السعودة و الأمراض المهنية!

السعودة و الأمراض المهنية!

[email protected]

من يقرأ عنوان موضوع هذا الأسبوع قد يذهب بأفكاره إلى أن السعودة من أسباب الأمراض المهنية أو أن هناك ربطا بين حدوث المرض المهني والسعودة، وهذا ما سيتطرق له كاتب هذا المقال.. ولكن الحقيقة التي سأتطرق إليها هي إهمال الاهتمام بالأمراض المهنية ومسبباتها وضرورة الانتباه إليها لأن هذا ما ستمليه علينا العولمة الصناعية وكذلك السعودة للوظائف المهنية خصوصا التي يشغلها بالأصل عمالة وافدة ومؤقتة لا تلبث أن تغادر إلى موطنها بعد تحقيق الاكتفاء من غرض وجودها لدينا سواء من قبل أصحاب العمل أو قبل العمالة نفسها.
وأقصد بالإهمال هنا عدم إيجاد الإحصاء الدقيق وكذلك التشخيص الدقيق والمسببات لبعض الأمراض المهنية من قبل القطاعات الصحية وذلك نظرا لتشابهها بكثير من الأمراض الأخرى في الأعراض والعلامات, ويكتفى فقط بالتشخيص النهائي والنظر بالعلاج وطرقه مهما كانت المسببات التي تعزى بكثير من الحالات بكلمةunknown causes (غير معروف) السبب والتي لو توسع الطبيب بأخذ التاريخ المهني ربما يجد السبب. ومعرفة السبب هنا إذا لم يفد في طريقة العلاج فهو يفيد بوقاية أشخاص آخرين.
لا بد هنا من تعريف المرض المهني وهو مفهوم عام ليس خاصا باللجان الطبية بالتأمينات الاجتماعية فقط والاهتمام به يجب أن يتوافق مع مفهومه العام وهو أي مرض ناتج من تعرض المصاب به لعوامل بيئية أو بيولوجية أو فيزيائية أو كيميائية بمكان العمل أدت لظهور أعراض هذا المرض . و يتميز المرض المهني عن غيره من الأمراض بضرورة وجود مثل هذه التعرضات لدى المصاب كشرط أساسي لظهوره وكذلك يتميز عن غيره من الأمراض بفترة حضانة طويلة جدا قد تصل إلى العقدين أو ثلاثة عقود من الزمن قبل ظهوره, وهذا مربط الفرس ومحور الحديث في هذا الموضوع وكذلك مشابهته بالأعراض والعلامات الطبية لكثير من الأمراض الأخرى التي ليس لها علاقة بالمهنة.
والسعودية تنمو صناعيا بخطوات كبيرة ومتطورة, وأصبحنا نسمع ونرى بأم أعيننا المدن الصناعية, وتواكب هذا التطور زيادة احتمال الإصابة بهذه الأمراض المهنية, ومما يقلل من اكتشافها هذه الأيام, كما أسلفت, وجود عمالة مؤقتة لا تستمر في الغالب أكثر من خمس إلى سبع سنوات وتعود من حيث أتت, وبما أن دولتنا والقائمين عليها - حفظهم الله - توجهوا لسعودة كثير من الأعمال الفنية والتقنية الصناعية منها والزراعية فإن احتمال اكتشاف مثل هذه الأمراض وكثرتها سيكون هاجسا يجب الالتفات له والإعداد للوقاية منه بما يتواكب وهذه السعودة, وذلك لأن السعودة أو العمالة السعودية ستكون موجودة ولمدة أطول حتى بعد تقاعد أصحابها من أعمالهم ما يعطي فتره حضانة أطول لتلك العوامل المسببة للأمراض تطول أكثر ببقائهم أحياء وتزداد احتمالية ظهورها في أي عمر.
لذا يجب الاهتمام بالتعرف على الأمراض المهنية المحتملة لكل مهنة والتثقيف الصحي لطرق الوقاية منها, وأن يواكب هذا التطور والنمو الصناعي في المملكة والتوجه القائم بالسعودة. وهذه مسؤولية مشتركة يحمل الجزء الأكبر منها أرباب العمل بتطبيق مبدأ حق العامل بمعرفة المخاطر المهنية لكل مهنة وتوفير وسائل الأمن والسلامة والوقاية من هذه المخاطر بما في ذلك التثقيف الصحي والتدريب وتطبيق مبادئها ولو بشكل إلزامي لأن الهدف هنا صحة العامل وبيئة العمل والسيطرة على هذه المخاطر قبل بلوغها مرحلة التسبب في الأمراض المهنية. كما أن متابعة الجهات ذات العلاقة التنظيمية والقانونية بالدولة لتطبيق مثل هذه المبادئ بمكان العمل أمر ضروري وحتمي.

الأكثر قراءة