الثروات النفطية تثبت أقدام المصرفية الإسلامية.. والدور على صناعة أغذية الحلال
إذا قدر لك أن تتجول في أرجاء أي سوبر ماركت أوروبي، فستجد بسرعة رفوفاً كاملة مخصصة للأشياء العضوية، أو المأكولات الخالية من الجلوتين (الغراء)، ولكن الصرعة الجديدة التي يجري الترويج لها هي" المأكولات الحلال".
فرغم الخوف من الإسلام في أعقاب الهجمات الإرهابية، فقد أخذت محال السوبر ماركت تتعامل مع منتجي العلامات التجارية الحلال لزيادة مبيعاتها إلى المستهلكين المسلمين.
إن المأكولات الحلال أو تلك التي يحللها الدين الإسلامي ليست بالشيء الجديد لأن المسلمين الملتزمين يتناولونها منذ 1400 عام. ولكن مرت سنوات كثيرة لم تأبه فيها الشركات المنتجة للمواد الغذائية وتجار التجزئة بهذه الشريحة لأنها تعتبر أن قوتها الشرائية متدنية ومطالبها كثيرة ومعقدة.
أما الآن، ومع تدفق الثروة النفطية على الشرق الأوسط وانعكاساها على الإنفاق على البضائع الاستهلاكية، وارتقاء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين إلى مصافي الطبقات المهنية، بدأت تتم خدمة هؤلاء المستهلكين بشكل أفضل، الأمر الذي أوجد فرصاً كبيرة لمنتجي الأغذية وغيرها حول العالم.
يقول عبد الحميد إيفانز المستشار في قضايا الحلال والذي يتخذ من ماليزيا مقراً له "مع إدراك الشركات أن الأمر ليس مجرد هوس طعام بل التزام ديني لدى 25 في المائة من سكان العالم، فإنها لا تريد تفويت هذه الفرصة". ولكن المحللين يقولون إن الطلب على هذه المأكولات ينمو بسرعة مع ازدياد الوعي بالحلال واحتلال منتجاته مكانة أبرز في السوق الشاملة. حيث وصلت مبيعات الأطعمة الحلال في السنة الماضية إلى نحو 580 مليار دولار أمريكي.
البداية من الغرب
ومن المفارقة أن أولى شركات إنتاج المواد الغذائية التي تتنبه إلى الإمكانية التي ينطوي عليها نمو المنتجات الحلال كانت تعمل في بلدان لا يوجد فيها إلا عدد قليل من المسلمين.
وفقا للتقرير الذي أعدته صحيفة Business Daily Africa, فقد أصبحت البلدان المنتجة للحوم بكميات كبيرة كالبرازيل وأستراليا على دراية وخبرة بالممارسات الإسلامية، الأمر الذي مكنها من شحن مئات آلاف أطنان اللحوم الحلال إلى منطقة الشرق الأوسط.
ونظراً للأهمية التي تعلقها أستراليا على هذه السوق، فإنها تذبح جميع أغنامها وفقاً لمعايير الحلال – حيث تمارس على كل حيوان يذبح طقوس الذبح الإسلامية من قبل شخص مسلم – رغم أنها لا تباع كلها إلى المستهلكين المسلمين.
وتحتل البرازيل بدورها مركزاً عالياً في صادرات الحلال. وفي هذا الصدد، يقول درهيم هاشم، مدير شركة تطوير صناعة الحلال في ماليزيا" إن المرء يستغرب كيف يجد البرازيليون أعداداً كافية من المسلمين لاستهلاك هذا العدد الكبير من الحيوانات التي يتم ذبحها".
ولابد للحوم المحللة يجب أن تذبح على يد مسلم، لذلك فإن بعض المكونات الحيوانية كمادة الجيلاتين ليست محللة، كما أن النكهات أو الألوان التي تكتسب عبر عملية استخراج الكحول لا يمكن أن تكون حلالاً.
البحث عن الهوية
إن العملية المعقدة المطلوب القيام بها للتأكد من أن أي مادة غذائية بشكلها النهائي محللة، ومن ثم التأكد من ذلك عبر جهة أو هيئة مستقلة تلقى تقديراً متزايداً لدى المستهلكين المسلمين حول العالم.
يقول هاشم: "في ماليزيا، كل شيء يحمل شهادة أنه حلال من القهوة إلى المياه المعدنية إلى معجون الأسنان. إنه أحد معايير السلامة".
ويتابع "لقد بدأ أبناء الجيل الثاني والثالث يطرحون مزيداً من الأسئلة حول المنتجات المغلفة. وكان اليهود يطلبون طعام كوشر (خاليا من لحم الخنزير) والنباتيون يطلبون منتجات خالية من اللحم. ولذلك، بدأ المسلمون يتساءلون عن أطعمتهم أيضا".
الغرب يتسيد الصنعة
ومن الشركات الأخرى التي أمضت سنوات طويلة لترسيخ مكانتها على صعيد الأطعمة المحللة شركة نستله التي تعتبر أكبر شركة لإنتاج المواد الغذائية في العالم.
إن هذه الشركة لا تعالج إلا كميات قليلة من اللحوم ورغم ذلك فإنها أكبر شركة لتصنيع الأطعمة الحلال في العالم، حيث لديها 75 مصنعاً مصممة خصيصاً لصنع 300 نوع مختلف من المنتجات الحلال من بينها البوظة والحبوب والمكملات الغذائية.
ويقول إيفانز لقد وصلت هذه الشركة إلى مرحلة الكمال في عملية التقيد بالحلال وأصبحت نموذجاً يحتذى على صعيد توريد الأطعمة الحلال، حيث إنها تقوم بفحص كل شيء من الزيت الذي تستخدمه في تشحيم السيور الناقلة في مصانعها إلى التأكد من أنها تستخدم مواد تنظيف لا تحتوي على الكحول في مصانع الأغذية التي تملكها.
ويقول شريف:" إن المنتجات التي تأتي من الهند وباكستان وتركيا قد تكون حلالاً ولكن نوعيتها رديئة".
تجدر الإشارة إلى أن عدد المسلمين في العالم يبلغ 1.6 مليار نسمة، ويعتبر الإسلام أسرع الديانات نمواً حيث من المتوقع أن يتفوق على المسيحية باعتباره أكبر ديانة وذلك في عام 2023. ولكن النمو الأهم يأتي من غير المسلمين كما تقول صناعة الحلال. ذلك أن كثيراً من الناس يفضلون شراء المنتجات التي تحمل ملصقات تدل على أنها حلال لأن ذلك يضمن لهم مستوى إضافيا من الجودة المشهود بها.
ويضيف أشرف من شركة أطعمة الأمة:" نحو 75 في المائة من الناس الذين يجربون منتجاتنا ليسوا مسلمين، ذلك لأن كثيراً من الناس مهتمون في معرفة المزيد عن المنتجات الحلال.
ويسعد هؤلاء أن يعرفوا أنه يجري تتبع المكونات حتى مصدرها. فالحلال أكثر تفصيلاً من حيث متطلباته".