لماذا لا تحقق الأموال السعادة حقاً؟
لماذا لا تحقق الأموال السعادة حقاً؟
ربما كان يجدر بنا بالفعل التمسك بأسطورة "هانز المحظوظ – Hans im Glueck". قطعة من الذهب، كبيرة جداً بحجم رأسه، حظي بها الرجل الشاب على أنها أجر لخدمة مخلصة لمدة سبعة أعوام لدى سيده.
ولكن عندها جاء فارس الجواد استبدلها بالجواد، وتخلى هانز عن الكتلة الذهبية الصلبة، ومن ثم جاء المزارع، ومن ثم جاء اللحام وظل يستبدل ما كان يملك بما يملكون. وفي النهاية ما كان يوجد لهانز سوى حجر كبير لسنّ السكاكين، والذي وقع منه في البئر عندما أراد أن يشرب الماء، وبرغم هذا اعتبر هذا من حظه لأنه تخلص من كل الأعباء الثقيلة التي كانت ترهقه. وهو مقتنع: "في مثل حظي لا يوجد شخص آخر على الأرض".
الرضا لم يزدد ولا قشة
إن العبرة التي يمكن أخذها عن هذه الأسطورة واضحة وملموسة. المال لا يحقق الحظ ولا السعادة لأحد، حيث يعيش هانز مع خطة بديلة للجهد المهني الإنساني، حيث أغلب رفقاء الزمن يتمنون المال. وهم يقومون بالكثير من أجل الحصول عليه، ولتحقيق هذا الهدف، حيث إنهم يريدون أن يشتروا أرقى الملابس، وقيادة السيارة السريعة، والقيام بجولة عالمية حول الأرض.
إن المال يحقق الانتعاش المادي، والسلطة، والمكانة الاجتماعية. ولكن هل يجلب المال السعادة والحظ؟ لا، هذا ما عرفه بالتأكيد آدم سميث، وهو المؤسس للاقتصاد الحديث. "وبالنظر إلى الحظ الإنساني الحقيقي هم الفقراء ولا في أي طريقة يبدون عليها"، حسب ما كتب الخبير الاقتصادي الاسكتلندي في نظريته " المشاعر الأخلاقية"، عام 1759.
لا بل وأكثر من هذا: الشحاذ، الذي يتشمس على حافة الطريق، لديه رضا، والتي عليها من المفترض أن يتحارب الملوك"، برغم أن الناس في الشق الغربي من نصف الكرة الأرضية يصبحون دوماً أثرى، ولم يصبحوا أبداً أكثر حظا ولا سعادة. هناك تضاعف خلال الأعوام الخمسين الماضية الدخل الإجمالي الفعلي بالمعدل ما يزيد على الضعف. ولكن رضا الناس لم يزدد ولا قشة في تلك الفترة الزمنية نفسها.
"يمكن الحب والعمل"
وبالفعل ما الشيء المحظوظ مطلقاً؟ هذا هو السؤال، الذي يطرحه أفضل مفكري العالم منذ أرسطو وأغناطيوس. "يمكن الحب والعمل"، هذا أحد الأقوال التي تشيع، ولكنه تعريف جميل على نحوٍ خاص للحظ، الذي جاء عن سيجموند فرويد، وهو مؤسس التحليلات النفسية. ولكن من يريد أن يتجرأ ليحدد ما يمكن أن يحقق الحظ والسعادة للبشر؟ هذا ما يمكن للناس أن يحددوه ويقرروه بأنفسهم.
والبحث التجريبي في الحظ والسعادة أدى إلى جمع كمية من البيانات خلال الأعوام العشرة الماضية. فمن يخطر على باله مصطلح "الحظ" على نحوٍ متغطرس، قد يرغب أكثر بالحديث عن الرضا. ولكن مبدأ الاستفتاء بسيط نسبياً: أفراد البحث يضعون في جدول مقياسي من 1 إلى 10 عن مدى رضا الفرد في حياته بصورة إجمالية، ويصنفون تفريعات السعادة والحظ في العمل، والحياة الزوجية، والمال، والأطفال، وكثير غيرها من الأمور الأخرى.
حسد الجوار يحفظ الاقتصاد في ازدهار
المال، من المؤكد جداً، أنه ليس هدفا أساسيا وخاصا للحظ. ويفترض المرء شيئاً من هذا، حيث لا شك: أن من يعيش في فقر، وهو غير محظوظ بعض الشيء، وبرغم هذا يعيش كل الأحلام الرومانسية عن الحياة البسيطة على الجزيرة. ومجرّد أن يصبح من الطبقة المتوسطة، لا يرفع كل يورو زيادة الشعور بالحظ أكثر أبداً. والأسوأ من هذا: ويُطرح عليهم السؤال، فيما إذا كانوا يفضلون العيش في عالم أ ولدى أي مستوى من الأجور، بالمعدل لدى 25000، والدخل الخاص لدى 50000، أو في عالم ب، وفيه يبلغ مستوى الأجر بالمعدل 250 ألفا، ولكن الدخل الخاص لدى 100 ألف يورو، أغلب الناس ضمن شريحة واسعة تختار عالم أ، إذا كانوا يرفضون تحسينا في حجم الدخل نحو 100 في المائة صافية.
ولكنهم بحجم أقل من المال، من الممكن أن يكونوا أفضل بالمقارنة بالمعدل مع رفقائهم من الناس، الشيء الذي يحقق الرضا أكثر بصورة عامة. ويقارن الناس أجورهم مع جيرانهم. وإذا شعروا أنفسهم انهم أسوأ يعيشون في تعاسة. "مواكبة الجيران - Keeping up with the Joneses"، حسب ما يسمي الأمريكان مثل هذا النوع من الحسد تجاه الجيران، الذي يضع الاقتصاد ويحافظ عليه في حركة دائمة.
"مطحنة اللذة"
ولكن لماذا، وفي كل أنحاء العالم، لا يحقق المال السعادة ولا الحظ؟ يقدّم الخبراء الاقتصاديون للتوضيح نظرية “إزالة المنفعة الحدية". وهذا يبدو مختصرا مفيدا، ويعني في الحقيقة الظرف الموثوق لكل شخص، بأن الناس، خلّفوا وراءهم في مرة من المرات، الحاجة الملحة، ويعتادون كل شيء، وبالفعل حتى على زيادة الأجور السنوية.
وفي حجم الاعتياد يتقلص الشعور المتوقع بالحظ: السيارة الجديدة، التي تُقاد لأول مرة، يبدو لدى الكثير من الرجال على أنها قفزة حظ؛ ولدى مئات المرات، هلك الشيء واهترأ. ويتحدث العلماء النفسيون هنا عن "مطحنة اللذة".
"التقدير الخاطئ يساعدنا"
ويبقى سؤال أخير ومهم. عندما لا يحقق المزيد من المال النمو في الانتعاش المادي للناس أي حظ ولا سعادة، لماذا يتلهفون ويغني الناس أنفسهم بلا راحة للحصول على المزيد والمزيد من المال؟ إذا لم يكن الملوك أكثر حظاً من المتسولين، لماذا يريد المتسولون أن يصبحوا ملوكا؟
ويعني آدم سميث، أن الناس يصبحون ضحية خداع النفس الإنتاجي تقريباً. فهم يعتقدون أن المزيد من الانتعاش المادي يحقق لهم الحظ والسعادة، ويفنون أنفسهم من أجل الحصول على المزيد من المال والثروة. ولو بقي كل الناس في يقين الحظ المضلل للمال المتزايد متسولين، لبدا العالم الغربي بأكمله تعيساً تقريباً، حيث ما كان ليوجد حوافز للتداول التجاري.
"إن هذا خطأ مضلل، ولكنه يحافظ على المهن الإنتاجية في حركة مستمرة"، حسب ما كتب آدم سميث: "وخداع النفس هذا يؤدي بنا إلى زراعة وحرث الأرياف، وبناء وتأسيس المدن، والوصول إلى ثراء العالم. ويساعدنا هذا الخطأ المضلل، على وجود العلوم، والفنون، التي تجمّل وتسعد الحياة البشرية. هذا الخطأ الذي عمل على إيقاظ الثورة في العالم بأكمله".
البشرية تؤمن بقاءها
إنها مثل ما هي الحال مع الأطفال الصغار، برغم الأطفال الصغار المزعجين والصراخ، فهم دوماً موجودون في هذا العالم، وبصورة مثبتة يعمل وآباؤهم على الظهور وكأنهم غير محظوظين تقريباً، وبرغم هذا يعتقد كل زوج بكل اقتناع، بأن الأطفال هم لملء حظهم على الأرض. هذا جيد على هذا النحو، حيث لو كان الأمر على نحوٍ آخر لانقرضت البشرية منذ أمد.
وهذه هي الحال تماماً مع المال: إن تكديس الثروة فعلياً لا يحقق للناس لا السعادة ولا الحظ، ولكنهم وبرغم هذا يؤمنون بهذه الحقيقة المغلوطة في الوقت ذاته، ويعملون على دفع الاقتصاد للسير، وإحياء المجتمع. لا توجد قوى غريبة في العمل، والتي تتعهد للناس من الخلف بخداع النفس. إنهم الناس أنفسهم، الذين يؤمنون بقاءهم.