تجارب إعلامية تبدأ من غرف الجلوس.. الهاتف الجوال.. وكمبيوتر المنزل!
لا علاقة لهم بالمتاعب القانونية التي يواجها الموقع، فمنذ أن بدأ موقع (YouTube.com) فكرته الجريئة المختصة بنشر "فيدو الهواة" أو "الفيديو المنزلي" وهو هدف لمتاعب قانونية لا تحصى، تستند في الغالب إلى حقوق الملكية. لكن الذين نتحدث عنهم هنا هم آخر من يشغله الهم القانوني في الموقع الذي يعتمدون عليه.
مع تنامي ظاهرة "الإعلام الشخصي" تحت شعارات براقة أخذت أشكالاً مثل التدوين واعتراف الصحافة الجادة بكبار المدونين واستكتابهم أحياناً، ابتكر السعوديون مفهومهم الخاص بالإعلام الشخصي، ونشروه بامتياز على يوتيوب.
فمع كلمات البحث الشائعة بالسعودية، يقترح عليك الموقع قائمة بمئات الملفات ذات التصنيف غير الدقيق، من مقاطع جوال مضحكة، مروراً بلقطات من حفلات فنية ومسلسلات، وقد تصادف مواداً جادة مثل لقطة من مؤتمر صحافي مصاحب للقمة العربية الأخيرة التي أقيمت في مدينة الرياض، يطرح في نهايته معد الفيديو الوهمي رأيه الخاص في المؤتمر، ويوجه سؤالاً للمؤتمرين. لكن سؤاله لا يجد إجابة، بطبيعة الحال.
غالبية المواد المنشورة تندرج تحت هذا الإطار الفوضوي والمتشعب. مواد جادة تستبدل فيها كلمة لتغدو مضحكة، ومواد عادية تنشر بصحبة تعليق ينتزعها من سياقها إلى سياق مختلف، ففي إحدى الصفحات يعرض فيويو يجتذب آلاف المشاهدات يقول معده إنه للاعب كرة قدم من نادي (هجر) السعودي توفي في أرضية الملعب، ورغم أن لقطة الفيديو الحديثة تبين لاعباً يتعرض لإصابة ملاعب عادية، إلا أن معد التقرير يطلب من مشاهديه أخذ العبرة والعظة.
في مشهد آخر يعرض أحد الهواة مشهداً لهدف يسجله اللاعب الشهير ياسر القحطاني، المشهد مصور بكاميرا الجوال، يعرض المشهد تالياً آراء مجموعة من الناس في الهدف وفي اللاعب. في نهاية المشهد نعرف أن الهدف لم يسجله ياسر القحطاني، وأن المشهد كان لمباراة في الدوري التركي، وأن تصويره غير الدقيق إضافه إلى تعليق معد المشهد العربي ذو اللهجة السعودية، جعله يبدو سعودياً خالصاً. غير أن الآراء الجاهزة التي عرضت في المشهد لم تكن لتختلف، هل هذا ما أراد معد المشهد قوله؟
إنها إحدى قيم الإعلام الجديد، الحقيقة التي لا يملكها أحد. فالمشاهد "السعودية" تشمل أكثر من ذلك بكثير، ودرجة انتشارها تراوح ما بين الصفر وآلاف المشاهادات. ينشرها أناس يستخدمون أسماء مستعارة مكتوبة بالعربية والعربية التي تستخدم الأحرف الإنجليزية التي ابتكرها مرتادوا الإنترنت. قد يصورون ما أمامهم ببساطة وقد يترصدون للحدث أو يختلقونه أحيانا.
ورغم كونهم هواة جداً، فلا يحاولون تنظيم أعمالهم أو إنشاء صفحات خاصة بهم مع أن (يوتيوب) يسمح بذلك، إلا أنهم يتكاثرون بسرعة خرافية. المشهد الواحد يولد فكرة عشرات المشاهد، والمشهد الواحد قد يضطر مستخدم آخر للرد عليه بمشهد جديد. يظهر ذلك جلياً في اقتراحات الموقع بعد مشاهدة أي فيديو، حيث يقترح عليك عادة ثلاث مشاهد متعلقة بالموضوع ذاته، هي مشاهد، بالنسبة إلى أعضاء هذا المجتمع، تدعو لتصوير مشهد جديد أكثر مما تدعو لمشاهدة ما هو موجود.
إنهم سعوديو مجتمع يوتيوب المليء بالحذر واللقطات، يصورون كل شيء: سياراتهم وحيواناتهم المعروضة للبيع ويخبرونك بالصوت بالسعر وبطريقة الاتصال، حفلات خاصة، طوابير المطارات، غرف الجلوس، أمسيات شعرية يقولون أنهم نادمون على حضورها لأنها "سخيفة"، أهداف ياسر القحطاني ومالك معاذ وليونيل ميسي، لقطات من مؤتمرات صحافية سياسية، لقطات من مسلسل (طاش ما طاش)، باختصار: كل شيء من الممكن أن يكون هدفاً للقطة جديدة.
ثورة الإعلام الشخصي التي يقودها هؤلاء ما زالت بعيدة عن الإعلام المتثاقل والمتشكك في وسائل كهذه، رغم أنهم يستغنون شيئاً فشيئاً عن الورق بما يملكونه من وسائط متعددة ومواقع إليكترونية جاهزة لإعطائهم مساحات مجانية جديدة. لا يزال الإعلام السعودي بعيداً عما يمكن أن تمثله هذه الظاهرة المتجددة من تأثير فيه، أو فائدة له، من يدري؟