زيادة الطلب العالمي على المشتقات النفطية ستثري صناعة التكرير السعودية
زيادة الطلب العالمي على المشتقات النفطية ستثري صناعة التكرير السعودية
تعتبر صناعة التكرير في منطقة الشرق الأوسط أقل تطوراً نوعاً ما مقارنة بمثيلاتها في الولايات المتحدة واليابان ودول أوروبا الغربية. ويقيم تقدم هذه الصناعة بمدى قدرتها على مواكبة التقدم الإنساني، ومدى استجابتها لزيادة وعي ومتطلبات الأمم، وذلك بإنتاج مواد صديقة للبيئة وذات جدوى اقتصادية عالية تسهم في تطور ورفاهية الشعوب.
وعليه، فإن المصافي الحديثة تركز وتجتهد بإنتاج المشتقات الخفيفة كثافة والثمينة سعراً، وتحاول قدر المستطاع أن تخفف وتبتعد عن إنتاج المشتقات الثقيلة المليئة بالكربون والملوثات الأخرى. فمثلاً تشكل نسبة زيت الوقود من إجمالي إنتاج المصافي الأمريكية حالياً نحو 3 في المائة فقط، وهذا يعني أن معظم النفط الخام قد تم تكريره وتحويله إلى منتجات أثمن وأغلى من زيت الوقود، مثل النافثا والجازولين.
أما مصافي الشرق الأوسط، وبحسب مصادر منظمة الأوبك، فإن إنتاجها من زيت الوقود قد وصل إلى 25 في المائة من إجمالي منتجاتها من المشتقات التكريرية عام 2005، أي أن أداءها أقل بكثير من أداء المصافي الأمريكية. ومن جهة أخرى فإن المصافي الأمريكية بصدد إنتاج وقود لوسائل النقل (جازولين وديزل) محتوياً على كميات قليلة جداً من الكبريت تتراوح بين 10 و20 جزءا في المليون. لا شك أن المصافي في الشرق الأوسط لم تصل بعد إلى هذا التطور والقدرة على إنتاج الوقود الخالي من الكبريت.
تعد المملكة أهم دول الشرق الأوسط ودول العالم بالنسبة لإنتاج النفط وصناعته، فقد أنتجت عام 2005م نحو تسعة ملايين برميل يوميا، وبذلك تصبح المملكة أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، ودون وجود أي منافس حقيقي لمكانة المملكة كمصدر أول ورئيس للطاقة في العالم.
يختلف النفط السعودي بحسب مواقع الإنتاج، فهناك الخفيف جداً المحتوي على كثافة خفيفة وكميات قليلة جداً من الكبريت، وهناك الثقيل حيث الكثافة العالية وكميات أعلى من الكبريت (جدول 1). وتختلف أسعار النفط وفقاً لمواصفاته، وكلما قلت كثافة النفط وقلت كميات الكبريت زاد سعر البرميل، وعليه فإن أسعار النفط السعودي مرتبة كما هي في الجدول، بحيث يكون نوع الخفيف السوبر صاحب أعلى سعر، ويليه الخفيف إكسترا إلى الوصول إلى الخام الثقيل، حيث يملك الكثافة الأعلى وكميات أعلى من الكبريت وسعر أقل.
ويجب الانتباه إلى أنه كلما قلت نسبة الكبريت وقلت كثافة الخام أصبح تكريره أكثر سهولة، وأصبحت المشتقات الناتجة عن عمليات التكرير أكثر قيمة اقتصادية، ومنها إنتاج كميات كثيرة من غاز البترول المسال والنافثا والديزل والكيروسين، وفي المقابل تنتج كميات قليلة من المواد الزهيدة كزيت الوقود. وأما تكرير الخام الثقيل فمتعب نوعاً ما، لأنه يحتاج إلى الكثير من المال والجهد لنزع كميات كبيرة من الكبريت، ولتحويل المركبات الثقيلة الناتجة عن تكريره إلى منتجات ثمينة مثل النافثا والجازولين والديزل.
تمر المملكة حالياً بنهضة حقيقية في كل الصناعات البترولية والبتروكيماوية، ففي البتروكيماويات تمضي المملكة قدماً بخطى ثابتة لاحتلال مراكز عالمية تليق بمكانتها النفطية. وأما في صناعة التكرير فتم الإعلان عن الموافقة على إنشاء ثلاث مصافي في الجبيل، ينبع، وجازان، بطاقة تقارب 1.2 مليون برميل يوميا، وبذلك ستصبح قدرة المصافي الموجودة في المملكة نحو 3.3 مليون برميل يومياً. طبعاً هذه القدرة التكريرية تشمل حصة الشركاء الأجانب، وهم: "إكسون موبيل"، "توتال"، و"كونكو فيليبس".
المؤمل أن تنتج هذه المصافي الكثير من المشتقات النفطية ذات الطلب العالمي العالي، مع ملاحظة أن العالم يتجه بقوة لاستعمال المشتقات النفطية، وخاصة النافثا وغاز البترول المسال كالقيم للصناعات البتروكيماوية.
يبدو أن ضعف الطاقة التكريرية في العالم وزيادة الطلب العالمي على المشتقات قد بدأت تظهر أعراضه على أسعار هذه المشتقات. يعرض جدول (2) نبذة عن الفرق ما بين سعر البرميل الخام وسعر برميل المشتق المذكور في الجدول في فترات زمنية متفاوتة. ويبدو واضحاً أن الفرق في السعر يتجه لمصلحة المشتقات مع مرور السنين. فمثلاً كان الفرق في سعر برميل الجازولين وسعر برميل الخام عام 1996م يتأرجح بين 3 و10 دولارات بحسب الموسم (في الصيف يرتفع سعر الجازولين لأنه موسم السفر والإجازات) ولكن هذا الفارق السعري قد تعدى 20 دولارا عام 2006م الماضي، وأعتقد جازماً أن هذا الفارق سيستمر في التصاعد مع إحجام الدول الصناعية الكبرى، مثل الولايات المتحدة، اليابان، ودول أوروبا الغربية، على إنشاء وبناء مصاف جديدة بداعي الخوف على البيئة. وعليه قد تصبح دول الخليج محطة تزويد العالم بالنفط ومشتقاته المختلفة في المستقبل القريب.
ويجب أن ندرك حقيقة أن من لا يتقدم يتقادم، وعليه وبحسب جدول (1) فإن نحو 80 في المائة من النفط السعودي المنتج عام 2005م يحتوي على ما بين 2 و2.75 في المائة كبريت، وهذه نسب ليست بالقليلة.
يجب التفكير الجاد والاستثمار السخي في تطوير مصافينا الحالية، بحيث تكون قادرة على مواكبة المتطلبات العالمية بكل ما يتعلق بالأمور البيئية، والاستجابة لمتطلبات الأسواق من المشتقات المختلفة. وعلينا الاستعداد ليوم قد تلجأ المملكة إلى تصدير الخام ومشتقاته، فعوضاً عن تصدير سبعة أو ثمانية ملايين برميل يومياً قد يقل تصدير الخام، ويقابله زيادة في تصدير المشتقات، وعندئذٍ يجب البحث عن السعر العادل لهذه المشتقات التي ستكون بمثابة الدم الذي يجري في شرايين العالم.