تقرير: الإقراض الهامشي وقروض الأسهم تثير القلق في البنوك السعودية
اعتبرت مؤسسة ستاندارد آند بورز للتصنيف الائتماني أن الإقراض الهامشي والقروض المخصصة للاستثمار في الأسهم باتت من جوانب إثارة القلق في البنوك السعودية. وقالت المؤسسة إن نسبة الإقراض الهامشي إلى قروض التجزئة في السعودية ظلت تتناقص بصورة منهجية ثابتة خلال السنوات الثلاث السابقة لتصل إلى 20 في المائة ثم إلى 9 في المائة بنهاية عام 2006. ويبدو أن البنوك السعودية التقليدية أكثر تحفظاً في الإقراض الهامشي من البنوك الإسلامية بمعنى أن البنوك الإسلامية تعتبر أن هذا النوع من الإقراض، وهو نشاط مربح ولكنه ينطوي على خطورة، تعتبره جزءا أساسيا من عملياتها. ومن المرجح أن تبدأ البنوك السعودية التقليدية منها والإسلامية اعتباراً من الأول من كانون الثاني (يناير) 2008 في تطبيق المنهج المعياري، بالنسبة للمخاطر الائتمانية والتشغيلية على حد سواء، الذي يفرضه اتفاق "بازل 2"
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
من المرجح أن تبدأ البنوك السعودية التقليدية منها والإسلامية اعتباراً من الأول من كانون الثاني (يناير) 2008 في تطبيق المنهج المعياري، بالنسبة للمخاطر الائتمانية والتشغيلية على حد سواء، الذي يفرضه اتفاق "بازل 2" الرأسمالي. بعد ذلك يتوقع من البنوك أن تتحول بالتدريج لتطبيق أساليب داخلية قائمة على التقييمات لقياس الرسوم الرأسمالية التنظيمية لمحافظ القروض بين 2009 و2011، بعد أن يتم تجميع بيانات المخاطر الائتمانية. وتعد "ستاندارد آند بورز" تبني "بازل 2" خطوة إيجابية، على اعتبار أنها ستعزز ممارسة وثقافة إدارة المخاطر في البنوك السعودية في الوقت الذي لا يؤثر فيه ذلك في مستوى الرسملة العالية لديها.
وفي السنوات الأخيرة تحسن الإفصاح المالي بصورة لا يستهان بها. ولكن جميع البنوك لا تفصح بصورة كاملة عن معلومات معينة يمكن أن تكون مفيدة للأغراض التحليلية، مثل التقسيم الجزئي للمحفظة الاستثمارية حسب القطاع أو حسب فئة التقييم، على اعتبار أن المحفظة تمثل قسماً مهماً من الميزانية العامة للبنوك السعودية. ولكن مع تطبيق الركن الثاني من إطار "بازل 2" فإن من المتوقع أن تتوافر معلومات تحليلية إضافية. وبصورة عامة فإن الشفافية وخطوات الإفصاح لدى البنوك السعودية تظهر في صورة جيدة عند مقارنتها بالمقاييس الدولية، وتعد عالية بمعايير الأسواق الناشئة. ومما هو جدير بالذكر أن شركات التدقيق التي تتعامل معها البنوك السعودية هي شركات زميلة محلية لمؤسسات دولية معروفة.
المنافسة الأجنبية ليست جديدة على القطاع البنكي السعودي، ولكنها أصبحت أوضح من ذي قبل
في نهاية عام 2006 كان مجموع موجودات البنوك السعودية 861.1 مليار ريال سعودي. ويتألف النظام البنكي السعودي من 11 بنكاً من البنوك المسجلة محلياً (منها أربعة مملوكة بالكامل للسعوديين) وعشرة بنوك أجنبية، وهو يخدم عدداً من السكان لا يتجاوز 27.1 مليون نسمة. وتظل البنوك الأربعة الكبيرة هي المسيطرة على النظام، وهي البنك الأهلي التجاري ومجموعة سامبا المالية، وبنك الراجحي، وبنك الرياض. وتسيطر هذه البنوك الأربعة على موجودات تزيد على 50 في المائة من قروض النظام و60 في المائة من ودائعه.
في نهاية عام 2006 كان يوجد في السعودية 1289 فرعاً للبنوك و6067 جهازاً للصرف الآلي. وهذا يعني أن كثافة الفروع متدنية، حيث يوجد فرع واحد لكل 21 ألف شخص من السكان. ويعود أكبر عدد من الفروع إلى بنك الراجحي (390 فرعاً) والبنك الأهلي التجاري (290 فرعاً) وبنك الرياض (198 فرعاً). وهذا يعني أن هذه البنوك الثلاثة تشكل نحو ثلثي شبكة الفروع في السعودية. أما البنوك المملوكة جزئياً لجهات أجنبية فإن عدد الفروع لديها أقل من غيرها، ولكن نسبة أجهزة الصرف الآلي إلى عدد الفروع في تلك البنوك هي أكبر في العادة، وذلك للتعويض عن النقص في عدد الفروع ولزيادة وصولها إلى زبائن التجزئة.
بالنظر إلى التركيبة السكانية للسعودية، فإن من التحديات الخطرة التي يمكن أن تواجه البنوك السعودية هي زيادة التسهيلات الممنوحة للقروض والتوسع في الائتمان.
بصورة عامة، ارتفع إجمالي القروض بنسبة لا تتجاوز 10 في المائة في عام 2006، في مقابل 36.2 في المائة في عام 2005 و 34.5 في المائة في عام 2004. والسبب في ذلك هو أن التصحيح الحاد للبورصة عمل على تقليص النمو في القروض، التي عادت الآن إلى مستوياتها في عام 2001. ويمكن تفسير معظم التراخي في نمو القروض إلى مجموعة من الأسباب، هي تدني الإقراض الاستهلاكي، وتدني الإقراض الهامشي (أي اقتراض الشخص أموالاً بضمان الأوراق المالية في محفظته الاستثمارية)، وتدني دخل الأسر القابل للتصرف. وإضافة إلى ذلك هناك اتجاهان عامان ملحوظان. الاتجاه العام الأول هو زيادة القروض طويلة الأجل، التي زاد معدل النمو السنوي التراكمي فيها بنسبة 34.3 في المائة عن الفترة 2000 – 2006، في مقابل نسبة 15.7 في المائة من معدل النمو السنوي التراكمي للقروض قصيرة الأجل خلال الفترة نفسها. وهذه القروض طويلة الأجل تشكل الآن نحو ثلث مجموع القروض، في مقابل 56 في المائة للقروض قصيرة الأجل. الاتجاه العام الثاني هو أن نسبة الدين الحكومي الذي تضطلع به البنوك كنسبة من مجموع موجوداتها انخفضت من 32.4 في المائة إلى 18.4 في المائة خلال الفترة من 2003 إلى 2006، في حين أن المطالبات على القطاع الخاص قفزت من 41.9 في المائة إلى 55.3 في المائة خلال الفترة نفسها. وبصورة عامة فإن القطاع الخاص يظل مودعاً صافياً للأموال لدى البنوك، في حين أن القطاع العام هو مقترض كبير.
تزداد نسبة السكان في المملكة بمعدل 2.6 في المائة تقريباً في السنة. وهناك نحو 60 في المائة من السعوديين ممن هم دون سن 29. وبالتالي فإن كثيراً من السعوديين يصلون الآن إلى سن يبدأون فيها بالاقتراض، مما يُعَدُّ سبيلاً لارتفاع الطلب على القروض الاستهلاكية. والدليل على ذلك أن نمو الائتمان في قطاع التجزئة شهد زيادة في معدل النمو السنوي التراكمي بنسبة 46 في المائة خلال الفترة من 2001 إلى 2005، وقد استُخدِم قسم كبير من هذه القروض في تعاملات الأسهم خلال السنوات الثلاث السابقة، قبل أن تتباطأ في عام 2006. وفي نهاية عام 2006 هبط نصيب قطاع التجزئة، الذي يتألف 3.9 في المائة منه من قروض البطاقات الائتمانية، ليصبح 37.8 في المائة من مجموع قروض البنوك للقطاع الخاص، بعد أن كان يشكل 40.8 في المائة من هذه القروض في عام 2005.
ومنذ عام 2002، وبداية تكوين فقاعة سوق الأسهم، فإن من الجوانب الأخرى المثيرة للقلق بالنسبة للبنوك السعودية هناك الإقراض الهامشي والقروض المخصصة للتداول في الأسهم.
تقدر "ستاندارد آند بورز" أن نسبة الإقراض الهامشي إلى قروض التجزئة في السعودية ظلت تتناقص بصورة منهجية ثابتة خلال السنوات الثلاث السابقة لتصل إلى 20 في المائة ثم إلى 9 في المائة بنهاية عام 2006. ولكن يبدو على البنوك السعودية التقليدية أنها أكثر تحفظاً في الإقراض الهامشي من البنوك الإسلامية مثل بنك الراجحي. بمعنى أن البنوك الإسلامية تعتبر أن هذا النوع من الإقراض، وهو نشاط مربح ولكنه ينطوي على خطورة، تعتبره جزءا أساسيا من عملياتها.
وفي آذار (مارس) 2006 أصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي تعميماً حول الإقراض إلى المستهلكين في وقت كان فيه نمو القروض يندفع بسرعة يعود معظمها إلى سوق الأسهم التي كانت حينئذ تشهد نشاطاً غير عادي. وفي هذا التعميم الجديد حددت المؤسسة مدة استحقاق وتسديد الائتمان لتكون خلال فترة أقصاها خمس سنوات. كما حددت سقف الدفعات الشهرية التي يدفعها المقترض على أنه ثلث صافي راتبه الشهري. وعمل هذا من الناحية العملية على الحد من قدرة النمو الكامنة في هذا القطاع.
ومع ذلك فإننا نتوقع أن تواصل أحجام الأعمال في قطاع التجزئة نموها في هذا الجانب العملي ذي الهامش العالي، وأن تواصل مساندة الأداء الممتاز للبنوك السعودية. ويرجح أن ترتفع الأحجام بصورة كبيرة من خلال القروض الشخصية على المدى المتوسط والقروض السكنية على المدى الطويل. ومن الأدوات القوية التي تعمل على التخفيف من المخاطر نذكر الاستخدام الواسع للنسب المحددة في احتساب الرواتب لتكون ضمانات للقروض، واللجوء إلى مكتب خاص للائتمان (أي شركة سمة) تسجل فيه أسماء العملاء الذين أخفقوا في تسديد ما عليهم من قروض.
الحاجة إلى موارد للتمويل طويل الأجل ستعمل بصورة متزايدة على رفع تكاليف الأموال
بتاريخ 30 أيلول (سبتمبر) 2006 كانت ودائع العملاء في البنوك السعودية تشكل في المتوسط نحو 90 في المائة تقريباً من قاعدة تمويلها، وهي نسبة عالية بالمقاييس الدولية، في حين أن مجموع القروض كانت تشكل نحو 80 في المائة في المتوسط من قاعدة ودائع العملاء. ولكن البنوك السعودية ذات سيولة عالية، بالنظر إلى مبالغ التسهيلات المتدنية للقروض، وبالنظر إلى القاعدة الكبيرة لودائع العملاء. وتشكل السندات الحكومية 18.4 في المائة من مجموع موجودات النظام، ويوجد لدى مؤسسة النقد نظام للتسهيلات تستطيع البنوك بموجبه إعادة شراء هذه السندات ( بنسبة لا تتجاوز 75 في المائة).
وفي دراسة أجريت حديثاً، أثبتت "ستاندارد آند بورز" أن التغير التدريجي في المزيج التمويلي للبنوك السعودية يفسر بصورة جزئية التكلفة المتزايدة للتمويل بالنسبة لهذه البنوك. والدليل على ذلك أنه في حين أن الإيداعات الجديدة التي تدخل إلى النظام ظلت تنمو بشكل ثابت منذ عام 2004 (تراوح هذه الإيداعات بين 60 إلى 70 مليار ريال سعودي في السنة)، وفي حين أن الودائع غير الحاملة للفوائد ظلت نسبتها ثابتة عند 45 إلى 50 في المائة من إجمالي الودائع، إلا أن نسبة الودائع ضمن مجموع المطلوبات في حالة تناقص، حيث يحل محلها الدين طويل الأجل. ليس هذا فحسب، بل إن البنوك السعودية، شأنها شأن معظم البنوك النظيرة الإقليمية، تمر في وضع يتسم بازدياد التضارب في مواعيد الاستحقاق، وهو تضارب ناجم عن الفترات الطويلة نسبياً لتواريخ الاستحقاق في محافظ قروضها، التي لا تزال تُموَّل بصورة كبيرة من ودائع المستهلكين ذات الأجل القصير. ذلك أن ودائع المستهلكين ذات الأجل القصير لا تكاد تكفي لتمويل فرص الإقراض الجديدة الناشئة عن الزخم الاقتصادي الحالي.
وللتعامل مع هذا الموضوع فإن البنوك السعودية لم تتردد في إطالة أمد الوضع العام لتواريخ الاستحقاق لمواردها التمويلية، وذلك من خلال إصدارات السندات أو القروض الجماعية المرتبة. ومنذ عام 2004 ومعظم البنوك تتخذ إجراءات تصحيحية، بإصدار سندات تراوح قيمتها من 187 مليون دولار إلى 650 مليون دولار، مع وجود خطط للجوء إلى اقتراض موارد مبالغ جديدة على المدى المتوسط والمدى الطويل خلال المستقبل المنظور.
وتتمتع هذه الأموال بعدد من المزايا، تشتمل على السماح بنمو الموجودات بصورة مأمونة أكثر من ذي قبل، وتقليص التضارب في مواعيد الاستحقاق بين الموجودات والمطلوبات. ولكنها تضغط كذلك على هوامش الربح، على اعتبار أنها مكلفة أكثر من تمويل التجزئة المحلي بل وحتى أكثر من ودائع الشركات.
ومع ذلك فإن "ستاندارد آند بورز" تعتبر أن هذا هو الثمن الواجب دفعه في سبيل الوصول إلى إدارة سليمة أفضل من ذي قبل لإدارة الموجودات والمطلوبات.