نادي المديرين المجهولين وعلاقتهم بالمستثمرين والعملاء
ذات مساء مبكر في أحد فنادق ميونيخ الفاخرة، تجمع مجموعة من الرجال في بزات رسمية وربطات عنق يتحلقون وقوفا حول مائدة منتصبة في إحدى ردهات الفندق. إنهم أعضاء مجالس إدارات ومستشارون لشركات مدرجة الأسهم في البورصات، وقد وصلوا لتوهم من مختلف المناطق، وهم الآن يتجاذبون أطراف حديث عابر حول مغامرة السفر عن طريق الجو.
يبدو أن كل شيء على ما يرام، غير أن ثمة أسئلة تثار دون أن تلقى إجابة. ومثال ذلك سؤال يطرحه أحد أصحاب العمل: هل ترون هنا أسماء للشركات مكتوبة على اللوحات التي نقشت عليها أسماؤهم الخاصة؟ فلا يجد إجابة سوى ضحكات صادرة من القلب، إذ لا أحد هنا والآن يرغب في الكشف عن هويته.
لقد لوحظ أن الشارات الصغيرة المثبتة على صدور الضيوف الذين يبلغ عددهم نحو الثلاثين لا تحمل سوى أسمائهم الخاصة إلى جانب رسم لجندب، وعلى خلفية حمراء اللون ثمة ما ينبئ عن سبب مجيئهم لهذه الأمسية، حيث إن صناديق التحوط قد باشرت هجومها.
والخلاصة إن أحد المحامين المتخصصين في القانون التجاري قد وجه دعوات تحت هذا العنوان لمحاضرة هذا المساء. وكان من المفروض في هؤلاء المديرين أن يعرفوا كيف يتصرفون في حالة ما إذا أصبحت شركاتهم هدفا لعملية استحواذ عدائية من قبل أحد المستثمرين.
وبطبيعة الحال فإن المحامي المذكور يأمل كسب بعض العملاء من وراء محاضرته تلك، وكان من المفروض أيضا أن تكون شركتان من شركات ميونيخ المشمولة بمؤشر "داكس" قد أوفدتا مندوبين عنهما. وفي هذا السياق تقول سيدة من العاملين في مكتب المحاضر موضحة، وهي تبتسم: شركة سيمنز، أو ربما شركة أللاينس؟ وفي الوقت نفسه يعتقد أحد الضيوف أن قائمة المشاركين هنا تتمناها صناديق التحوط.
ومن الجدير بالذكر أن الشركات التي تشارك في مثل هذه اللقاءات التبصيرية تكون عادة من الشركات المستهدفة لعمليات استحواذ عدائية. وهي إضافة إلى ذلك عرضة للأذى مثلها في ذلك مثل ذلك الرجل الذي تحدث بشكل موجز في قاعة المحاضرات. إنه ميخائيل فيفرز، عضو مجلس إدارة شركة تظهير الصور الفوتوغرافية "سيوه كولر"، الذي استطاع خلال السنتين الماضيتين أن يجمع من الخبرات مع صناديق التحوط أكثر مما أراد.
إن "المعلم الأوروبي الأول في معالجة الصور"، كما تنص دعاية شركة سيوه، قد نجح، ولو مؤقتا، في صد هجمات عدة صناديق تحوط أثناء اجتماع الهيئة العامة لشركته في نيسان (أبريل) الماضي، إذ دعا المستثمر الأمريكي جاي فايسر برات، المعروف بأساليبه الملتوية، وآخرون، بصفتهم من كبار حملة الأسهم، إلى إقالة جميع أعضاء مجلس الإدارة، ولكن دون جدوى، حيث إن "سيوه" كانت قد تنبهت مسبقا لما ينتظرها في اجتماع الهيئة العامة، خصوصا أن فايسر برات سبق أن نجح في شركة "أوكا " لصناعة الآلات في تجريد رئيس وأعضاء مجلس الرقابة من مناصبهم، وبالتالي في إخضاع هذه الشركة، التي تتخذ من مدينة كارلزروه مقرا لأنشطتها، لإرادته.
وبينما كان فيفرز رئيس مجلس إدارة شركة سيوه يقول "إنهم معنيون فقط بسحب أكبر كمية من الأموال وبأسرع ما يمكن من الشركة"، كان مستمعوه في القاعة الباذخة منصتين ووجوههم واجمة. لقد كان مجلس الإدارة يخطط لتوزيع تسعة ملايين يورو بينما كانت صناديق التحوط تطالب بنحو 150 مليون يورو، وقد كانت الأجواء منذ الخريف الماضي أجواء حرب، وكان اجتماع الهيئة العامة هو المعركة الحاسمة.
لقد أعدت شركة سيوه العدة لاجتماع المساهمين على أكمل وجه، وساعدها على ذلك محامون من ذوي الاختصاص ووكالة متخصصة في ترتيب اجتماعات الهيئات العامة للشركات، وقد ألقى هؤلاء كلماتهم في ميونيخ عقب انتهاء فيفرز من إلقاء كلمته. وأثناء التحضيرات للاجتماع كان كل شيء قد أعد لمواجهة الاحتمالات كافة، فمثلا: ماذا يحدث عندما يجري إخلاء القاعة بسبب إنذار باشتعال حريق في المبنى؟ وقد نبه أحد المستشارين مسبقا إلى أن إشعال ولاعة سجائر تحت جهاز الإنذار سيكون كافيا لفض الاجتماع. كان أعضاء مجلس الإدارة قد أعدوا أنفسهم للمناقشات الحامية الوطيس مع حملة الأسهم. ويقول فيفرز في هذا السياق: "لا داعي للضحك، فقد أجرينا أيضا تدريبا ذهنيا لأنفسنا"، ولم يضحك أحد من المستمعين. ويمضي فيفرز قائلا وهو يحاول أن يبدو في غاية الجدية والتركيز: "لقد تدربنا على تحمل الشتائم التي ستوجه إلينا".
ومع كل ذلك يبدو أن أعضاء مجلس إدارة شركة سيوه سيحتاجون قريبا جدا إلى برودة الأعصاب. صحيح أنهم كسبوا جولات الاقتراع الحاسمة في اجتماع الهيئة العامة، ولكن هنالك قضايا قد رفعت للطعن في قرارات الهيئة العامة، وقد تتبعها هجمات أخرى من قبل المساهمين المتمردين، إذ يقول أحد المحامين محذرا: "لا بد أن يعقب هذا الاجتماع اجتماع آخر للهيئة العامة".
بعد ساعتين من هذا التجمع تدفق المستمعون عبر قاعة الفندق إلى شوارع ميونيخ، بينما عبر آخرون، وهم يحتسون كؤوس المشروبات الشهية الساخنة، عن انطباعاتهم في ردهة الفندق. ففي هذا المساء، على الأقل، نجا الجميع من "هجوم صناديق التحوط".