الدرباس: معلمي ضربني على وجهي.. فعرفت حينها قيمة العمل!

الدرباس: معلمي ضربني على وجهي.. فعرفت حينها قيمة العمل!

هو رجل جدير بالاحترام والتقدير، التزم مع نفسه لكي يكسب لقمة عيش شريفة، في وقت كان فيه إيجاد اللقمة صعبا ومضنيا.
منذر الدرباس الذي يكنيه أحبته بـ "أبي خالد" اختار لنفسه مهنة صناعة الأحذية الرجالية كعمل يتسلى به في البداية كما قال، إلا أنه وبعد سنوات طويلة من الالتزام والعمل، أصبح من أمهر العاملين في هذه المهنة إن لم يكن أفضلهم، وامتدت رحلته مع العمل في هذا المجال إلى 23 عاما ستزيد كما يؤكد، لأنه سيورثها أبناءه الذين علمهم جميعا أسرارها، معتبرا أن من لا يملك "صنعة" منهم فسيضيع في هذا الزمن الذي يسميه "زمن المهن".
أبو خالد أظهر استعداده لتعليم أي شاب سعودي يتقدم إليه، إيمانا منه أن تعلم مهنة يوازي الحصول على إحدى الشهادات العلمية، ولكنه فرض شرطا واحدا على من يريدون التعلم، وهو الصبر على المهنة ومتاعبها، لأن مهنته قبل أن تكون مهنة إبداع ودقة هي مهنة صبر وجلد.
الدرباس تحدث لـ" الاقتصادية" عن قصة حياته مع مهنته، وفتح لنا قلبه بالحديث عن أسرار تجربة امتدت 23 عاما.

في البداية عرفنا عن نفسك؟
منذر بن الدرباس متزوج ولدي من الأبناء خمسة.

منذ متى وأنت تخوض هذه المهنة وأين تعلمتها؟
منذ أكثر من 23 عاما تقريبا، وتعلمتها على يد صديق لي.

حدثنا عن بدايتك مع المهنة؟
لما وصل عمري 19 عاما لم يكن لدي مهنة أعمل فيها، ولم يكن أيضا لدي شهادة ألتحق بها في وظيفة حكومية، ولم أكن منجذبا لعمل والدي الذي كان يعمل في تجارة الخضار والفواكه، فدعاني صديقي "سليمان الجنوبي" للعمل معه في صنع الأحذية، فكان له الفضل بعد الله في تعليمي هذه المهنة، فعملت عنده في محله، إلا أني كنت مترددا في البداية، وقبلت بعد إلحاحه علي، ولما بدأت العمل عنده لم أكن جادا في عملي بسبب عدم معرفتي أصول المهنة في البداية، حتى أني كنت أعبث بالجلد وأقصه بطريقة لا يستفاد منها، فأدخلت عليه خسائر بسبب عدم جديتي في العمل، وعدم فهمي أنها مهنة تحتاج إلى الصبر، ثم أتاني صديقي في يوم من الأيام وضربني على وجهي، وفي الحقيقة لم تكن تلك الضربة قاسية، إذ كان لديه الحق في ضربي بحكم أني أفسدت الجلد، إضافة إلى أنه أكبر سنا مني، فخرجت من المحل متضايقا بسبب تصرفه ولم أعد له، وبعد ثلاثة أيام هاتفني في منزلي وأخبرني أنه فعل فعلته لأنه يخاف علي، ويريدني أن أعمل وأكتسب مهنة تفيدني وتسندني في المستقبل، والحمد لله أنني استمعت إلى نصيحته ورجعت إلى العمل لديه وتعلمت من البداية، وها أنا الآن أملك محلين خاصين بي.

هل تعتبر مهنتك سهلة التعلم، وإلام يحتاج الشاب لتعلمها؟
لم تكن سهلة وتحتاج إلى صبر طويل، لأن عمل صناعة الأحذية يحتاج إلى مراحل كثيرة وتحتاج كل مرحلة إلى تعلم ووقت لإتقانها. فمثلا لدينا الجلد يحتاج إلى قص بحرفية وعناية فائقة، ثم تأتي لدينا مرحلة النقش على الجلد وتحتاج هذه المرحلة إلى شخص محترف بالنقش بطريقة رائعة، ما يجعلها تجذب الزبائن والراغبين في شراء ما صنعته أيادينا في المحل، ثم يأتي بعد ذلك مرحلة تسمى "الأرضيات"، حيث يتم النقش عليها كذلك، وفي المرحلة الأخيرة نصل إلى مرحلة التركيب. ولكل مرحلة أناسها المختصون بها، وأنا - والحمد لله - تعلمت هذه الأعمال كلها.

أبناؤك هل علمتهم مهنتك؟ وما مدى تقبلهم في ذلك؟
ابني الأكبر "خالد" أول من تعلم المهنة من أبنائي، ثم ابني الصغير "أحمد" الذي طلب مني أن أعلمه لأنه يحب هذه المهنة، والحمد لله كان تقبلهم رائعا، واستطاعوا أن يتعلموا بسرعة كبيرة.

لماذا علمت أولادك هذه المهنة؟
أنا من وجهة نظري أن هذا الزمن هو زمن المهن، ومن لديه مهنة يتعلمها ويتقنها فستكون حامية له بعد الله سبحانه في هذا الزمن.

هل يوجد شبان سعوديون الآن يريدون تعلم هذه المهنة؟
للأسف لا، ولو حضر أحدهم فسأفتح له أبواب محلي لتعليمه، وأستقبله وأعلمه كما علمت أبنائي.

ما أنواع الأحذية التي تصنعها في محلك؟
نصنع "النجدية" و"القصيمية". و"القصيمي" ينقسم إلى أنواع، إذ يوجد نوع يسمى "المبطن" يعد موديلا جديدا في الأسواق، كما يوجد نوع يسمى "الربل"، وينقسم إلى نوعين "الربل العادي" و"الربل المنخفض"، كما نقدم خدمة التفصيل للزبون إذا أراد.

حدثنا عن مهنتك في الماضي وما الذي اختلف فيها، وهل حاولت تطوير آليات العمل؟
في الماضي كان كل شيء بدائيا جدا، الجلد يحضر إلى المحال من غير تنظيف ولم يكن صانعو الأحذية يعملون على تنظيفه، وأخذ قياس قدم الزبون لم تكن دقيقة وأدوات القياس تستخدم بشكل بدائي، ولم يكن الناقش على الجلد مهتما بهذه المرحلة. أما الآن فيحدث العكس تنظف الجلود وتلمع وتعمل النقشات بشكل فني راق جدا وجذاب.

من أين تحضر الجلد المستخدم في مهنتك؟
أحضرها من المصانع التي تتوافر لدينا في البلاد من الرياض والمدينة المنورة وغيرهما، باستثناء نوعية خاصة من الجلد نستوردها من باكستان.

هل تستورد أحذية من مصانع الأحذية؟
كل الأحذية التي تراها في المحل من صنعنا، ونحن تعلمنا هذه المهنة لكي لا نعتمد على غيرنا وننافس في السوق ونكسب ما نحتاج إليه من عرق جبيننا.

ما مدى إقبال الناس على شراء هذا النوع من الأحذية؟
في تزايد مستمر وإقبال شديد على الأنواع التي نصنعها، وخاصة من فئة الشباب، في السابق لا يشتري هذه الأنواع من الأحذية إلا كبار السن، أما الآن اختلف الوضع كثيرا.

ما سبب إقبال الشباب في رأيك؟
السبب يرجع إلى أننا نحن أصحاب هذه المهنة طورنا أساليب أعمالنا ومن الأشكال التي نقدمها للزبون، وأصبحنا نتنافس تنافسا شريفا فيما بيننا، لدرجة أننا أصبحنا نقدم كل ستة أشهر موديلا جديدا في السوق، وفي بعض الأحيان يحدث ذلك في فترة زمنية أقل من ذلك.

هل هناك عوامل أثرت في عملكم من ناحية انتشار منتجاتكم؟
بكل تأكيد هناك مؤثرات وليس مؤثر واحد فقط، ومن ذلك الأحذية الجاهزة، فكثرة انتشار محلات بيع الأحذية في منطقة الرياض أثر بشكل كبير وواضح فينا وهذه هي حال الدنيا، لكن رغم ذلك ما زال الناس كما ذكرت يقبلون علينا، وذلك جعلنا نبتدع أفكارا جديدة.

بعد سنوات طويلة في هذه المهنة من هو أبرز منافسيك الآن؟
في السابق كان يوجد منافسون كثر ومعروفون في السوق على مستوى منطقة الرياض، مما يضيف إلى عملنا متعة التحدي والحماسة الرائعة، ولكن الله سبحانه أخذ أمانته ورحل الكثيرون عنا - رحمهم الله.

ألم يكمل أحد أبنائهم مسيرة أعمالهم في هذه المهنة؟
مع الأسف لا يوجد أحد منهم فعل ذلك، وبعضهم اكتفوا بفتح محل للأحذية من دون تعلم هذه المهنة.

ما أبرز مناطق المملكة التي امتهنت عمل صناعة الأحذية؟
قديما كانت هناك منطقة الزلفي، وكانت مشهورة على مستوى المملكة بشكل واسع، وفي الوقت الحاضر قل العمل بشكل كبير هناك، وأصبح من يهتمون بهذه المهنة في الزلفي قليلون جدا، ثم تأتى بعدها منطقة الأحساء وأيضا قل فيها العاملون بشكل واضح، والرياض كذلك إلا أنها مع قلة العاملين فيها، ما زال البعض فيها محافظين على هذه المهنة أكثر من المناطق الأخرى.

كمستهلكين.. كيف نعرف النوعية الجيدة من الأحذية لكي نبتاعها؟
هناك مثل معروف يقول "عينك هي ميزانك"، ولكل نوع من أنواع الأحذية سمته الخاصة لكي تعرف إن كانت من النوعية الجيدة أم لا، فالميزة التي تجعلك تعرف نوعية الجلد الجيدة هي "الليونة"، ودعني أعطيك مثالا على نوع الأحذية المبطنة، فكلما أصبحت "لينة" كان ذلك أفضل من المبطن القاسي. كذلك نوع الجلد، فكما تعرف الجلد لدينا أنواع، هناك جلد الجاموس وجلد البقر، نوعية جلد البقر أفضل لأنه لين، وأنا أنصح المستهلك أن يتبع ما تقول له عينه في هذه الصنعة، فلو عرض أمامه نوعان من الأحذية المصنعة فليجعل عينه هي ميزانه، ويتحسس "الليونة" في الأحذية.

هل تصدر صناعتك إلى خارج المملكة؟
نعم، أصدرها إلى منطقة الخليج وخاصة دولة الكويت الشقيقة، ثم تليها دول البحرين وقطر والإمارات.

ألم تفكر في فتح فروع في منطقة الخليج، بما أن هناك إقبالا على هذه النوعية من الأحذية؟
فكرنا في هذه الفكرة مرارا وتكرارا ولكن لم يكتب الله ذلك.

بصراحة لم يكون الخوف من فشل هذه الفكرة هو السبب في ذلك؟
لا لم يكن هذا السبب أبدا.

ما السبب في التراجع عن هذه الخطوة؟
هذه الخطوة تحتاج إلى دراسة موسعة ورأس مال قوي وإجراءات طويلة ومعقدة، مما أحبط حماستنا لتوسع تجارتنا هذه. ويوجد كذلك سبب ثان وهو أن أغلب محبي صناعتنا في منطقة الخليج يأتون إلينا، مما يجعلنا لا نتحمس للذهاب إليهم هناك.

في النهاية بعد عمل 23 عاما في هذه المهنة ما الفائدة التي خرجت بها؟
الفائدة التي خرجت بها بكل أمانة أن المهنة كما ذكرت في السابق أمان لكل شخص في حياته، وأنصح كل شاب أن يجمع مع شهادته العلمية مهنة يتعلمها ويتقنها، فهذا الزمن زمن شهادة صح، لكن الزمن القادم سيكون للمهن من وجهة نظري، وأتمنى ألا تكون وجهة نظري خاطئة.
أنا لا أحمل أي شهادة، ولكن هذه المهنة أصبحت بالنسبة لي شهادة أعتز وأفتخر بها، وبفضلها اعتمدت على نفسي وتزوجت وأنجبت أبناء يحملون اسمي ويعملون معي.

الأكثر قراءة