شركات الهاتف تدخل السودان والشركات الأخرى تنسحب
بين عشية وضحاها ارتفعت لافتات صفراء براقة على ضفتي النيل ثم انتشرت بسرعة على طول الطرق السريعة والشوارع المزدحمة في أسواق العاصمة السودانية التي تعاني زحاما مروريا شديدا. كانت هذه اللافتات الخطوات الأولى في حملة بدأتها شركة إم. تي. إن من جنوب إفريقيا لإعلان وجودها في واحدة من آخر أسواق الهاتف المحمول التي لم تمتد إليها يد التطوير بعد في القارة السمراء.
وفي السنوات الأخيرة ابتعد المستثمرون الأجانب عن السودان في أعقاب الضجة التي ثارت حول أزمة دارفور وما أعقبها من عقوبات أمريكية على الخرطوم. ففي نيسان (أبريل) أعلنت رولز رويس البريطانية انسحابها لتنضم إلى طابور الخارجين من السودان ومن بينهم "سيمنس" الألمانية، "إيه. بي. بي" السويسرية، و"سي. إتش. سي هليكوبتر" الكندية. لكن سوق الاتصالات التي شهدت ازدهارا في الآونة الأخيرة أثبتت أن إغراءاتها لشركات الهاتف المحمول لا تقاوم. فهذه الشركات لا ترى في المساحات الشاسعة لإقليم دارفور الغربي في السودان منطقة كوارث، بقدر ما ترى فيها سوقا بكرا للهاتف المحمول تنتظر من يدخلها.
وأكبر شركة في سوق الهاتف المحمول في السودان هي الاتصالات المتنقلة "إم. تي. سي" الكويتية التي اشترت شركة موبيتل العام الماضي. وقال خالد مهتدي الرئيس التنفيذي لـ "موبيتل" في تصريح لـ "رويترز": "نحن نتوقع نموا كبيرا ما بين ثلاثة وخمسة أعوام.. يوجد طلب كامن في مختلف أنحاء البلاد". ويضيف "وصلت خدمة الهاتف المحمول لأول مرة إلى 25 في المائة من السكان هذا العام. وعندما تدخل الشبكة إلى مناطق جديدة نشهد زحاما على الفور. الطلب هائل على الخدمة".
وأحدث الشركات الكبرى التي دخلت السوق السودانية هي "إم.تي. إن" الجنوب إفريقية، فقد اشترت الشركة الأم لشركة أريبا للهاتف المحمول في تموز (يوليو) من العام الماضي. وفي أواخر الشهر الماضي غيرت الاسم التجاري "أريبا" إلى "إم. تي. إن ـ السودان" ومنذ ذلك الحين انشغلت بالترويج للاسم الجديد. وتتنافس الشركة الكويتية و"إم.تي. إن" مع شركة سودانية للهاتف المحمول التابعة لشركة سوداتل الحكومية التي كانت تحتكر قطاع الاتصالات من قبل.
ويعتقد محللون ورجال أعمال أن أسماء جديدة ستظهر على لوحات الإعلانات في الأشهر والسنوات المقبلة. وقال المحلل أندراوس صنوبر من مجموعة المرشدون العرب: "منذ وصول "إم.تي.سي" و"أريبا" أصبحت السوق تشهد منافسة شديدة ويتزايد إغراؤها للمستثمرين الإقليميين والعالميين".
وترتفع حدة المنافسة في ثلاث من أكبر ست دول في إفريقيا، هي: نيجيريا مصر، وجنوب إفريقيا، كما أن أسواق الهاتف المحمول فيها أصبحت أسواقا ناضجة نسبيا. كذلك فإن سوق الاتصالات الضخمة غير المستغلة في إثيوبيا مغلقة أمام الشركات الأجنبية، لأن شركة تابعة للدولة تحتكرها، ولا يتبقى بعد ذلك من الأسواق الكبرى سوى الكونجو الديمقراطية والسودان.
والحسابات واضحة. فالسودان أكبر دول القارة الإفريقية مساحة وسادس أكبرها سكانا إذ يبلغ عدد سكانه نحو 40 مليونا، لكن نسبة السكان الذين يملكون هاتفا محمولا منخفضة بشكل ملحوظ إذ توضح أرقام شركة انفورما تليكوم آند ميديا البريطانية، أنها بلغت 11.5 في المائة فقط في الربع الثاني من العام الجاري. ويقول ديفاين كوفيلوتو المحلل في الشركة، إن هذه الأعداد المنخفضة من المشتركين قد تتجه قريبا للارتفاع بسرعة بفضل عوامل منها الثروة النفطية والاستقرار الاقتصادي النسبي في أعقاب اتفاق السلام بين الشمال والجنوب عام 2005 لإنهاء أطول حرب أهلية في إفريقيا. ورغم انخفاض الدخل في معظم الدول الإفريقية، فإن ذلك لم يسهم في إبطاء انتشار الهاتف المحمول في إفريقيا التي توجد فيها واحدة من أسرع أسواق الاتصالات نموا في العالم.
وقال علي حمد بن جرش الغفلي الرئيس التنفيذي لشركة كنار للاتصالات "إفريقيا تأخرت. وهي الآن تلحق ببقية العالم. أصبحت الاتصالات رخيصة جدا، وأصبح حصول الناس من أصحاب الدخول المحدودة جدا على هاتف محمول سهلا". و"وكنار للاتصالات كونسورتيوم" تقوده شركة اتصالات الإماراتية التي تتفاوض حاليا على الحصول على رخصة للهاتف المحمول في السودان. ويضيف الغفلي قائلا: "زاد دخل الناس في السودان في الفترة الأخيرة ولذلك زادت سهولة الحصول على هاتف محمول".
وقال وزير الإعلام والاتصالات الزهاوي إبراهيم مالك، إن السودان يجري محادثات مع "كنار" لكنهما لم يتفقا على ثمن الرخصة. وتوجد فرصة أخرى سانحة في جنوب السودان حيث تعمل فيه شركتان صغيرتان هما "جيمت"، و"ناو". وكل منهما قد يصبح هدفا لعملية استحواذ. لكن الفرص الكبيرة تحمل في طياتها مخاطر كبيرة ومنها خطر التعرض للغضب الدولي تجاه أزمة دارفور. فقد كانت شركة سوداتل واحدة من 31 شركة شملتها قائمة سوداء وضعتها واشنطن في أيار (مايو) بدعوى "المساهمة في الصراع في منطقة دارفور". وتتضح التعقيدات المحتملة التي يواجهها المستثمرون الأجانب في التعاقدات التي أبرمتها شركة الكاتل لوسنت الفرنسية لصناعة معدات الاتصال مع "سوداتل". ففي كانون الثاني (يناير) الماضي أرسلت "الكاتل" مذكرة إلى الأمريكيين العاملين فيها تحذرهم من أنهم قد يكونون مسؤولين بصفة شخصية عن أي أعمال تنفذ لصالح السودان عن طريق الشركة.