بين التسويق والتمويل .. خلافات يمكن التوفيق بينها!
ثمة علاقة مشاكسة على نحو شهير بين التسويق والتمويل، حيث يتهم كل منهما الآخر بالإخفاق في فهم كيفية خلق القيمة. ويمكن أن يبدو ذلك التوتر وكأنه اختلال وظيفي، ولكن عند تسييره بالشكل الصحيح، يمكن أن يكون منتجاً فعلياً.
ينظر مديرو التسويق إلى خلق القيمة كنشاط موجه خارجياً، يركز على جانب الطلب: تلبية احتياجات ورغبات الزبائن. إن دور التسويق، وفقاً لهذا الحساب، هو تعظيم نسبة المزايا الواضحة التي تمنحها الشركة من خلال سلعها وخدماتها، والثمن الذي يدفعه الزبون. وبعبارة أخرى، التأكد من أن الزبائن يشعرون أنهم يحصلون على قيمة أموالهم.
وفي المقابل، يرى مديرو التمويل أن القيمة هي شيء مستنبط أساساً من جانب العرض. فبالنسبة لهم، يعتبر خلق القيمة نشاطاً موجهاً داخلياً، يركز على تقليص تكاليف الإنتاج والتسليم اللازمة لدعم مستوى معين من العائد. ويقتضي أن يتم إثبات العائد على الاستثمار فيما يتعلق بجميع التكاليف.
من الذي على حق؟ إن الجانبين هما على حق بالطبع، إذ يقتضي أداء العمل المتفوق التوصل إلى توازن مناسب بين قيمة الزبائن وهيكل التكاليف. والهدف ليس زيادة مزايا الزبون، ما يستلزم التخلي عن منتجك، ولا تقليل التكاليف بمعزل عن ذلك. إنما بدلاً من ذلك، فإن الهدف هو تعظيم العلاقة بين الجانبين.
إن لكل من التسويق والتمويل رؤى مهمة يقدمانها، لذا فإن الهدف هو السيطرة على التوتر بينهما، وليس القضاء عليه. يحتاج التمويل إلى أخذ إشارة من التسويق (والاقتصاد السلوكي)، والقبول بأن الأشخاص يقومون بالاختيار بناء على المنفعة، وليس فقط لاعتبارات مالية.
لقد صاغ بيتر دركر ذلك قبل عقود من الزمن عندما قال: "إن ما يشتريه الزبون ويعتبره ذا قيمة، ليس المنتج على الإطلاق. إنه المنفعة دائماً، أي ما يفعل المنتج أو الخدمة له. ورغم صعوبة تقييم ذلك بالنسبة للعديد من المديرين الماليين، فإن الأصول غير الملموسة، مثل: الصلة، المركز، الانتماء، والإشباع، يمكن أن تشكل دوافع قوية لقرارات الزبائن، ويمكن توقعها.
وينبغي على مديري التمويل تطوير نماذج تربط بشكل واضح بين الأصول غير الملموسة ذات الصلة بالتسويق (الأبعاد غير النقدية التي سوف يدفعها الزبائن)، مع التغييرات المربحة في سلوك الزبائن. ولدى الطلب من قسم التسويق أن يضع التأثير المتوقع لاستثماراته في الأصول غير الملموسة، على شكل مصطلحات ملموسة (على سبيل المثال بتقدير العدد المتوقع من الزبائن الجدد الذي سيتم الحصول عليه خلال إطار زمني معين)، يستطيع قسم التمويل تحليل ومناقشة نفقات التسويق في العلاقة مع معيار أداء معين، مع الاعتراف بأن تحويل سلوك الزبائن إلى شكل كمي، علم غير صحيح.
لا يعتبر ذلك تنازلاً من جانب المدير المالي؛ إنها وسيلة ذكية وفعالة للتعامل مع الاستثمارات التي تنطوي على احتمال وجود مبالغ كبيرة، ولكن غير مؤكدة ينبغي دفعها. ويكون التحليل المالي حاضراً لمساعدة المديرين لاتخاذ قرارات مطلعة عندما تكون الأمور غير مؤكدة.
وعلى مسار مماثل، ورغم تركيزهم على قيمة الزبائن، ينبغي على مديري التسويق تطوير تقدير لمصلحة التمويل: قيمة المساهمين. فمن النادر أن يدخل مديرو التسويق منظور ولغة التمويل عند نقل القيمة التي تقدمها أنشطتهم إلى المؤسسة، وغالباً ما يفشلون في الاعتراف بأن مقاييس القيمة التي يجدونها مهمة (أشياء مثل وعي الزبائن، وتفضيلهم، مساواة وولاء العلامة التجارية) لا تترجم بسهولة إلى أنواع التمويل.
وعلى الأرجح يكون بمقدور مديري التسويق وضع رقم محدد على مساواة العلامة (رغم أن بعضهم يحاول)، ولكنهم يستطيعون بشكل واعٍ، تأطير تأثير أنشطتهم من حيث الأهداف التي يشتركون فيها مع التمويل: توفير النمو العضوي، زيادة التدفق النقدي والأرباح، وتقليص مخاطر الإيرادات.
إن العلامات التجارية التي تحافظ على أفضلية في السعر تزيد من الربحية، والعلامات التجارية التي يثق فيها الزبائن يمكن امتدادها بسهولة أكثر، وتساعد النمو. في حين يقلل ولاء الزبائن من تقلبات الإيرادات، لأنهم لا يحرنون عن المنتج. وعندما يعبر التسويق عن أهدافه بهذه المصطلحات، فإنه يصعّد التوتر بين النظامين إلى جدل قيمّ حول تأثير التسويق على الأرباح والنمو والمخاطر.
ينبغي ألا يتصرف مديرو التسويق وكأنهم مختصون في التمويل، والعكس صحيح أيضاً. ولكن ينبغي على الجانبين التنسيق معاً، ومعرفة كيفية التواصل والتعاون معاً بشكل فعال. وإذا لم تستطع هاتان المجموعتان التكلم كل منهما بلغة الأخرى، فلن تكون أي منهما قادرة على تعظيم قيمتها للزبائن أو المساهمين أو المؤسسة.