الديون الاستثمارية والإسكانية ربما تؤثر في نصاب الزكاة أو تمنعها
في الأسبوع الماضي تطرقنا للحديث حول زكاة الديون مرورا بأقسام الدّين ومنعه للزكاة من عدمه وكذلك كيفية زكاة الدّين، وفي هذه الحلقة نفرد الحديث لنوعين من الديون لا تخلو حياة الكثير من الناس من أحدهما, وهما الديون الاستثمارية طويلة ومتوسطة الأجل، والديون الإسكانية بغرض شراء منزل أو شقة أو أرض لإعمارها.
الدكتور عبد الله بن منصور الغفيلي عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء والمتخصص في قضايا الزكاة والمعاملات المعاصرة يفصل المسألة على النحو التالي:
يذكر بداية الدكتور عبد الله الغفيلي أن "كثيرا من الناس وأصحاب الأموال يلجأون إلى الاستدانة لآجال طويلة بغرض الاستثمار, وهو ما يعرف بالديون الاستثمارية, وهي ما تنشأ من عقد معاوضة بين الدائن والمدين، فيستفيد المدين من الأجل، ويستفيد الدائن من زيادة ثمن السلعة نتيجة الأجل، ومحل الحديث هو عن تأثير الدين الناشئ من هذه المعاوضة في نصاب المدين الزكوي،"وهو المقدار المحدد شرعا لوجوب الزكاة" وهل يحسم الدين من مال المدين؟ فيزكي ما بقي من ماله إن كان نصابا أو تسقط عنه الزكاة إن لم يبق في ماله ما تجب زكاته؟
ثم يجيب: "يمكن تقسيم هذه المسألة إلى أقسام: الأول: إذا كانت الديون لتمويل أصول ثابتة بقصد الاستثمار وزيادة الأرباح وكانت زائدة على الحاجات الأصلية للمدين, فإن هذه الديون تجعل في مقابل تلك الأصول, ولا تُنقص من الأموال التي في يده والغلة المستفادة لـه, ومثال ذلك: تاجرٌ يملك مبلغ مليون ريال, واشترى مصنعا بمليون ريال, على أن يسدد ثمنه في عشر سنوات مقسطاً, وغلة المصنع 100 ألف ريال سنوياً، فإذا حل قسط من الدين جعله في مقابل قيمة المصنع، ويزكي ما بيده من أموالٍ زكوية؛ لأن الديون عوض عن المصنع، ولأن لـه قيمة مالية يباع عليه عند إفلاسه، ويسدد منها ديونه، ويتبين بذلك أن هذه الديون لا تؤثر في نصاب ما في يد المدين من أموالٍ زكوية، إلا إذا لم تف قيمة الأصول الثابتة بسداد الديون الحالة". أما القسم الثاني كما يذكر الغفيلي فهو "ما إذا كانت الديون لتمويل أصول ثابتة ضرورية لا تزيد على حاجته الأصلية, فيُنقص الدين الحال وهو القسط السنوي من دخل المدين, ولا يُنقص الدين المؤجل كما تقدم تقريره في الحلقة السابقة, ومثال ذلك: من اشترى سيارة أجرة لنقل الركاب بمبلغ 50 ألف ريال على أن يسدد ثمنها مقسطاً في كل سنة عشرة آلاف، فيحتسب القسط الحال من مقابل الدين، ويزكي ما بقي من مال المدين إن بلغ نصاباً وإلا لم تجب فيه الزَّكَاة .
وبذلك يتبين أثر هذه الديون في نصاب ما في يد المدين من أموالٍ زكوية، وأنَّ الديون تُنقص من تلك الأموال، ثم ينظر ما بقي، فإن كان نصاباً زكي، وإلا فلا"
والقسم الثالث وهو "ما إذا كانت الديون لتمويل عمل تجاري كمن اقترض من البنك مبلغ مليون ريال لاستثمارها تجارياً، مع التزامه بسدادها خلال عشر سنوات مقسطة، في كل سنة مائة ألف ريال, فيُنقص القسط السنوي عندئذٍ من قيمة العروض والأموال التي في يده، ويزكي ما تبقى، أما المؤجل من الأقساط فلا ينُقص كما تقدم".
تأثير الديون الإسكانية في بلوغ النصاب
وأما المسألة الثانية وهي تأثير الديون الإسكانية في بلوغ النصاب فيرى الغفيلي أنها لا تختلف هذه المسألة كثيراً عن سابقتها, وإنما يأتي الحديث عنها لأهميتها وعموم البلوى بها, ولأنَّ كثيراً من الديون الإسكانية لتلبية الحاجة الضرورية المتمثلة في إيجاد مسكن للمستدين, مع وجود بعض تلك الديون لأغراض استثمارية، ولذا فإنَّ تأثير الديون الإسكانية المؤجلة في بلوغ النّصاب لا يخلو من أحوال:
أولاً: أن تكون الديون الإسكانية لبناء بيت يسكنه المستدين بلا إسراف, ويكون الدين مقسطاً, فيُنقص القسط السنوي من الأموال الزّكوية التي في يده، ويزكي ما بقي إن بلغ نصاباً, وبذلك يتبين أن لهذه الديون أثراً في النّصاب فقد يستغرق الدَّينُ الحالُّ النِّصابَ، أو ينقص المال الزكوي عن بلوغ النّصاب فتسقط الزَّكَاة عنه.
ويمكن تطبيق هذه الصورة على القروض الإسكانية الحكومية، حيث تعطي بعض الدول- كالمملكة العربية السعودية- قرضاً لمواطنيها بما يقارب 300 ألف ريال، ويكون سداده مقسطاً على 25 سنة تقريبا، ولو قيل بتأثير الدين المؤجل في مال المدين الزكوي لسقطت الزَّكَاة عن كثير من الناس، ولحق بالفقراء مشَقَّة وعَنَت.
ثانيا: أن تكون الديون الإسكانية المؤجَّلة؛ لبناء بيت يزيد على حاجته أو فيه إسراف وتبذير، فإنَّ هذا الدَّين يجعل في مقابل القسم الزائد على حاجته من العقار, فإن استغرق الدين ما زاد من العقار السكني, ولم يفضل الدين على العقار فإنه يزكي ما بيده من أموال زكوية ولا يتأثر نصابها بالدين, وإن فضل الدّين على العقار, فينقص القسط الحالَ في سنة الدّين من أمواله الزّكوية، ويزكي ما بقي إن بلغ ماله نصاباً.
ثالثا: أن تكون الديون الإسكانية المؤجلة لغرض استثماري، كأن يقترض مالاً لبناء وحدات سكنية لبيعها أو تأجيرها والاسترباح منها, فإنَّ الدَّين الإسكاني في هذه الحالة استثماري فينطبق عليه ما تقدم في القسم الثّالث من المسألة السابقة, فينقص قسط الدين الحال من قيمة الوحدات السكنية، ولا ينقص مما بيده من أموال زكوية إلا إذا استغرق الأصول الثابتة (الوحدات السكنية )، أما الأقساط المؤجلة من الدين فلا تؤثر في نصاب المال الزكوي لما تقدم ترجيحه.
وبنحو ذلك كما يقول الغفيلي: "صدرت فتوى الندوة الأولى لقضايا الزَّكَاة المـعاصرة، ونــص المقصود منها: (الديون الإسكانية وما شابهها من الديون التي تمول أصلاً ثابتاً لا يخضع للزكاة ويسدد على أقساط طويلة الأجل يسقط من وعاء الزَّكَاة ما يقابل القسط السنوي المطلوب دفعه فقط إذا لم تكن له أموال أخرى يسدده منها)".