رب ضارة نافعة
على الرغم من الآثار السلبية والخسائر التي نتجت عن الانخفاضات الحادة في سوق الأسهم السعودية منذ شباط (فبراير) 2006، وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى ذلك، فإن ما حدث كان لا بد أن يحدث. إلا أن تلك الأضرار جعلت الكثير من إدارات الشركات المساهمة تعيد حساباتها بطريقة أخرى وتبدأ في تكوين استراتيجيات جديدة. ويمكن لمس ذلك من خلال استعراض النتائج المالية المعلنة خلال الربعين الماضيين من عام 2007. بدءاً من قطاع البنوك الذي تأثرت أرباحه سلبياً بشكل كبير، ويتفاوت ذلك الأثر نسبة إلى مدى اعتماد كل بنك على إيرادات عمولات التداول التي وصلت في بعض البنوك إلى 75 في المائة من أرباحها التشغيلية، ما أدى إلى ارتفاع درجة المخاطرة على الرغم من تحقيقها إيرادات ضخمة خلال الفترة التي وصل فيها المؤشر العام إلى أعلى مستوياته. وفي المقابل في مرحلة الانخفاض الحاد وهبوط أحجام التداولات انخفضت أرباحها أيضاً بشكل كبير، السبب الذي أعادت فيه كثير من البنوك النظر في توزيع إيراداتها على نشاطات مختلفة لمواجهة مثل تلك الظروف، والتركيز على الأنشطة ذات المخاطر الأقل، وهذا ما تبين في نتائج الربع الثاني التي أظهرت تحسناً واضحاً في إيرادات الأنشطة الرئيسة الأخرى لها.
أما الفئة التي تضررت بشكل أكبر؛ فهي الشركات المساهمة التي اعتمدت بشكل أساسي على تنمية أرباحها من خلال إيرادات الاستثمار في الأسواق المالية وتهميش نشاطها الأساسي، ونتج عن ذلك تآكل رأسمال بعض الشركات حيث وصلت الخسائر المتراكمة لديها إلى أكثر من 90 في المائة من رأس المال، نتج عنه أن تم إيقاف تداول أسهمها في السوق. أما البعض الآخر فقد بدأت فعلاً في التركيز على أنشطتها الأساسية. وبين هذا وذاك بقيت فئة من الشركات المساهمة لم تتأثر بأحداث السوق، فقد اتبعت أبسط الأسس المنطقية في الإدارة الناجحة للشركات، من خلال اعتماد استراتيجيات واضحة هدفها تعظيم إيرادات أنشطتها الرئيسة.
مما سبق، فإن تغيير قناعات خاطئة لدى البعض، ورفع الوعي والفكر الاستثماري لا بد أن يحصل من خلال مثل تلك الأحداث، والأهم هو الاستفادة من هذه الأحداث التاريخية المهمة في السوق المالية. فالأسواق المالية على مستوى العالم تمر بدورات انخفاض وارتفاع وأحياناً بصورة مبالغ فيها. ما حصل أصبح من الماضي، وهنا يأتي دور المؤسسات المالية وشركات الوساطة بجانب الهيئات المنظمة للأسواق المالية في اتجاه رفع الوعي الاستثماري لدى المتعاملين، وتذكيرهم بشكل مستمر بأهم أساسيات الاستثمار، وتحذيرهم من أي مخاطر محتملة في السوق المالية بشكل عام أو شركات بعينها بشكل خاص. والسوق المالية السعودية كسوق مبتدئة وناشئة نسبة إلى غيرها من الأسواق العربية والعالمية, والمراحل التي تمر بها حالياً والأزمات تعمل بشكل تلقائي على إصلاح الهيكل الأساسي لها. وفي ظل اقتصاد متين وتحقيق الشركات أرباح جيدة وقياسية، ستتمكن السوق, بإذن الله, من تجاوز تلك المرحلة، وإتاحة الفرصة للمؤشر العام في بدء مرحلة صعود جديدة وفق أسس سليمة.