منظمة التجارة العالمية بين يديك الحلقة (62)
الأنظمة واللوائح التنفيذية
من أهم متطلبات العضوية Accession Requirements، في منظمة التجارة العالمية قيام الدول المستجدة بتطبيق مبدأ الالتزام الشامل الموحد Single Undertaking، الذي يتمثل في ضرورة التزامها، كما التزمت جميع الدول الأعضاء في المنظمة، بتطبيق اتفاقات المنظمة الأساسية ضمن صفقة موحدة ابتداء من تاريخ انضمامها للمنظمة (الإطار رقم 4 - 9). وهذا يعني أنه لا يحق للدول المستجدة اختيار ما يناسبها من الاتفاقات المبرمة بين الدول الأعضاء ورفض ما لا يناسبها، لذا أيقنت جميع دول العالم، ومنذ إنشاء المنظمة في أول كانون الثاني (يناير) 1995م، أن انضمامها المبكر إلى منظمة يؤهلها للمساهمة الفاعلة في صياغة الاتفاقات، التي يزداد عددها من عام لآخر. بينما تضطر الدول الأخرى، لدى انضمامها في وقت متأخر، إلى الأخذ بكل ما يصاغ من اتفاقات أثناء غيابها عن مجريات الأحداث.
وتنفيذاً لهذه المتطلبات تلجأ الدول المستجدة، من خلال سعيها الحثيث بكامل طاقاتها وقدراتها، إلى إعداد وإصدار وترجمة الأنظمة المحلية ولوائحها التنفيذية بشكل يتفق تماماً ويتطابق مع ما صدر عن المنظمة من اتفاقات أساسية. ويتم التفاوض بين مجموعة من الدول الأعضاء، التي أسهمت في صياغة هذه الاتفاقات، والدولة الساعية إلى الانضمام للتأكد من أن أنظمة هذه الدولة المستجدة تتماشى مع اتفاقيات المنظمة ولا تتعارض معها، ولتحقيق الهدف الأساسي من هذا التوافق والتطابق تلتزم جميع الدول الأعضاء في المنظمة بتوفير الغطاء القانوني الموحد لأنظمتها المحلية ليسهل الاحتكام إليها والتقاضي بين هذه الدول في هيئة المنازعات التجارية التي تتميز بها منظمة التجارة العالمية عن غيرها من المنظمات الدولية.
تمر مرحلة إعداد الأنظمة بالتزامن مع جولات المفاوضات التي تخوضها الدولة المستجدة ومن خلال سعيها الدؤوب الرامي إلى الانضمام إلى المنظمة بأسرع وقت ممكن، كما تأتي هذه الأنظمة مكملة للمراحل الأخرى وتحقيقاً للمتطلبات الأساسية التالية:
1 ـ تخضع متطلبات الوفاء بالتزامات الدولة المستجدة، لدى انضمامها إلى المنظمة، إلى ضرورة إقناع الدول الأعضاء بأن الأنظمة الجديدة ولوائحها التنفيذية الصادرة عن هذه الدولة قابلة للإنفاذ Enforcable، ضمن مبادئ الشفافية Transparency، والاستشراف Predictability، والقدرة على التقاضي Due Process، إضافة إلى أنها متفقة ومتطابقة مع اتفاقات المنظمة.
2 ـ نزولاً عند رغبة الدول الأعضاء، تقوم الدولة المستجدة بتزويدهم بخطة العمل Action Plan، التي سيتم اتخاذها لإعداد هذه الأنظمة ولوائحها التنفيذية ابتداءً من صياغة مشاريعها ومروراً بعرضها على المختصين ومناقشتها واعتمادها وإصدارها وترجمتها إلى إحدى لغات المنظمة المعتمدة، تمهيداً لتوزيعها على وفود الدول الأعضاء في المنظمة، من خلال إدارة الانضمام، للتأكد من تطابقها مع اتفاقيات المنظمة.
3 ـ لتحقيق نجاح هذه المفاوضات الخاصة بالأنظمة الجديدة أو تعديل الأنظمة القائمة، تقوم الدولة المستجدة بتنفيذ خطة العمل المتفق عليها طبقاً للأسس الإجرائية التالية:
أ ـ مراجعة كامل الأنظمة القائمة ذات الصلة بالأنظمة الجديدة وتدقيقها بغرض إجراء التعديلات اللازمة على موادها ولوائحها التنفيذية.
ب ـ تدريب المختصـين في الجهات الحكومية المعنية بتطبيق الأنظمة الجديدة أو المعدلة، وتزويدهم بالمعدات والأجهزة المتقدمة وربط مكاتبهم بشبكة من تقنية المعلومات الحديثة.
ج ـ تحديد جهات التقاضي Litigation والتظلم Appeal، وتزويدها باتفاقيات المنظمة الأساسية لدراستها والتأكد من مدى تطابق مشاريع الأنظمة المحلية معها.
د ـ إنشاء مركز الاستفسار Enquiry Point، الخاص بتوفير البيانات المطلوبة لقطاع الأعمال والإجابة على استفساراتهم وتوضيح نصوص المواد القانونية تطبيقاً لمبدأ الشفافية والاستشراف حتى لا يفاجأ هذا القطاع بصدور الأنظمة الجديدة دون سابق إنذار.
4 ـ تقوم الدولة المستجدة، نزولاً عند رغبة بعض الدول الأعضاء، بتزويد هذه الدول بالأنظمة التجارية والاستثمارية والمالية الأخرى القائمة حالياً قبل الانضمام إلى المنظمة للتأكد من أنها لا تتعارض مع مبادئ المنظمة، والتي من أهمها مبدأ المعاملـة الوطنية وعدم التمييـز بين المنتجات المحلية ومثيلاتها الأجنبية، كما قد تطالب هذه الدول بالحصول على الأنظمة الناتجة عن إنشاء الهيئات الجديدة والمؤسسات الحكومية، مما يتوجب على الدولة المستجدة إعادة النظر في معظم أنظمتها التجارية والاستثمارية والمالية والقضائية وتعديل ما يحتاج إلى بعض التعديلات على موادها ونصوصها القانونية لتصبح متسقة مع اتفاقيات المنظمة الأساسية.
وقد تأخذ المفاوضات الخاصة بانضمام الدولة المستجدة للمنظمة منحنى خطراً إذا تأخر صدور أنظمتها الجديدة ولوائحها التنفيذية عن المواعيد المتفق عليها، خاصة إذا خرجت مشاريع هذه الأنظمة عن المسار الزمني المحدد في خطة العمل التي تم توزيعها على الدول الأعضاء في المنظمة. وقد يؤدي ذلك إلى فقدان الثقة بين الأطراف المتفاوضة وتدني مصداقية الدولة المستجدة لأنها قدمت خطة عمل متفائلة بشكل كبير وغير قابلة للتنفيذ، ما يخوِّل بعض الدول الأعضاء لاتخاذ عدة خطوات حاسمة، تفوق في مستواها متطلبات الانضمام المتعارف عليها، ومنها:
1 ـ مطالبة الدولة المستجدة بتقديم مشاريع الأنظمة قبل إصدارها للتأكد من مدى مطابقتها لاتفاقيات المنظمة الأساسية. وهذا المطلب يمس بشكل مباشر بسيادة الدولة على أنظمتها المحلية.
2 ـ تأخر المفاوضات وإرجائها إلى أن تقوم الدولة المستجدة بإصدار الأنظمة واللوائح التنفيذية وترجمتها وتوزيعها على الدول تمهيداً للتفاوض بشأنها، وقد يؤدي التأخر في إصدار الأنظمة الجديدة إلى تعثر المفاوضات الثنائية ومتعددة الأطراف لعـدم توافر القناعة الكافية لدى الدول الأعضاء حيال تعهد الدولة المستجدة بتنفيذ التزاماتها القانونية الأساسية، وسيشجع هذا التأخير تفاقم طلـبات الدول، أو عدول العديد منها عما تم الاتفاق عليه مسبقاً من خلال المفاوضات، بحجة أن الأنظمة الجديدة اللازمة لتأمين الغطاء القانوني لشركاتها وتوثيق هذه الاتفاقات نظامياً غير متوافرة في أسواق الدولة المستجدة.
3 ـ مطالبة الدولة المستجدة بتطبيق مبدأ الحقوق المكتسبة Acquired Rights، على الشركات الأجنبية العاملة في أسواق هذه الدولة لحين إصدار الأنظمة الجديدة، وهذا المبدأ لا يتماشى مع اتفاقيات المنظمة، بل يتعارض مع مبادئها الأساسية لكونه يلزم الدولة المستجدة بالاستمرار في تطبيق الأنظمة القديمة لمدد تراوح بين ثلاث وخمس سنوات، إلى أن تتأقلم هذه الشركات مع الأنظمة الجديدة التي تأخر صدورها.
وفي نهاية المطاف، عند اكتمال الأنظمة الجديدة ولوائحها التنفيذية، تقوم الدولة المستجدة بتوزيعها على الدول الأعضاء لدراستها وإبداء ملاحظاتهم عليها والتفاوض بشأنها، ولدى اعتمادها من جميع هذه الدول، يتم إدراج جميع الأنظمة في وثيقة متكاملة، تعرف بالوثيقة الثالثة، وتضاف إلى وثيقتي حصيلة المفاوضات الثنائية ومتعددة الأطراف.
الجدير بالذكر أنه أثناء المناقشات الجارية في المجلس العمومي للمنظمة حول مسيرة ومراحل الانضمام، أثارت عدد من الدول الأعضاء النقاط التالية:
1 ـ إن مسيرة الانضمام غالباً ما تعد عملية طويلة وتتطلب من الوقت أكثر مما ينبغي، لأن مرحلة جمع المعلومات تأخذ مساراً مطولاً بلا مبرر، وتتسم غالباً بالفضولية والأنماط التكرارية وتقع تبعاتها على كاهل الدول الراغبة في الانضمام، الأمر الذي يستدعي تحديدها وتبسيطها.
2 ـ إن التأخير في انضمام الدول لا يعني أن النظام التجاري العالمي عديم الفاعلية، فخطى كل عملية فردية للانضمام تعتمد وبشكل طاغ على مدى رغبة الدولة المستجدة في توجيه طاقتها نحو الوفاء بمتطلبات هذا النظام.
3 ـ إنه يجب التوصل إلى اتفاق عام بين الدول الأعضاء على ضرورة قيام المنظمة باستكشاف سبل ووسائل تسريع عمليات الانضمام الراهنة، بحيث لا تبقى أصحاب تنتظر الدول المتبقية خارجها أطول مما ينبغي مع ضرورة التأكيد على أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة النظام التجاري العالمي.
4 ـ إن على الدول حديثة الانضمام التقيد أثناء مراحل انضمامها بتجميد Standstill، زيادات التعرفات الجمركية والتدابير المخالفة لأحكام المنظمة على ألا تتم مطالبتها بالتزامات أشد من التزامات الأعضاء الحاليين في المنظمة.
5 ـ ضرورة تلبية المطالب المشروعة الخاصة بالمعاملة الخاصة والتفضيلية للدول النامية، خاصة فيما يتعلق بالفترات الانتقالية علماً أنه ليس ثمة حكم ينص على المنح التلقائي للفترات الانتقالية التي كانت الدول المستجدة على علم باستحقاقات عضوية المنظمة منذ تاريخ تأسيسها.
6 ـ إنه لا ينبغي على الدول الأعضاء في المنظمة اشتراط العضوية في الاتفاقات الاختيارية Plurilateral، مسبقاً لاستحقاق عضوية الدولة المستجدة في منظمة التجارة العالمية.