حرب نفطية باردة؟

حرب نفطية باردة؟

حرب نفطية باردة؟

[email protected]

اختتم الشهر الماضي بالتهديد الذي أطلقه رئيس الوزراء الكازاخي كريم ماسيموف للشركات الأجنبية العاملة لتطوير حقل كاشاجان الضخم، وأنه بسبب التأخير المستمر لبدء الإنتاج وارتفاع التكلفة، فإن حكومة كازاخستان قد تجد نفسها في وضع لإعادة النظر في ترتيبات العقد نفسه.
نظرة أولية تؤكد أن الرجل على حق، فالحقل، الذي يعتبر أكبر حقل يتم اكتشافه خلال فترة ثلاثة عقود من الزمان، كان يفترض أن يبدأ الإنتاج عام 2005، وتأجل ذلك ليبدأ العام المقبل وفق الجدول الذي تم وضعه، وفيما بعد تم التأجيل إلى عام 2010، وليس واضحا إذا كان سيتم الوفاء بالموعد الجديد أم لا.
اللافت للنظر أن التهديد موجه إلى كبريات الشركات النفطية العالمية: "إيني" الإيطالية، "إكسون موبيل" الأمريكية، "رويال داتش شل" الهولندية - البريطانية، و"توتال" الفرنسية، إلى جانب "كونوكو الأمريكية" ومجموعة أنبيكس اليابانية.
قبل نحو 15 عاما فتحت كازاخستان ذراعيها بكرم لاستقبال الشركات الأجنبية، والآن تهددها فما الذي حدث؟ وقتها كانت كازاخستان تتلمس طريقها دولة مستقلة جديدة على الساحة الدولية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، ومن ثم الرغبة في التواصل مع الغرب عموما وعبر شركاته لتحقيق شيء من التفاهم السياسي من ناحية، وفوق هذا الاستفادة من التقنية والاستثمارات الغربية لتغيير الواقع الاقتصادي .. وكان النفط الآلية الرئيسية لهذا التوجه.
لكن الآن، وبعد سنوات من التجريب والتعامل مع الواقع، وفوق هذا التغيرات التي تعيشها السوق النفطية جعلت من إعادة النظر أمرا منطقيا، فهناك انتعاش اقتصادي للعام السادس على التوالي، وهذا بدوره لعب دورا رئيسيا في نمو الطلب على مختلف أنواع الطاقة، خاصة النفط، وهو ما يعبر عن نفسه بالزيادة المستمرة في سعر البرميل، ومن ثم إحساس الشركات النفطية بالحاجة إلى تأمين مصادر الطاقة والوصول إلى الاحتياطيات التي أصبحت نادرة.
هذا الوضع أطلق حالة أصبحت تعرف بأنها موجة من الوطنية النفطية تجد أبرز تعبير عنها في التوجهات السياسية لفنزويلا تحت قيادة زعيمها هيوجو شافيز، الذي يسعى جهده لتشكيل تحالفات جديدة لا في أمريكا اللاتينية فقط، وهي الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، القطبية الوحيدة وأكبر مستهلك للنفط في العالم، وإنما بدأ يمد صلاته إلى إيران والصين والشرق الأوسط لتكوين التحالفات المناوئة للسياسة الأمريكية، مستفيدا من حالة الطفرة التي تعيشها السوق النفطية وتجعل رياحها تهب في أشرعة المنتجين.
هذا التوظيف السياسي لظروف السوق أصبح شائعا، والكل يسعى لاستخدامه بصورة أو أخرى. والنموذج الذي يكتسب أهمية خاصة روسيا على عهد رئيسها الحالي فلاديمير بوتين، الذي اتجه إلى الاستخدام الفعال لسلاح النفط لاستعادة وضعية روسيا قوة لها حساب، فقد أرسل رسائل عديدة بأن الكرملين هو صاحب القول الفصل فيما يتعلق بالسياسة النفطية، وكانت البداية بتفكيك شركة يوكوس وسجن مؤسسها فيكتور خودروكفسكي، ثم التحول إلى الشركات الغربية لإيصال الرسالة ذاتها إليها. وخلال فترة الأشهر السبعة الماضية قلصت روسيا أو ألغت عمليا مشاركة كل من "شل" و"بي. بي" في مشاريع نفطية داخل روسيا ليذهب نصيبهما إلى شركات حكومية، ما يساعد على إحكام سيطرة الكرملين على الصناعة النفطية واستخدامها كرتا سياسيا في مخططاته.
والاستخدام لا يقتصر فقط على إضعاف وجود الشركات النفطية الغربية، بل يمضي أحيانا في اتجاه معاكس، مثلما حدث مع شركة توتال الفرنسية وإعطائها حصة الربع في مشروع تطوير حقل شتوكمان الضخم، الذي يعتقد أنه يحتوي على كميات من الغاز تكفي الاستهلاك الأوروبي بالكامل لفترة سبع سنوات، مع احتفاظ شركة النفط الحكومية "غازبروم" بحصة 51 في المائة، بما يؤمن لها السيطرة على المشروع وطرح بقية الأسهم لشركات أجنبية أخرى.
"توتال" لم تكن صاحبة أفضل العروض، لكن الخطوة الروسية سبقها اتصال هاتفي بين بوتين والرئيس الفرنسي الجديد نيكولاس ساركوزي، كما أن التوقيت كان لافتا للنظر، إذ تم الإعلان عن الصفقة عشية الاحتفال بيوم الباستيل، وهي مناسبة فرنسية وطنية. وكل هذا يشير إلى أن بوتين في الواقع قام بخطوة سياسية استباقية لتأمين تعاطي الرئيس الفرنسي الجديد بصورة إيجابية مع روسيا، خاصة وهو أبدى ميولا واضحة لتحسين العلاقات مع واشنطن، التي شهدت فترات من التوتر على أيام رئاسة شيراك.
الوضع السياسي بأبعاده الأمنية والجيوسياسية ظل حاضرا بصورة أو أخرى في تحديد سعر البرميل في الآونة الأخيرة بصورة لافتة للنظر. وأسهم هذا الوضع والإحساس بتنامي الطلب خلال هذه الفترة وتحول السوق إلى صالح المنتجين في إعطاء العامل النفطي بعده السياسي الآخر، وهو استخدامه ورقة ضغط لإعادة التفاوض على شروط عمل بعض الشركات الأجنبية في مشاريع نفطية أو غازية في الحد الأدنى، أو اللجوء إلى هذا العامل تفعيلا لخطط سياسية تحتاج إلى كل كرت يمكن تجييره في لعبة الأمم المستمرة بمختلف الصور.

الأكثر قراءة