إن "رفعتها" لغلاء الأسعار .. وإن "طمنتها" للمغشوش

إن "رفعتها" لغلاء الأسعار .. وإن "طمنتها" للمغشوش

على وزن المثل الشعبي "إن رفعتها للشارب .. وإن طمنتها للحية"، يبدو وضع المستهلك في الفترة الأخيرة صعبا ويثير الشفقة والحسرة. فهو بين الارتفاع الصارخ للأسعار المشتعلة يسد كل باب أمامه، وبين حصار أخبار السلع المغشوشة أو "المسرطنة"، التي ما إن يشتريها حتى يضطر إلى رميها بعد قراءته خبر سرطنتها!
كان الغش ينحصر في المطاعم وما يحضر خارج المنزل، فبات يمتد إلى معاجين الأسنان وألعاب الأطفال والفستق.. والقائمة تطول، والمشكلة أن القضية لم تعد حديث مجالس بالنسبة "للتطمين" على الأقل، فهذه الشركات الصينية توالي تقديم اعترافاتها بعدم سلامة منتجاتها، بعد أن فضحتها هذه المشكلة في دول الغرب.
أي أن القضية ورطة في ورطة، فالمنتجات الأصلية وذات الجودة العالية التي من حق المستهلك الحصول عليها أصبحت غالية، حتى الرز الذي يريدنا البعض ألا نأكله! بينما "الرخيصة" التي يمكن أن يُلجأ إليها أصبحت مسرطنة ومغشوشة.
الشهر الماضي لم تخل صحيفة يومية من الصحف المحلية في السعودية من تقارير صحافية تتحدث عن الارتفاع المطرد للأسعار، وشكاوى المواطنين والمقيمين من هذا الارتفاع لسلع تعد استراتيجية في استهلاكهم اليومي في المواد الغذائية تحديدا، لذلك قلوبنا في قضية هذا الأسبوع لم تكن محايدة في الطرح كعادتها، لأنها كانت على "الأجواد" الأبرياء الذين تعودا أن يرووا ظمأهم "التسوقي" من محلات "أبو ريالين"، وأصبح بعضها "يخوف" ويحذر منه القاصي والداني، بسبب الغش في السلع التي يبيعونها!

خير دخول لمتابعة هذه القضية هو التقرير الرسمي ربع السنوي الذي تصدره وزارة التجارة عن أسعار السلع الغذائية الأساسية والتموينية، إذ يؤكد هذا التقرير أن الربع الثاني من عام 1428هـ تضمن زيادة في أسعار سلع كثيرة مقارنة بالربع الرابع لعام 1427هـ والربع الأول لعام 1428هـ.
واستعرض التقرير تطورات متوسط أسعار عدد من السلع الغذائية الأساسية والتموينية، حيث أشار إلى استقرار متوسط أسعار الدقيق بنوعيه البر والأبيض، فيما ارتفع متوسط أسعار أصناف الأرز بنوعيها الأمريكي والهندي في الأسواق المحلية نتيجةً لارتفاع تكلفة استيراد الأرز الأمريكي من مصدره في حدود 35 في المائة، وبرر التقرير ذلك بزيادة الطلب عليه ونقص المعروض منه في الأسواق العالمية.
وأشار التقرير إلى أن أثر هذه الزيادة في الأسعار في الأسواق المحلية بدأ في الظهور بصورة تدريجية منذ نهاية الربع الرابع لعام 1427هـ أما أصناف الأرز الهندي فقد بدأت الزيادة في أسعارها مع نهاية الربع الأول وخلال الربع الثاني لهذا العام 1428هـ. وتأتي الزيادة نتيجة لارتفاع تكلفة استيرادها خلال المرة الأولى بنسبة 33.3 في المائة. ولجأ المصدرون في الهند مع نهاية الربع الأول لعام 1428هـ إلى زيادة سعر الطن بمقدار 100 دولار لترتفع تكلفة استيراد الطن إلى 900 دولار، أي بزيادة عن أسعار الاستيراد في العام الماضي بنسبة 50 في المائة، ثم لجأ المصدرون في الهند مرةً أخرى إلى زيادة تكلفة استيراد الطن من الأرز ليصل إلى 950 دولاراً، وبالرغم من الزيادة الكبيرة في تكلفة الاستيراد إلاَّ أن الأسعار في الأسواق المحلية كان ارتفاعها طفيفاً وبصورة تدريجية، ومن المتوقع أن يستمر الارتفاع في أسعار أصناف الأرز الهندي تبعا للتغيرات في تكلفة الاستيراد.

الأعلاف ترفع اللحوم
ويشير التقرير كذلك إلى ارتفاع متوسط أسعار لحوم الدواجن خلال الربع الثاني 1428هـ بنسبة 2.1 في المائة مقارنة بالربع الأول 1428هـ و11.1 في المائة مقارنة بمتوسط أسعارها خلال الربع الرابع 1427هـ.
ويأتي الارتفاع في أسعار لحوم الدواجن لارتفاع تكلفة استيراد أعلاف الدواجن (الذرة الصفراء وفول الصويا) بنسبة 60 في المائة.
وأبان التقرير، أن أسعار اللحوم الحمراء المذبوحة محلياً شهدت خلال الربع الثاني 1428هـ انخفاضاً في متوسط أسعار الكيلو جرام مقارنة بمتوسط أسعاره خلال الربع الرابع من عام 1427هـ بنسبة 20 في المائة وبنسبة انخفاض عن الربع الأول 1428هـ بنسبة 4.7 في المائة.
ويأتي الانخفاض نتيجة لتوافر المعروض من الأغنام بعد الانخفاض في المعروض، الذي شهدته الأسواق المحلية خلال الربع الرابع لعام 1427هـ.
وأوضح التقرير، أن أسعار اللحوم المستوردة شهدت خلال الربع الثاني 1428هـ ارتفاعاً طفيفاً في متوسط أسعارها للكيلو جرام مقارنة بمتوسط أسعارها خلال الربع الرابع 1427هـ والربع الأول لعام 1428هـ، حيث بلغت نسبة الارتفاع مقارنة بالربع الرابع 1427هـ 2.7 في المائة، بينما بلغت نسبة الارتفاع مقارنة بالربع الثاني 1428هـ 1.2 في المائة، ويأتي هذا الارتفاع نتيجة لنقص الكميات المستوردة وخصوصاً من أستراليا.

الحليب يرتفع
وأوضح التقرير، أن أسعار السكر في الأسواق المحلية شهدت خلال الربع الثاني 1428هـ انخفاضاً، وإن كان بصفة طفيفة مقارنة بالربع الأول حيث بلغت نسبة الانخفاض 3.2 في المائة، إلاَّ أن نسبة الانخفاض تعد جيدة إذا ما قورنت بمستوى الأسعار خلال الربع الرابع 1427هـ، حيث وصلت نسبة الانخفاض إلى 8.9 في المائة، وجاء الانخفاض امتداداً للانخفاض في أسعار السكر في الأسواق العالمية منذ منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) 2006م نتيجة لزيادة كميات الإنتاج في البرازيل والتحسن الكبير الذي طرأ على المحصول الهندي والتايلاندي.
وأفاد التقرير، أن عددا من أصناف الحليب المجفف شهدت خلال الربع الثاني 1428هـ ارتفاعاً في الأسعار نتيجةً لعدد من العوامل، أهمها ارتفاع أسعار مشتقات الحليب في دول الاتحاد الأوروبي واتجاه الشركات الأوروبية المصنعة للحليب المجفف إلى تصنيع "الزبدة"، حيث تحقق مكاسب أكبر من إنتاج حليب البودرة.
وأثرت هذه العوامل في أسعار عدد من أصناف الحليب المجفف في السوق المحلية منها حليب "النيدو" الذي شهدت تكلفة استيراده خلال شهري كانون الثاني (يناير) وأيار (مايو) 2007م ارتفاعاً راوح بين 7 و9 في المائة.
وذكر التقرير أن متوسط أسعار الزيوت النباتية في الأسواق المحلية ارتفع أيضاً بنسبة 1.2 في المائة، مقارنة بالربع الأول 1428هـ وبنسبة 10 في المائة مقارنة بمتوسط أسعاره خلال الربع الرابع 1427هـ.
ويأتي الارتفاع في أسعار الزيوت النباتية نتيجة لارتفاع تكلفة استيراد الزيوت النباتية المكررة بنسبة 18 في المائة، لارتفاع الطلب عليها من كل من الهند والصين ونقص المحصول في الدول المصدرة.

الألبان تقفز مع زميلاتها
وبعيدا عن تقرير وزارة التجارة، فقد سجلت أسعار حليب الأطفال في السعودية ارتفاعات سعرية وصلت إلى 30 في المائة، فيما يتوقع لها الاستمرار في مسارها الصاعد لتصل إلى 50 في المائة، وعلى الطرف الموازي تنذر المعطيات الحالية بأن سوق الألبان ستشهد حال تضخم واضحة خلال الفترة المقبلة.
وكشف عدد من العاملين في قطاع الصيدليات السعودية عن التوجه إلى رفع أسعار حليب الأطفال ومشتقاته خلال الأشهر المقبلة إلى أكثر من 50 في المائة، وذلك بسبب ارتفاع سعر اليورو أمام الدولار وارتفاع أسعار الشحن، خصوصا أن واردات الحليب تأتي من أوروبا.
ولفتوا إلى وجود تذمر من المستهلك حول تلك الأسعار، خصوصا أنها تختلف من صيدلية إلى أخرى بسبب عدم وجود رقابة شديدة على تلك المنتجات التي تباع أيضا في بعض متاجر السوبر ماركت، مشيرين إلى أن الأسعار ترتفع من وقت إلى آخر، وأصبح المتضرر الأول من هذه الارتفاعات المستهلك، الذي دائما ما يتساءل عن الأسباب التي أسهمت في هذا الارتفاع. وطالبوا بدعم هذا القطاع، الذي يشكل إحدى الضروريات للمستهلكين، إذ إن القطاعات الأخرى المدعومة تشهد من وقت إلى آخر ثباتا في الأسعار، وهذا يؤكد أهمية الدعم الحكومي، وكذلك ضرورة تسجيل الأسعار على العبوات لتكون موحدة في جميع الصيدليات والأسواق المركزية، وزعموا أن الأسعار ارتفعت منذ عام 50 في المائة، مدللين على ذلك بارتفاع سعر نوع من حليب الأطفال من 21 ريالا إلى أكثر من 42 ريالا، خلال نحو 12 شهرا.

مطالب بمصانع محلية

الصيدلي خالد صالح يؤكد ضرورة إنشاء مصانع محلية لتصنيع هذه المنتجات المهمة، التي يبلغ حجم الطلب عليها 100 في المائة سنويا، وهذا ما سيسهم في ثبات الأسعار، وكذلك الاعتماد على المنتج الوطني بدلا من الاستيراد من الخارج. وذكر أن الكثير من الأسر متوسطة الدخل تعاني من ارتفاع الأسعار، مما يجعلها تتجه إلى إعطاء أطفالها نوعيات من الحليب رخيص الثمن، نظرا إلى عدم استطاعتها تحمل تلك الأسعار المرتفعة.
من جهة أخرى، تتجه شركات الألبان ومشتقاتها لإنتاج العصائر، برفع أسعار منتجاتها من الألبان والعصائر المركزة خلال المرحلة المقبلة، وهو ما أكده وزير الزراعة أخيرا، إذ بدأت برفع الأسعار في مشتقات العصائر من 20 إلى أكثر من 30 في المائة، فيما بقيت بعض الأسعار على ما هي عليه من المنتجين.
ومن المتوقع أن تشهد الأشهر المقبلة ارتفاعا لبعض منتجات الألبان، بسبب أن بعض المنتجين الذين ينتجون من البودرة تأثروا بسعر البودرة، التي تضاعف سعرها نحو 120 في المائة في السوق الأوروبية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وأمام ذلك ارتفع سعر الطن من البودرة من 2300 دولار إلى 4700 دولار في الأسواق العالمية، مما يضطر بعض المنتجين للحليب طويل الأجل إلى رفع الأسعار نتيجة تضاعف سعر المادة الخام. ومن المتوقع أن يلحق هذا الارتفاع بالحليب الطازج لتتضخم أسعاره بنسبة 50 في المائة.
يشار إلى أن منطقة الرياض تعد من أكثر المناطق السعودية إنتاجا للحليب الخام، المنتج في مشاريع الألبان المتخصصة التي وصل عددها إلى 21 مشروعا خلال العام قبل الماضي، وتنتج أكثر من 61 مليون لتر من الحليب الجاهز للتصنيع، وتستقطب منطقة الرياض كبار مصانع الحليب ومشتقاتها على مستوى السعودية، بل على المستوى الإقليمي.

الكبسة ترتفع 15 %
ظلت الكبسة السعودية تحافظ على سعرها في المطاعم منذ أكثر من 12 عاما بين 18 إلى 20 ريالا لحبة الدجاج مع الأرز، ورغم ما طال أسعار اللحوم والدواجن والأرز في فترات سابقة، نتيجة لأسباب متعددة ليس أقلها التضخم الذي أصاب معظم السلع الاستهلاكية في البلاد، إلا أن تلك الوجبة التي يعدها السعوديون إحدى أهم الوجبات الرئيسية في حياتهم، استطاعت المحافظة على سعرها حتى أسابيع قليلة ماضية.
ويأتي ذلك التغير في سعر هذه الوجبة نتيجة للارتفاع المتواصل لأسعار الأرز في السوق المحلية، إذ عمدت معظم المطاعم الحديثة والشعبية التي تقدم وجبة الأرز مع الدجاج أو اللحم، إلى رفع أسعارها بنسبة راوحت بين 10 و15 في المائة.
ولم تتوقف الآثار التي يتركها ارتفاع إحدى أهم السلع الأساسية في السعودية على أسعار تلك الوجبة، إذ تجاوزتها لتطول احتياطيات وحجم الأرز المتوافر في السوق، حيث تشير جولة ميدانية لـ"الاقتصادية"، أن هناك عمليات شراء واسعة لهذه السلعة نتيجة للأنباء الواردة حول إمكانية مواصلة ارتفاع سعر هذه السلعة نتيجة لعوامل مختلفة. ويعتقد الكثير من المتابعين أن مستوى استهلاك السعوديين للأرز ولكل الوجبات المرتبطة به لن يتأثر بارتفاع الأسعار.

المصطلحات تواري العورات!
يطول الحديث عن ارتفاع الأسعار وترتفع حدة النقاش، وتتداخل المسببات الخارجية والظروف العالمية ومعدلات التضخم وأسعار الصرف. لكن سببا آخر يغفله كثيرون ربما حتى مسؤولي وزارة التجارة ألا وهو جشع التجار. فإن كان التجار يدينون لأحد بفضل في جني الأرباح الطائلة والاستفادة من الأزمة، فإنهم بدون تردد سيرشحون الأخ "تضخم" الذي تردد على ألسنة المحللين وضيوف القنوات الفضائية، وبالتالي ستر عورات جشعهم على الأقل أمام أجهزة الإعلام.
خلال الشهر الماضي تكرر ذكر طيب الذكر "تضخم" مئات المرات عبر وسائل الإعلام وفي تصريحات المسؤولين المباشرين وغير المباشرين، لكن الأخ "جشع" لم يكن له ذكر.
إن أردنا أن نحلل المشكلة اقتصاديا فإن الأخ "تضخم" لا يلحقه إلا جزء يسير من التسبب في المشكلة، مثله مثل بقية إخوانه وبني عمومته "سعر الصرف"، "الطلب العالمي"، و"ارتفاع أسعار النفط"، لكن "الجشع" المتواري خلف الأكمة وخلف الأزمة يتحمل جزءا لا بأس به لكنه بفعل سطوة المصطلحات توارى.
لن نقول إن السبب هو "جشع" فقط، فذاك فضلا عنه أنه يخالف المنطق لرجل الشارع العادي – الذي يتشكل منا بالتأكيد - فإنه كذلك يخالف المنطق الاقتصادي، لكن المنطق أيضا يطرح "الجشع"، لنعرف تجارنا من المتاجرين على حسابنا. فقط، ما يأمله المستهلكون – دائما وأبدا – أن تقال الحقيقة لهم دون مواربة، فهم لن يحسدوا التجار، ولن "يحسدوا" أموالهم، لكن أن تمر الأمور مرور الكرام هكذا دون محاسبة فهو أمر عسير عليهم.

الأكثر قراءة