفية جاءتني من ناصحة – كما وصفت نفسها – تقترح أن أقوم بتغيير التعريف المذيل في آخر مقالاتي "استشارية برامج تمكين المرأة" حتى لا أزج نفسي في "عصابة تمكين المرأة" وأتسبب في رسم صورة مشوشة من دون قصد مني لدى القراء عن توجهاتي وأهدافي، وأصارحكم بصدق أنني أخذت فترة من الزمن حتى أستوعب ألغازها.
كان أمامي خياران: الأول أن أستفهم منها مغزى استخدامها كلمة "عصابة" والآخر أن أختصر الوقت وأوضح لها مفهومي لأبعاد عبارة "تمكين المرأة"، ولأنني دوما أشجع على المبادرة الإيجابية وامتلاك القدرة على اختيار استجابات واعية لا ردات أفعال فقد اخترت الخيار الآخر ووضحت لها أن تمكين المرأة هو تعزيز لقدرات المجتمع وليس تهديدا له، وهو ضرورة وليس ترفا، لكن البعض يعترض على مصطلح" تمكين المرأة لاعتقادهم أنه مصطلح غربي مع أن كلمة (تمكين) تكرر ذكرها في القرآن كثيرا وليست غربية لنرفضها.
تستلزم التحديات المتسارعة على صعيد الحياة تمكين المرأة من التمتع بقوة نفسية داخلية وقدرات عالية من التكيف واحتواء التحديات الحياتية لأن التنمية المستدامة في المجتمع لا يمكن تحقيقها إلا بإرادة مشتركة من الرجل والمرأة، كما أن بناء مستقبل إيجابي للوطن يحتم التأكد من أن أفضل موارده – أجيال المستقبل – تنمو في محاضن نساء متمكنات من صناعة قرارات إيجابية لأنفسهن ولمستقبل أبنائهن.
إن تمكين المرأة هو مشروع توعوي تبدأ نقطة انطلاقه من تأسيس بنية فكرية داخل وعي المرأة ذاتها ولا يكفي لضمانه تغيير القوانين والتشريعات فقط، وذلك ما يجعلني أختلف مع كثيرين ممن يرون أن البداية تكون بالتمكين الاقتصادي أو التمكين من مواقع القرار، وأسعى دوما إلى التعامل مع ملف التمكين من منطلق تقديم آليات في التغلب على الهدر الذاتي لأنني أؤمن بأن مشكلة المرأة هي الهدر الذاتي أكثر من القهر الخارجي، وأن الانتصارات الداخلية تسبق الانتصارات الخارجية.
نحن بحاجة إلى برامج تساهم في تمكين المرأة من استثمار طاقاتها الذاتية، وحماية خصوصيتها الحضارية وتعزيز قدرتها على المشاركة بمساحة أكبر وحضور أكثر إبداعية في عملية التنمية المستدامة بهدف تحقيق وجود تكاملي دون إذكاء التصادم مع الرجل أو مصلحة المجتمع.
وأعتقد أنه من الأجدى وفقا لما نعيشه من تغيرات وتحديات أن يتحول الجدل المطروح حول الأجندة الخفية لملف تمكين المرأة إلى بحث جاد للتوصل إلى ديناميكية فاعلة لما يجب فعله لخلق الظروف المواتية لتمكين المرأة.
في نهاية الحديث وجهت لها سؤالا يؤرقني دوما : هل الصورة التي تعيشها المرأة المسلمة اليوم هي التي أمر بها القرآن الكريم وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم ؟
لعلها تجد الإجابة فيما قاله السفير الألماني "مراد هوفمان"، الذي أعلن إسلامه وقال في كتابه "الإسلام كبديل " "صححوا أوضاع المرأة المسلمة عندكم فإنها تنفر الأوروبيين من الإسلام".