"أرامكو" .. صرحنا الاقتصادي الكبير

[email protected]

تلقيت دعوة كريمة من المهندس محمد سيف القصير نائب رئيس شركة أرامكو للمصافي، لإلقاء محاضرة مساء الإثنين الماضي في نادي الشركة الاجتماعي والرياضي في محافظة جدة، بمناسبة اجتماع إداري لمديري المصافي في المملكة. تحدثت في هذه لمحاضرة عن مشكلة التضخم الذي يعانيه اقتصادنا وصلته بأسعار النفط. وليس غرض مقالي هنا الحديث عن محاضرتي، فما ذكرته فيها سبق أن سطرته هنا في أربع مقالات نشرتها لي "الاقتصادية" خلال شهر شوال الماضي. وإنما أردت الحديث اليوم عما أثلج صدري عن واقع الشركة اليوم، مما عرفته من نائب رئيس الشركة للمصافي، والمهندس عبد الله زين الدين مدير مصفاة جدة. جاء حديثهما إلي مفرحا ومبشرا وليؤكد لي كيف أن "أرامكو" هي معقل متميز من معاقل كفاءتنا الوطنية، وصرح عظيم من صروحنا الاقتصادية.
في الحوار معهما الذي سبق محاضرتي، وكذلك الحوار الذي تلاها على مائدة العشاء، حدثتهم عن ذكريات قديمة عندما عملت في "أرامكو" قبل نحو 30 عاما ضمن برنامج الشركة الصيفي لتشغيل طلاب الجامعات السعوديين. ومع أنني خضت تجربة العمل أثناء فترة الإجازات الدراسية في أكثر من مكان، حيث عملت في إجازات موسم الحج في جمارك مطار وميناء جدة، وعملت في الصيف في مصنع شركة الأسمنت العربية عندما كان يقع على مشارف مدينة جدة على طريق المدينة المنورة، إلا أن تجربة العمل الصيفي في شركة أرامكو كانت بالنسبة لي تجربة مختلفة وثرية جدا. إذ صقلت مبكرا قدرات شاب مبتدئ، ووسعت من أفق طالب كان في مراحل دراسته الجامعية الأولي. والحق أن ما ميـّز تجربة عملي الصيفي في هذه الشركة العملاقة، أنه كان وما زال يحكمها نظام إداري متطور جدا، يحقق الاستفادة المرجوة من العمل فيها. ولا شك أن لشركة أرامكو أهدافا ذكية من تبني برنامج تشغيل طلاب الجامعات أثناء فترة الصيف. فمن ناحية كانت الشركة تؤدي بعضا من مسؤوليتها نحو مجتمع طلاب الوطن من الجامعيين، لكن ومن ناحية أخرى كانت بذكاء تراقب وتكتشف قدرات وطاقات المميزين من هؤلاء الطلاب لضمهم لكادرها الإداري بعد تخرجهم، إن رغبوا في ذلك.
أتذكر عندما انخرطت في هذا البرنامج الصيفي في منتصف السبعينيات الميلادية من القرن الماضي، أن الأجانب من مختلف الجنسيات كانوا يشكلون النسبة العظمي من العاملين في الشركة في جميع المستويات الإدارية والمهنية. ولذلك كنت شغوفا أن أسأل – بعد هذه السنوات الطويلة- عن نسبة العاملين السعوديين فيها. والحق أنني سعدت سعادة بالغة عندما ذكر لي أخي نائب الرئيس أن نسبة السعوديين الآن بلغت في المتوسط نحو 85 في المائة من مجموع العاملين.
ثم سألت أخي نائب الرئيس عما تناقلته وسائل الإعلام الأمريكية أخيرا من تشكيكها في حجم احتياطيات بلادنا من النفط . فابتسم وقال لي: إن الذي أثار هذه الاهتمام لدي بعض وسائل الإعلام الأمريكية، هو ما انكشف من عدم صحة بيانات بعض شركات النفط العالمية عن حجم احتياطياتها من النفط ! لكن بالنسبة لنا فقد تأكدوا من دقة الحسابات التي قام عليها تقدير احتياطياتنا. ثم سألت أخي نائب الرئيس عن حجم احتياطاتنا الثابتة من النفط فذكر أنها معلنة في تقاريرنا السنوية وهي تبلغ نحو 260 مليار برميل، بينما احتياطاتنا من الغاز تبلغ نحو 248 تريليون برميل. وأبديت له اهتمامي بدراسة وضع الغاز لدينا من الناحية الاقتصادية، وطلبت منه أن يزودني ببعض المعلومات فوعدني مشكورا بذلك.
كما سألته عن نوع الماء المستخدم في حقن آبار النفط اللازم لاستخراجه، وعما إذا كانوا يستخدمون ماء عذبا في ذلك؟ فذكر لي أنهم يستخدمون ماء البحر بعد تنقيته من بعض المواد المؤكسدة والمكلسة للأنابيب. واستفسرت عما وصلت إليه نسبة الماء المخلوط بالنفط المستخرج من آبارنا، فقال أنها لا تزيد كمعدل عن 25 في المائة في بعض الآبار. والجدير بالذكر أن نسبة الماء في حقول بعض الدول بلغت نحو 90 في المائة. ومعلوم أن زيادة نسبة الماء في النفط المستخرج من الآبار يدل على قرب نضوب النفط من البئر.
ثم سألته عن عدد فرص العمل السنوية الجديدة التي تولدها الشركة، فذكر أنها كبيرة وهي تزيد وتقل حسب برنامج دقيق لإحلال المتقاعدين والأجانب. ولكن في كل الأحوال فإن الإحلال يكون بعد تمكين الموظف الجديد من اكتساب المهارات اللازمة للوظيفة. إلا أنها عموما في حدود ثلاثة آلاف وظيفة في المتوسط سنويا، يتقدم لها نحو 15 ألف مواطن!! ولا شك أن "أرامكو" بهذا تسهم مساهمة فاعلة في توليد فرص العمل للمواطنين.
ومع ذلك فقد رأينا جميعا من خلال ما تناقلته الصحف المحلية، صور أعداد الشباب الكبيرة التي تقدمت لوظائف محدودة جدا سبق أن أعلنت عنها إحدى الجهات الحكومية. ولعل هذا يعكس مدى المأساة والتحدي الكبير الذي يواجهه اقتصادنا في مجال البطالة. إن الأمر المثير للقلق الشديد هو أن المشاريع الجديدة الناجمة عن حجم الإنفاق الحكومي الحالي المصاحب لفترة وفرة عوائد النفط الحالية، لم تولد فرص عمل ملائمة وكافية للأعداد المتزايدة من شباب وشابات الوطن من العاطلين. وهم بهذا الوضع يشكلون ضغوطا اقتصادية إضافية على أسرهم، التي تطالب عليها في السنتين الأخيرتين مأساة ضياع مدخراتهم في نكبة انهيار سوق السهم، ومأساة غلاء الأسعار الذي فاقم من تدهور مستوى معيشتهم.
ستظل مشكلتا البطالة والتضخم أكبر وأخطر تحديين اقتصاديين يواجههما مجتمعنا في المرحلة الراهنة. ومع ذلك فمن المؤكد أنه ليست هناك مشكلات بلا حل. يجب أن نتحمل جميعا حكومة، ورجال أعمال، وأفرادا، هذه المسؤولية بكل ما أوتينا من جد وعزم وإخلاص. وإلا فسندفع جميعا كمجتمع ثمنا فادحا إذا استهنا بخطورة هاتين المشكلتين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي