اليابان تتحدى النموذج الأنجلو سكسوني وتراهن على نظام عمل شركاتها

اليابان تتحدى النموذج الأنجلو سكسوني وتراهن على نظام عمل شركاتها

الاقتصاد الياباني يعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم ولكنه، واجه المتاعب في عقد التسعينيات وأوائل العقد الحالي. وبينما أدت المصاعب الاقتصادية إلى إجراء إصلاحات هيكلية في البلدان الأخرى، إلا أن ذلك لم يحدث في اليابان.
في كتابه الأخير (تغيير الرأسمالية اليابانية: التنسيق المجتمعي والتعديل المؤسسي)، استخدم مايكل إيه. ويت الأستاذ المشارك في "إنسياد"، تشبيها غريبا لعملية التغيير المؤسسي في اليابان، فقد شبهها برجل يقود سيارته لكنه وفي الوقت نفسه متمسك بالضغط على مكابح تلك السيارة. ذلك أن بالإمكان قيادة السيارة، ولكن على المحرك أن يعمل بجهد أكبر من طاقته فيما لو لم يتم الضغط على المكابح.
والمكابح (الفرامل) هي شخصية اليابان المنسقة، إذ إن تغيير طرق القيام بالأعمال التجارية هناك يقتضي قدراً كبيراً من المداولات المشتركة وتبادل المعلومات حول الخطوات الممكن اتباعها وجدواها على الصعيد العملي، إلى أن يتم الإجماع على سلسلة من الإجراءات. وتعتبر المستويات العالية من الشبكات الاجتماعية في الشركات اليابانية عنصراً رئيسياً في عمليات التنسيق هذه.
إن العلميات المنسقة التي نشهدها أيضاً في الدول الأوروبية عرضة لأن تظل عالقة في مكانها إذا لم يظهر إجماع عليها. بيد أنه خلافاً لكثير من البلدان الأخرى، فإن هنالك ثلاثة عوامل تفاقم القصور الذاتي للعملية اليابانية.
أول هذه العوامل أن النظام هناك عمل على نحو جيد لمدة طويلة وما زال يحظى بالشرعية في نظر الكثيرين. ويقول ويت: "إنه يتضمن الكثير من عوامل الاستقرار الراسخة فيه، وهذه تجعل الناس يواصلون اعتبار النظام مشروعاً حتى حين يكون يعاني في حقيقة الأمر".
والعامل الثاني هو الغياب النسبي للسلوك المنحرف. ويقول ويت: "إن ما يجعل اليابان مختلفة عن كثير من البلدان الصناعية في الحقيقة (إذا كانت طرق عمل الأشياء لا تعكس احتياجات الشركات، أو إذا تسببت في متاعب اقتصادية للناس، أو إذا كانت أنظمة العمل تجعل الشركة غير قادرة على المنافسة، أو إذا كان ذلك يعني عدم إمكانية حصولك على عمل لأن الشركات لا تستطيع أن تدفع لك، أو إذا كانت الضرائب غير معقولة بالمرة، على الأقل وفقاً للمعايير الاجتماعية السائدة بين الناس) يبدأ الناس يؤثرون الخروج من النظام. والشيء المدهش عن اليابان هو أن ذلك يحدث بمستوى متدن نسبياً، وفي الحقيقة بمستوى متدن جداً".
ولهذا صلة بالعامل الثالث، وهو هيكل الشبكات العالي في البلد. فبينما يسمح ذلك للشركات بتنسيق استراتيجياتها مع الشركات الأخرى واللاعبين الآخرين في النظام، فهو يجعل "من السهل نسبياً مراقبة ما يعمله كل شخص". وهذا مصدر من مصادر ضغوط الانسجام والتكيف، ولذلك فإنه يثني الناس عن إيثار الخروج من النظام.
يعتقد ويت أن جميع هذه العوامل تشكل عائقاً كبيراً أمام إجراء تعديلات مؤسسية، وبالتالي تعوق نمو الاقتصاد الياباني، قائلا "الآن بينما تشاهد في بلدان كثيرة أن عمليات إيثار الخروج من النظام تعززه القوة أو جهاز الدفع الإضافي في المحرك النفاث، فإن هذا النوع من جهاز الدفع الإضافي غير موجود في الحالة اليابانية. لذلك، فإن الحصول على القوة اللازمة للوصول إلى نتيجة معينة أعلى بكثير مما كنت ستحتاج إليه لو كانت العمليات مهيكلة بطريقة معينة، مثل، ترك مزيد من الحرية للأفراد والشركات لاستنباط القواعد الخاصة بهم، كما هي الحال في كثير من الدول الأنجلو سكسونية".
ويقول ويت إن هناك علاقة متبادلة بين النمو وبين مستوى التنسيق في أي اقتصاد. "إننا نرى أن البلدان التي توجد فيها مستويات عالية من التنسيق تميل لأن تكون هي نفسها البلدان التي أظهرت أداءً اقتصادياً متدنياً في السنوات الأخيرة أو نحوها".
ويرتبط جزء من التغير المؤسسي المحدود الواضح في اليابان ببيع الشركات المالية الخاسرة إلى الشركات الأجنبية. يقول ويت إن هذا أدى إلى إحداث تغييرات في حوكمة الشركات توازي ما جرى في البلدان الأنجلو سكسونية، بالنسبة لبعض الشركات. على أنه ينظر إلى هذه الشركات باعتبارها خارج "العالم المنتظم" للشركات اليابانية. "إنها موجودة في اليابان ولكن ينظر إليها كشركات أجنبية، وهذه هي حقيقتها بالضبط. لذلك، قد يكون هناك بعض الأثر، ولكني أعتقد أنه سيكون محدوداً نسبياً. ولعل الأهم من ذلك، هو مسألة قيام المؤسسات المالية اليابانية ببيع الموجودات المالية، خصوصا الأسهم، التي يبدو أن الكثير منها وقع في أيدي مساهمين أجانب". ويضيف ويت "إن هناك سبباً واضحاً لذلك، وهو أن اليابانيين من الناحية التقليدية غير نشطين جداً في ممارسة الضغط على الإدارة لإنتاج قيمة لحملة الأسهم، وذلك خلافاً لنظرائهم في البلدان الأنجلو سكسونية".
ونظام الشركات اليابانية يضع الموظفين والمجتمع في المقام الأول. وحملة الأسهم هم مجموعة واحدة من بين العديد من أصحاب الحصص، ومن الناحية التقليدية لا تعتبر هذه المجموعة مهمة جداً. لكن ما حدث في السنوات الأخيرة كان بسبب تزايد ملكية المساهمين الأجانب بشكل كبير، فإن هناك ضغطاً متزايداً على الشركات اليابانية لكي تقوم بإصلاحات على نمط الشركات الأمريكية، ولكي تعطي اهتماماً أكثر لقيمة حملة الأسهم. والشيء المهم هو ما يحدث حين تزيد نسبة حملة الأسهم الأجانب على 30 في المائة. إن هذا يعتبر "نقطة التحول" التي يتعين على الشركات عندها أن تباشر في تنفيذ الإصلاحات على صعيد هيكلية حوكمة الشركات".
على أن ويت يضيف أنه ليس من الواضح بعد ما سيكون عليه الأثر الكلي لذلك في بقية النظام العملي في اليابان. "رغم هذه الزيادة، لا نرى إلا أثراً محدوداً جداً في هياكل حوكمة الشركات، إذ يبدو أن عدداً قليلاً جداً من الشركات قد نفذ إصلاحات بعيدة المدى. وحتى في هذه الحالات، من غير الواضح إلى أي مدى تم إجراء هذه الإصلاحات شكلياً فقط، وذلك لإعطاء المستثمرين انطباعاً بأنه ينظر إلى مخاوفهم بشكل جدي، بينما الحقيقة هي أن الهدف من الإصلاحات هو الإبقاء على الأهداف الأساسية للشركات اليابانية كما هي، وخاصة مقولة أن الموظفين والمجتمع يأتيان في المقام الأول".
وفي مقابل هذه الانتكاسة، فإن زعيماً سياسياً منفتحاً على الإصلاح مثل جونيشيرو كويزومي لم يستطع إحراز الكثير من التقدم على هذا الصعيد. ويرجع ويت السبب الرئيسي في ذلك إلى تركيز اهتمام كويزومي على إصلاح النظام السياسي بدلاً من التركيز على أسلوب عمل الشركات اليابانية. "إن إنجازاته على صعيد الإصلاحات الاقتصادية أو تلك المتعلقة بالأنشطة العملية محدودة جداً، ولم تكن (منسجمة) مع أهدافه".
يختتم ويت كتابه بالقول إن اليابان "تراهن بقوة على نظام عمل الشركات اليابانية استناداً إلى توقع غير مؤكد لهدوء متجدد". إنه رهان يمكن أن يأتي بنتائج سيئة. ويقول ويت إنه يتوقع أن تواصل اليابان أداءها بشكل سيئ نسبياً حيث إنها تكافح وتنافس بأمور مثل سكانها الذين هم في سن الشيخوخة. ويقول ويت: "إن اليابان لن تغرق في المحيط الهادئ"، ولكنها ستواجه منافسة دولية متزايدة وتغيرات تكنولوجية سريعة في السنوات المقبلة.
وبالنسبة لنظام يعمل في ظل ظروف تقوم على التوقع والهدوء، فإن من المرجح أن يتسبب ذلك في المتاعب. "فالآن، إذا كانت اليابان تتوقع أن هذا شيء مؤقت، على سبيل المثال، فإن كل هذه التكنولوجيا التي نشهدها هي مجرد وظيفة للتحول الحالي إلى العصر الصناعي التالي، ونحن نعرف أن هذه التحولات تستغرق في العادة 50 سنة، وحيث إن عملية التحول الحالية بدأت عام 1970 أو حوله، لذلك فإن بإمكاننا الصمود حتى عام 2020، وبعدها ستعود الأمور إلى الهدوء ثانية، وبعدها سنبدأ من تلك النقطة ونعود إلى أيام العظمة السابقة. ولكن مشكلة التفكير بهذه الطريقة، رغم أن الأمور تسير على هذا النحو، عدم وجود ضمانة لحدوث ذلك". ولكن إذا ظلت خطى التغيير أو الفوضى البيئية عالية، فإن الصمود حتى النهاية أسلوب ينطوي على المخاطر".

الأكثر قراءة