حصص الحكومة.. لا تستبعدوها
في مبادرة تُحمد لهيئة السوق المالية السعودية حمل الموقع الإلكتروني للسوق " تداول " يوم الثلاثاء الماضي الموافق 30/10/2007م إعلاناً تدعو فيه الهيئة الجمهور لموافاتها بملاحظاتهم على مشروعين تعتزم تبنيهما لتحديث السوق وتطوير أدائها. أول المشروعين يُعنى بإعادة تجميع الشركات المدرجة في السوق في قطاعات متجانسة، أما الآخر فيعنى بآلية حساب المؤشرات الرئيسة والفرعية لتلك القطاعات.
إن إعادة تجميع الشركات المدرجة في قطاعات متجانسة أو ما أطلقت عليه الهيئة "مشروع إعادة هيكلة قطاعات السوق" يعد خطوة جيدة وإن كان عدد الشركات المدرجة لا يزال ضئيلاً مقارنة بالأسواق الأخرى. إذ سيهيئ التنظيم المقترح أرضية لنمو السوق بشكل منضبط واحتضان الشركات القادمة في إطار تحكمه معايير موضوعية يمكن تطبيقها بشكل عادل على ما يستجد من حالات . بالطبع لن تؤثر إعادة الهيكلة في أسعار الشركات أو المؤشر العام للسوق، وإنما التغيير الوحيد الذي سيلمسه المتعاملون هو زيادة عدد القطاعات أو المجموعات التي يتكون منها السوق من (8) قطاعات إلى (14) قطاعاً.
من بين الفوائد التي من المؤمل أن يجنيها المتعاملون في السوق من إعادة ترتيبها في مجموعات أكثر تجانساً مما هي عليه الآن الحصول على مقارنات مالية ومؤشرات يمكن الاطمئنان إليها في بناء قرارات استثمارية أفضل مما هو متاح في الوقت الراهن. من جانب آخر، وفي حالات محدودة، قد تضار بعض الشركات من إعادة الهيكلة إن وجدت أنفسها بعد التصنيف الجديد في صحبة غير تلك التي ألفتها في الماضي. ذلك أن سلوكيات وأداء بعض الشركات المتواضع في قطاع ما قد يطغى على القطاع بأكمله ما يكتوي بناره الآخرون في المجموعة ذاتها ولاسيما عندما تبلغ السوق مرحلة من النضج تصبح فيها مؤشرات القطاع في مجمله، وليست شركة بعينها، عاملاً مرجحاً في البيع والشراء. وإن كان لابد من التسليم بأن تلك الإشكالية في الصحبة هي من سمات الأسواق كافة، هناك فرصة أمام بعض الشركات كمجموعة "صافولا" مثلاً بحسبانها شركة قابضة متعددة الروافد أن تطلب إعادة النظر في تصنيفها الذي طرحته هيئة السوق المالية ضمن قطاع الزراعة والصناعات الغذائية.
أما المشروع الآخر الذي أعلنت عنه هيئة السوق المالية السعودية لتحديث مؤشرات السوق فقد جاء على نحو يمكن وصفه بأنه مثير للدهشة! إذ سيعاد حساب المؤشرات بعد استبعاد ما أسمته الهيئة "الأسهم غير المتاحة للتداول" وهي وفقاً للمشروع أسهم الحكومة ومؤسساتها، من يملك 10 في المائة أو أكثر من أسهم شركة مدرجة، الشريك المؤسس خلال فترة الحظر، والشريك الأجنبي إذا كان محظوراً عليه البيع دون موافقة جهة إشرافية.
إن حساب المؤشر وفقاً للمقترح الذي طرحته الهيئة لن يقدم إضافة جوهرية للسوق فضلاً عن الثغرات وعوامل الخلل التي تعتري ذلك الأسلوب للحساب. ذلك أن تصنيف أسهم الحكومة وكل من يملك 10 في المائة أو أكثر من أسهم شركة مدرجة ، في خانة الأسهم غير المتاحة للتداول تصنيف خاطئ. إذ لم يسبق أن صدر نظام أو قرار يحظر على صندوق الاستثمارات العامة، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، أو المؤسسة العامة للتقاعد تداول أسهمهم في السوق. ومن ثم لا نجد مبرراً لما ذهبت إليه الهيئة، إلا إن كان المقصود بالأسهم "غير المتاحة للتداول" تلك التي تشكل استثمارات طويلة الأجل. حينئذ لا ينبغي أن يقتصر الاستبعاد على أسهم تلك الفئات التي حددها مشروع الهيئة دون غيرها بل لا بد أن يشمل جميع المتعاملين في السوق الذين يقتنون مثل تلك الأسهم وهم بالألوف إن لم يكونوا بعشرات الألوف. فكيف يا ترى سيتم تحديدهم ومتابعة دخولهم وخروجهم من السوق دون الإخلال بمبدأ العدالة أو سرية السجلات؟
ثم لو نظرنا تحديداً للبنوك، شركات الأسمنت، وبعض الشركات الصناعية الأخرى، لوجدنا أن حصصاً كبيرة من ملكياتها استثمارات طويلة الأجل لم تطأ ساحة السوق منذ سنين طويلة، ومن المرجح أن تبقى كذلك في المستقبل المنظور. ماذا عن تلك الملكيات، هل سنستبعدها أيضاً من المؤشر؟ وإن فعلنا من إذاً سيتبقى في السوق؟ وماذا سيبقى لها من هيبة؟
بعملية حسابية بسيطة نجد أن السوق ستفقد نحو 70 – 80 في المائة من كتلتها إن استبعدنا كافة الأسهم التي يقتنيها أصحابها من حكومة وقطاع خاص كوعاء استثماري طويل الأجل, وهي تشكل العمود الفقري لكثير من الشركات القيادية في السوق كسابك والمؤسسات المالية. ليس ذلك فحسب بل إننا باستبعاد تلك الملكيات نكون قد بعثنا لأصحابها وعلى رأسهم صندوق الاستثمارات العامة، مؤسسة التأمينات الاجتماعية، ومؤسسة التقاعد برسالة خاطئة فحواها أننا نقر غيابهم عن السوق في الوقت الذي يعد فيه غيابهم أحد أهم الأسباب لهشاشة السوق وعدم استقرارها.
إن السوق المالية السعودية في حاجة إلى أولئك المُلاّك الكبار كي يمارسوا دورهم كصُنّاع للسوق وذلك يدعو بطبيعة الحال إلى أن يعكس المؤشر العام كل ما هنالك من أسهم دون تمييز أو إرباك لأذهان الناس. أما المؤشرات الفرعية فللهيئة أن تصدر منها ما تشاء لتسليط الضوء على جانب أو آخر من السوق شريطة ألا تُستبعد حصص الحكومة ومؤسساتها وكبار المُلاّك الآخرين.
إننا نتطلع لتوسعة قاعدة السوق لا تقليصها وأن نبقي الأبواب مُشْرعة أمام الجميع دون تدخل في آليات السوق سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.