هل نستفيد من المنتديات الاقتصادية؟

[email protected]

لم يعد اليوم مفهوم التنمية الاقتصادية محصورا في الحدود التقليدية الضيقة التي سادت أدبيات التنمية الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية بل تطور في العقود الستة الأخيرة ليستوعب أبعادا اجتماعية وسياسية وتكنولوجية وبيئية إلى جانب البعد الاقتصادي حيث أصبح المختصون في قضايا التنمية يؤمنون أنها عملية واسعة تشمل تحرير الفرد من الفقر والقهر والاستغلال وتقييد الحرية, كما تشمل تحرير المجتمع من ذل الاعتماد على الخارج وتخليصه من قيود التبعية بكل ما تحمله من استغلال وتقييد للإرادة الوطنية وهشاشة أمام الصدمات الخارجية.
وقد أحسن المنظمون لمنتدى الرياض الاقتصادي في اختيار موضوع التنمية المستدامة ليكون نقطة ارتكاز تدور حولها محاور جلسات هذا المنتدى، خاصة أن بلادنا تعيش فترة ارتفاع عوائد النفط ولديها استحقاقات تنموية عديدة. الناظر في محاور المنتدى يلحظ أنها لافتة ومهمة، بل يمكن القول إنها لامست قضايا مصيرية. فمسائل إدارة الفوائض المالية وأساليب توظيفها، وتطوير البيئة العدلية لتتوافق من متطلبات التنمية الاقتصادية، ومسألة تكامل البنية التحية، وكذلك مسألة تنمية الموارد البشرية، ورفع كفاءة أداء الأجهزة الحكومية، هي مسائل وقضايا حاسمة في مسيرة التنمية لأي مجتمع, لكن هذا المنتدى وأمثاله سيظل مجرد لقاء لتبادل الأفكار واستلهام تجارب الغير، إن لم نعمل جاهدين على الاستفادة الحقيقية من توصياته ووضعها موضع التطبيق العملي بل ومتابعة مراحل عملية التطبيق حتى يتم فعليا وعمليا وضع مؤسساتنا وإجراءاتنا على مسار التغيير اللازم لتحقيق أهداف خطط التنمية، فهذا وحده ما سيساعدنا على توجيه جهودنا نحو طريق التقدم والنهوض والانخلاع من مستوى التخلف ورفع مستوى معيشة السكان. وما من شك في أن تجارب التنمية الحديثة في عدد من دول شرق آسيا تظهر بشكل جلي أهمية عامل التوازن في برامج التنمية، من حيث مستوى انتشارها القطاعي والجغرافي، ومراعاة مصالح الأجيال المتعاقبة، والمحافظة على البيئة، والتيقظ لمسألة الاستخدام الجائر للموارد الطبيعية المحدودة والنابضة.
تقدر إحصاءات الأمم المتحدة أن عدد سكان العالم سيصل إلى ثمانية مليارات نسمة في عام 2020م. سيكون نحو 6.6 مليار نسمة منهم في العالم النامي، نصفهم تقريبا سيعيشون تحت خط الفقر، وسيكون نحو 840 مليون منهم في عداد الجائعين، فضلا عن مئات الملايين من العاطلين عن العمل. وستستوعب أكثر من 550 مدينة ضخمة غالبية هذه الأعداد بمعدل مليون شخص لكل منها، بينما يصل عدد المدن التي تضم أكثر من عشرة ملايين إلى 20 مليون نسمة. وتقدر مصادر الأمم المتحدة أن ما يزيد على خمسة بلايين نسمة ـ أي 70 في المائة من الجنس البشري ـ سيعيشون في مدن فقيرة في عام 2025م، مما يفتح احتمالات تفجر كوارث بيئية وبشرية هائلة، مع تقلص قدرة الحكومات على السيطرة على مدنها المتضخمة. لقد بات كثير من المختصين في قضايا التنمية الاقتصادية يخشون من انتشار ظاهرة تبديد الموارد من خلال الاستهلاك الجائر والمفرط لتصبح ظاهرة عالمية ستؤدي في حال استمرارها إلى كارثة بيئية لا تحتمل. ففي ظل هذا الاتجاه ستصبح الموارد الطبيعية مجرد مادة أولية قابلة للاستهلاك، حيث تُصادر كل يوم مساحات هائلة من الأراضي الزراعية لغرض التوسع العمراني، ويتم استنزاف الثروة السمكية دون اكتراث، وتُشحن باستمرار نفايات مصانع الدول المتقدمة لتدفن في أراضي العالم المتخلف. إن الطفل الذي يولد في الولايات المتحدة يشكل عبئاً مضاعفاً على البيئة من الطفل السويدي، وثلاثة أضعاف من الطفل الإيطالي، و13 ضعفا من الطفل البرازيلي، و35 ضعفا من الطفل الهندي، و14 ضعفا من الطفل البنجالي، و28 ضعفا مما يكلف البيئة طفل مولود في تشاد أو نيبال. وكل هذا يعني استحالة تطبيق هذا النمط المعيشي على 80 مليون طفل يولدون كل عام.
إن الاستبشار ببعض الأرقام الكلية، كارتفاع الدخل القومي في بعض الدول، لم يعد يعني شيئا طالما ظل الوضع البيئي والثقافي والاجتماعي في انحدار مستمر، وطالما لم تأخذ الطبقة الوسطى دورها الحقيقي في تأسيس قاعدة اجتماعية ذات بال، كما حدث للمجتمعات الصناعية إبان عصر الثورة الصناعية. ولذا فإن الاستمرار في غض الطرف عن الأخذ بأسلوب الدولة الحديثة في إدارة الموارد ورسم خطط التنمية الاقتصادية، لن يحل بشكل جذري مشكلة تخلفنا الاقتصادي. لم يعد بالإمكان الاعتماد على أسطورة اليد الخفية وحدها لتحقيق أهداف التنمية، كما أن التفاؤل باستنساخ تجارب سابقة لم يعد سليما على علاته. فحكومات الدول الصاعدة في آسيا التي نجحت في تخطي الفقر، كحكومات كوريا الجنوبية وسنغافورة وهونج كونج، قدمت الدعم الكافي للمستثمرين القادرين على إنتاج سلع قابلة للتصدير.
إن نهوض مجتمعاتنا سيتوقف على امتلاكنا لرؤية سديدة لما نريد أن نكون. كما يعتمد على نوع برامج واستراتيجيات التنمية التي نتبناها. التنمية تتطلب إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في المجتمع؛ بهدف إكسابه القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده، لتمكين المجتمع من الاستجابة للحاجات الأساسية لأعضائه؛ عن طريق الترشيد المستمر لاستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة، وحسن توزيع عائد ذلك الاستغلال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي