الأبعاد الاستثمارية للائحة التنفيذية لنظام هيئة البيعة
تتويجاً للبرنامج الإصلاحي الاقتصادي الطموح، والسياسي، والإداري، والاجتماعي، الذي انتهجته الحكومة السعودية بنهاية العقد الأخير من القرن الماضي، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أمره الكريم، باعتماد صدور اللائحة التنفيذية لنظام هيئة البيعة، التي لعل من بين أبرز أهدافها ضمان استمرارية الاستقرار السياسي والاجتماعي، اللذين تنعم بهما المملكة العربية السعودية، منذ أن تم توحيدها على يد المغفور له بإذن الله تعالى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، قبل أكثر من سبعة عقود من الزمان، تحت لواء التوحيد ومسمى المملكة العربية السعودية.
الجدير بالذكر أن مواد اللائحة المفسرة لنظام هيئة البيعة، الذي تم اعتماده وإصداره العام الماضي، بالتحديد بتاريخ 26 رمضان 1426هـ، بموجب المرسوم الملكي رقم أ/135، يتكون من 18 مادة، التي حددت للنظام إطاره التشريعي والتنفيذي القانوني، ولعل من أبرزها وأهمها المادة الأولي، التي يتم بموجبها تعيين أحد أبناء كل متوفى، أو معذور، أو عاجز عن عضوية هيئة البيعة، بموجب تقرير طبي من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، بناء على طلب الملك من أبناء المتوفى، أو العاجز، ممن أكملوا السابعة عشرة من العمر، بترشيح اثنين أو ثلاثة منهم لعضوية الهيئة، والذي بموجبه يقوم أبناء كل متوفى أو عاجز من أبناء الأبناء، بترشيح أحدهم للمشاركة في تسمية المرشحين لعضوية الهيئة، هذا وعليهم تسمية المرشحين خلال خمس عشر يوماً من تاريخ تلقي طلب الترشيح، وفي حالة انتهاء المدة دون الوصول إلى تسمية المرشحين لعضوية الهيئة، يعين الملك من يراه منهم لعضوية الهيئة. ومن بين المواد المهمة كذلك التي تضمنتها اللائحة المذكورة، المادة السادسة التي بموجبها تتم مبايعة ولي العهد ملكاً على البلاد عند وفاة الملك، بناء على اجتماع تعقده الهيئة بصفة فورية للدعوة إلى المبايعة، وكذلك المادة السابعة التي يتم بموجبها تحديد طريقة اختيار ولي العهد، وفق خطاب يبعث به الملك خلال الأيام العشرة التالية لمبايعته ملكاً على البلاد، إلى رئيس هيئة البيعة.
الأوساط السياسية والقانونية المحلية والإقليمية والدولية، استقبلت أنباء خبر صدور اللائحة التنفيذية لنظام البيعة السعودي، باهتمام كبير، لكونه سيعمل على إيضاح معالم الحكم والنظام في المملكة العربية السعودية وفق هيكل وإطار شرعي دستوري وقانوني، لا يسمح أو يفتح المجال أمام حدوث أو ظهور أية خلافات مستقبلية لا سمح الله حول قيادة دفة الحكم في البلاد، كما أن صدور نظام هيئة البيعة ولائحته التنفيذية قد جاءا متواكبين مع الطفرة التشريعية الهائلة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، والتي تستهدف إحداث إصلاح هيكلي شامل في مجالات الحياة كافة.
بالنسبة للأبعاد الاستثمارية لصدور اللائحة التنفيذية لهيئة البيعة، فيمكن تلخيصها في أن مواد اللائحة الـ 18، قد حددت بوضوح تام ورسمت بدقة متناهية للغاية، الرؤية المستقبلية المتعلقة بانتقال السلطة التشريعية والحكم في البلاد من سلالة الملك المؤسس الراحل عبد العزيز، وفق آلية سلسة ومرنة، لكنها عصرية ومتقدمة، جاءت خطواتها مقننة ومكتوبة، كما أنها قد جاءت لتوضح ببراعة تامة كيفية التعامل مع القضايا ومعالجتها في حالات الوفاة والمرض، الأمر الذي سيبعث بالارتياح التام إلى نفوس المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، ولاسيما أن المحفز الرئيسي لتنامي الاستثمارات وجذب والرساميل الأجنبية إلى بلد ما، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستوى الاستقرار السياسي الذي ينعم به ذلك البلد، وهذا المطلب وإن كانت المملكة العربية السعودية ولله الحمد تتمتع به منذ عقود طويلة من الزمن، إلا أن صدور مثل تلك اللائحة سيساعد دون أدنى شك على تثبيت مفاهيم الاستقرار السياسي في المملكة لدى أذهان المستثمرين الأجانب، هذا إضافة إلى أن صدور مثل هذه اللائحة التنفيذية لهيئة البيعة، سيعمل على إضفاء المزيد من الشرعية والشفافية والوضوح فيما يتعلق بسلاسة انتقال الحكم والسلطة في البلاد من شخص إلى شخص، الأمر الذي سيساعد برأيي على جذب المزيد من الاستثمارات والرساميل الأجنبية إلى البلاد، ولاسيما أن صدور اللائحة المذكورة، قد جاء متواكباً مع حصول المملكة العربية السعودية على موقع عالمي متقدم في قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية للبلاد بموجب التقرير الأخير الذي صدر عن بنك التمويل الدولي، والذي صنف السعودية في المرتبة الـ 23 عالمياً فيما يتعلق بتسهيل إجراءات ممارسة الأعمال في المملكة أو ما يعرف دولياً وعالمياً بـ Doing Business، الأمر الذي سيعمل على المزيد من تحسين سمعة ومكانة المملكة الاستثمارية على مستوى العالم.
برأيي كذلك إن هذا الاستقرار السياسي الذي تنعم به المملكة، بالإضافة إلى وضوح الرؤية في انتقال السلطة من شخص إلى آخر، سيعملان على ضمان استمرارية وتيرة نمو الاقتصاد السعودي والدفع بها قدما إلى الأمام، وكذلك سيعملان بالدفع قدماً إلى الأمام بوتيرة البرنامج الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والإداري الإصلاحي الطموح الذي تنتهجه الحكومة السعودية، والذي كان آخر نتاجه صدور تلك اللائحة ونظامي القضاء العام والقضاء الإداري، وبالله التوفيق.