تهميش الإصلاح في الشركات العائلية يضعها في مهب الريح
استقال راتسناراك من جميع مناصبه الإدارية في بنك أيودهيا، وهو أحد أكبر بنوك تايلاند، حيث كان والده قد أسسه قبل نحو 60 عاماً. وجاءت استقالته كجزء من صفقة مع GE Capita للحصول على 29.4 في المائة من البنك. ومع ذلك ما زالت أسرته تمثل أكبر المساهمين بحصة تبلغ 32 في المائة. ويأتي تحرك العائلة هذا بعد انسحابها الاستراتيجي من إحدى شركاتها، سيام سيتي سيمنت، ثاني كبرى الشركات المنتجة للأسمنت في البلاد، وذلك عام 1999.
على الصعيد ذاته كانت شركة هولسيم السويسرية قد اشترت حصة بلغت 25 في المائة من تلك الشركة. وحافظت العائلة كذلك في تلك الصفقة على امتلاكها لأكبر حصة في الشركة، ولكنها حولت الإدارة بالكامل إلى الجانب السويسري. وعملت هذه الشركة السويسرية على تحديث إدارة الشركة، وإعادة هيكلة ديونها، وزادت معدل أرباحها، حيث أصبحت لدى العائلة شركة عالية المنافسة، وجيدة الإدارة.
إن العائلات جيدة في تأسيس الشركات، غير أنها أقل جودة في استدامة تلك الشركات. ويمثل ذلك مشكلة في آسيا لأن معظم الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم في هذه القارة مملوكة من جانب العائلات. ولكن يبدو أن عائلة راتسناراك، على الأقل، توصلت إلى حل.
وكان البنك الدولي قد أعد دراسة عام 1999 بعنوان "مَن يسيطر على الشركات في شرق آسيا؟"، حيث شملت نحو ثلاثة آلاف شركة من كل من هونج كونج، إندونيسيا، اليابان، كوريا الجنوبية، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة، تايوان، وتايلاند. ووجدت تلك الدراسة أنه باستثناء الشركات اليابانية التي تسيطر عليها العائلات، فإن هنالك 60 في المائة على الأقل من الشركات التي جرت دراستها تخضع لسيطرة عائلية مباشرة. ووجدت الدراسة كذلك أن الفصل بين العائلة وإدارة الشركات أمر نادر. ولوحظ منذ عام 1999 أن كثيراً من الشركات العائلية اتجهت للتسجيل في البورصات.
وقال ريتشارد إيو، أحد أبناء الجيل الرابع لشركة الأدوية "إيو يان سانج"، في مؤتمر حول المشاريع العائلية عقد في سنغافورة "غالباً ما لا تتفق المشاريع العائلية مع أصول العمل التجاري، إذ إن الأمور لا تتعلق بالأرباح وحدها في الشركات العائلية، حيث إن أفراد العائلة يمكن أن يضحوا بالمال في سبيل عواطف معينة".
غير أنه لا يوجد هناك إجماع على أن الملكية والإدارة العائلية أمران سيئان على الإطلاق. ويجادل إسحاق شوارتز، المحلل في قسم نيويورك في الشركة الاستشارية "روبوتي"، بأن الملكية العائلية يمكن أن تفيد حملة الأسهم الآخرين. ويضيف "بما أنني أعرف أن المديرين سيفعلون ما يريدونه، بغض النظر عما إذا كانوا حملة أسهم أم لا، فإنني أرى أن كونهم من بين كبار المالكين يجعلهم يتصرفون بطريقة سليمة وحاذقة".
ووجدت دراسة أجراها بنك كرديه سويس أن أسهم الشركات التي تمتلك العائلات حصصاً كبيرةً فيها، تفوقت في أسعارها بنسبة 8 في المائة على الأسهم الأخرى منذ عام 1996. وترى الدراسة أن السبب الرئيسي في ذلك هو حرص العائلات على توريث حصصها لأبنائها. وهي لذلك تركز على الاستراتيجيات بعيدة المدى، بدلاً من الحسابات القائمة على الأرباع السنوية. ولا تميل تلك الشركات كذلك إلى عمليات الاستيلاء والشراء باهظة الثمن.
وتكاد تلك الشركات تخلو من الممارسات الخاطئة القائمة على خلط حسابات شركات متعددة، وتحويل أموال من شركة إلى أخرى. والحقيقة هي أن الشركات الآسيوية تشهد في معظمها تسجيلاً لعدد قليل من نشاطاتها في البورصات، حيث يندر أن تسجل عائلة آسيوية جميع شركاتها في البورصة.
وهناك اعتبارات ثقافية كذلك، إذ يعبر هيكل معظم الشركات الآسيوية العائلية عن رغبة العائلة في منح وظائف لأبنائها، والحفاظ على تماسك العائلة، وزيادة قيمتها الاجتماعية وشرفها، حتى يكون لها وجه مشرق على الدوام في عالم الأعمال. غير أن معظم المساهمين والشركاء الخارجيين يرون أن لا علاقة لكل هذه الاعتبارات بتعزيز القدرة الإنتاجية، أو تحسين معدلات عوائد الشركات. ومن المحتمل أن تلجأ العائلات إلى أنظمة بالغة التعقيد في هيكلة شركاتها، حتى تجعل من المتعذر تفتيت تلك الشركات وابتعاد أفراد العائلة عن بعضهم بعضا.
ونجد في مثل هذه الحالات أن دعوات الإصلاح القائمة على الكفاءة، والشفافية، والحكم الرشيد للشركات، لا تلقى أذناً صاغية، وأن الشركات القائمة على مبدأ استمرار وحدة العائلة تجد نفسها في حالة من الفوضى العارمة إذا حاول بعض أفرادها الخروج على هذا المفهوم باتجاه الانفصال، وتكوين مؤسسات خاصة بهم. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك تلك السلسلة الطويلة من الدعاوى القضائية عام 2005 بين الإخوة أمباني، مالكي مجموعة ريليانس الهندية بعد وفاة والدهم، مؤسس المجموعة دهيروبهاي.
كما أن عوائد رأس المال يمكن ألا تشكل الحافز الأول في مثل هذه الشركات، إذ إن بعض الشركات الآسيوية العائلية لا تحقق أرباحاً على الإطلاق، ولا يطلب منها ذلك. وتوسعت شركات معينة، وأصبحت بالغة التعقيد لمجرد أن العائلات التي تمتلكها توسعت بصورة كبيرة.
ومن المحتمل أن يتم توسع معين في شركات ما، لأسباب تتعلق بتلبية طلب متزايد في السوق، وإنما نظراً لأن أحد أبناء العمومة يود تحقيق إنجاز معين. ويحدث أن تكون العوائد في بعض الشركات متدنية للغاية، بحيث يكون العمل مقابل الأجر لبعض أفراد تلك العائلات هو الوسيلة الوحيدة للحصول على دخل.
ويعني مبدأ الحفاظ على الملكية العائلية أن أفرادها لا يرحبون بالاستثمارات الجديدة، رغم حاجة الشركة الماسة إلى ذلك. وحدث أن بلغت بعض الشركات مرحلة قريبة من الإفلاس قبل أن يقبل أعضاؤها بدخول مساهمين جدد. ووقع عدد كبير من الشركات العائلية الكورية الجنوبية في هذا الفخ.
وتفضل عائلات آسيوية كثيرة الاقتراض بدلاً من جلب شركاء جدد، حيث إن جلب مثل أولئك الشركاء يعني في نظرهم تذويب ملكيتهم الخاصة، ومن شأن ذلك أن يعمل على تقليص العوائد، وأن يجعل تلك الشركات تواجه أوضاعاً خطيرة أثناء الأزمات. ولذلك تظل نسبة الأسهم خارج النطاق العائلي في كثير من الشركات الآسيوية دون 30 في المائة. والحقيقة هي أن كثيراً من تلك الشركات تدرج أسهمها في البورصة بهدف معرفة القيمة السوقية، وذلك لاستخدامها كضمانات للحصول على القروض، حين تصبح تلك الشركات بحاجة إلى أموال سائلة.
وكثيراً ما يمثل انتقال الملكية بين الأجيال المتعاقبة في الشركات العائلية مشكلات كبرى، إذ إن الحفاظ على دوافع الملكية الخاصة في العائلة لا يستمر إلى الأبد. وما لم يتوافر الوريث الحريص على تلك الملكية، فإن الشركات العائلية يمكن أن تصبح في مهب الريح. ويزيد من تعقيد هذا الأمر، ذلك النظام الخاص بالملكية المشتركة لأسهم الشركة من جانب أفراد العائلة، إذ تتحكم العائلات بالشركات من خلال تلك الملكية المشتركة. ويحصل أفراد العائلة على أموال من الشركة حسب احتياجاتهم، وليس بالضرورة حسب حصصهم الفرضية. ومن شأن ذلك تقليل حرص أفراد تلك العائلات على الحكم الرشيد، والعائد الملائم على رأس المال المستثمر.
غير أن التغيير يلوح في الأفق كما يظهر من تصرفات عائلات مثل عائلة راتسناراك. وأدت الأزمة المالية الآسيوية عامي 1997 و1998 إلى تخفيف قبضة كثير من العائلات الآسيوية على الشركات المملوكة من قبلها. وفقدت عائلات معينة تلك السيطرة، واضطرت عائلات أخرى إلى القبول بشركاء جدد من المساهمين. وهناك أفراد من الجيل الثالث أو الرابع لبعض العائلات ممن لا يجدون لأنفسهم مصلحة في تلك الشركات التي أسسها أجدادهم، أو أجداد أجدادهم.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك عائلة سامبويرنا الإندونيسية ـ الصينية، حيث باعت معظم ممتلكاتها من صناعة التبغ عام 2005 إلى شركة فيليب موريس مقابل نحو خمسة مليارات دولار. وشعر أفراد العائلة في ذلك الوقت بأنهم غير مرتاحين للاستمرار في هذه الصناعة في إندونيسيا. كما حدث أن باعت عائلة تشان في هونج كونج عام 2006، بنك آسيا الاستثماري، الذي كانت تمتلكه بقيمة نحو 600 مليون دولار، حيث قال برنارد تشان الذي كان وراء تلك الصفقة، إن الوقت حان للتحرك،" وإن ما كان عملاً مشتركاً مفيداً قبل 50 عاماً لم يعد كذلك في الوقت الراهن".
وأصبحت هذه القضايا أمراً شائعاً بين العائلات الآسيوية المالكة للشركات في مواجهة عالم متزايد التنافس، وظروف تتطلب تحديث الإدارة. ولجأ عدد من تلك الشركات العائلية إلى طلب المشورة من جهات خارجية. ولجأ عدد من الشركات الفلبينية الكبرى قبل عدة سنوات إلى الانضمام معاً في جهد لاستقدام أحد خبراء كلية هارفارد للنشاطات العملية لإلقاء محاضرات في أفراد تلك العائلات استمرت خمسة أيام في مانيلا، وغطت جوانب متعددة من ممارسة النشاطات العملية. وتمت في تلك المحاضرات مناقشة أمور تتعلق بكيفية الحفاظ على الملكيات العائلية، وإدارة الشركات بما يضمن هذا التوجه. وتمت كذلك دراسة سبل تقسيم الشركات دون انهيارها، وكذلك دون حدوث خسائر كبرى.
وبحث المؤتمر الذي عقد في سنغافورة هذا العام، الخيارات المتاحة أمام الشركات العائلية في آسيا. وحضر ذلك المؤتمر وزير التجارة والصناعة السنغافوري، وتضمنت الفعاليات كذلك خطابات من جانب بعض أفراد العائلات التي تمتلك شركات كبرى في آسيا، مثل عائلة إيو.
وربما تتمثل أفضل وسيلة في الحفاظ على حيوية هذه الشركات في إدراجها في البورصات ككيانات موحدة. وهكذا يصبح بالإمكان تجنب مخاطر الإدراج الجزئي. كما أن من شأن هذا الأمر تعزيز الشفافية في تلك الشركات. وهنالك، إضافة إلى ذلك، فرص جيدة للاستفادة من خبرات الشركات الأجنبية.