فقيه أمريكي يحذر زملاءه في الخليج ويحضهم على مقاومة "الصندوق الأسود"
ليس من السهل المشاركة في الاقتصاد الحديث دون التعرض لمخالفة الشريعة. ولكنه أمر ممكن. وتستطيع مقابل رسم معين استخدام مستشار يقوم بترتيب التعاملات المالية التي لا تخالف شرع الله. ربما تكون هناك خطوات إضافية أو أعمال مكتبية ومستندات إضافية، ولكن يكون الناتج أحياناً هو ما تحصل عليه دون الالتزام بالأحكام الشرعية.
نحن نتحدث هنا عن مبالغ هائلة في المجال الإسلامي، إذ تقدر وكالة موديز أن هناك مبالغ تقدر في حدود 800 مليار دولار متوافرة للاستثمار في موجودات ملتزمة بأحكام الشريعة.
الشيخ يوسف طلال ديلورنزو،الذي يعمل في مبنى فخم لشركة Toll Brothers في إحدى ضواحي واشنطن. وهو يقول إنه من "المدافعين عن المستهلكين" فيما يتعلق بشراء المسلمين المنتجات الاستثمارية. وهو يحذر زملاءه في الخليج ويحضهم على مقاومة "الصندوق الأسود، الذي يقصد به "إحاطة استثمار في الموجودات لا يلتزم بأحكام الشريعة وإلباسه ثوب تمويل مهيكل ملتزم بأحكام الشريعة". والواقع أنه يرتاب بصورة عميقة في صكوك صناديق التحوط، التي أصدرها بنك دبي الإسلامي.
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
كيف يستطيع المسلم الذي يخاف الله أن يمول بئراً للغاز؟ الجواب هو من خلال عمليات معينة من قبيل بيع أحد الموجودات لجهة معينة ثم استئجار هذه الموجودات من المشتري.
إذا كنت مسلماً تقياً فليس بإمكانك الاستثمار في شركة تتعامل في إنتاج الخمور أو لحم الخنزير. كما أن القرآن الكريم يحرم الربا، وبالتالي فإن القرض التقليدي للإسكان أمر محرم. وبالمثل فإنه لا يجوز شرعاً التعامل في موجودات للأعمال يتم تمويلها بالدين. وليس بإمكانك استخدام المشتقات أو الاستثمار في صناديق التحوط التقليدية.
ليس من السهل المشاركة في الاقتصاد الحديث دون التعرض لمخالفة الشريعة. ولكنه أمر ممكن. وتستطيع مقابل رسم معين استخدام مستشار يقوم بترتيب التعاملات المالية التي لا تخالف شرع الله. ربما تكون هناك خطوات إضافية أو أعمال مكتبية ومستندات إضافية، ولكن يكون الناتج أحياناً هو ما تحصل عليه دون الالتزام بالأحكام الشرعية.
800 مليار دولار.. كيف تنجو من الربا؟
نحن نتحدث هنا عن مبالغ هائلة في المجال الإسلامي. إذ تقدر وكالة موديز أن هناك مبالغ تقدر بحدود 800 مليار دولار متوافرة للاستثمار في موجودات ملتزمة بأحكام الشريعة.
فكيف يمكن وضع هذا القدر الهائل من الأموال دون التعامل المحرم بالربا، ونحن نعلم أن الربا في كل مكان تقريباً؟ قليل من الابتكار يمكن أن يكون مفيداً في هذا المقام. أولاً إن جميع صناديق التحوط تقريباً لا تصلح للتعامل معها نظراً لأسلوب هذه الصناديق الذي يسمح بأي شيء وكل شيء. ولذلك فإن المسلم لا يتعامل مع صندوق التحوط ولكنه يشتري "صكاً مهيكلاً"، يرتبط عائده بمؤشر لصناديق التحوط. وفي حزيران (يونيو) الماضي أُطلِق صك على هذا النحو بالضبط من قبل بنك دبي الإسلامي ودويتشه. وقال نافيد أحمد، رئيس قسم الاستثمارات في بنك دبي الإسلامي، عند إطلاق المنتج: "هذه الصكوك تعكس أداء المؤشر، وبالتالي فإن مال العميل لا يذهب أبداً إلى صندوق التحوط نفسه".
إغراءات الصندوق الأسود
هذه المؤسسات المالية الضخمة تعتمد إلى حد كبير على عدد من مشاهير الفقهاء الذين هم كالنجوم ويبلغ عددهم نحواً من 20 فقيهاً، حتى تشهد لها أن منتجاتها المالية تتفق مع الأحكام الشرعية للقرآن والسنة النبوية. وهؤلاء الفقهاء النخبة يمكن أن يكون الواحد منهم عضواً في مجالس شرعية يتراوح عددها من 40 إلى 50 مجلساً شرعياً، ويتقاضى سنوياً في المتوسط ما بين 20 ألفا إلى 30 ألف دولار على عضويته في كل مجلس.
ومن هؤلاء الفقهاء الكبار هناك الشيخ يوسف طلال ديلورنزو، البالغ من العمر 59 عاماً، وهو يعمل في مبنى فخم لشركة Toll Brothers في إحدى ضواحي واشنطن. وهو يقول إنه من "المدافعين عن المستهلكين" فيما يتعلق بشراء المسلمين للمنتجات الاستثمارية. وهو يحذر زملاءه في الخليج ويحضهم على مقاومة "الصندوق الأسود، الذي يقصد به "إحاطة استثمار في الموجودات لا يلتزم بأحكام الشريعة وإلباسه ثوب تمويل مهيكل ملتزم بأحكام الشريعة". والواقع أنه يرتاب بصورة عميقة في صكوك صناديق التحوط التي أصدرها بنك دبي الإسلامي. ولديه منصة خاصة للتعامل مع صناديق التحوط
ويصفها بأنها ملتزمة تماماً بالأحكام الشرعية. ولكن الفقيه المميز لدى بنك دبي الإسلامي حسين حامد حسن اعتبر أن الصك مقبول من الناحية الشرعية.
وعلى حد تعبير إريك ماير، وهو أحد تنفيذيي صناديق التحوط في ولاية كانيتكات الأمريكية ومؤسس شركته الخاصة "شريعة كابيتال"، فإن المؤسسات المالية الغربية جميعها تواقة للتخفيف من "احتقان السيولة" الذي يعاني منه الخليج.
العملاء السذج
ويدعي محمود أمين الجمل، أستاذ كرسي التمويل الإسلامي في جامعة رايس في هيوستن، "أن صناعة التمويل الإسلامي تبيع منتجات بأسعار فوق الحد إلى الأشخاص المتدينين السذج". ويتابع: "يستطيع المستثمرون المتمرسون والأشخاص المتدينون الأتقياء أن يكتشفوا ما بداخل هذه المنتجات ولا تنطلي عليهم. وبالتالي فإن ما يبقى بعد ذلك هو الأشخاص الذين يمكن خداعهم والذين لا يفهمون فعلاً طبيعة الصك المهيكل. فهل يرضيك أن تدفع 500 دولار لشركات المحاماة الكبيرة وكبار علماء الدين؟ أعتقد أن هذا أمر في غير محله. فالمسلمون في أنحاء العالم هم أصحاب أعلى نسبة في الأمية والوفيات. والأفضل أن تأخذ هذه الأموال وتعطيها للفقراء والمحتاجين".
ولكن الشيخ يوسف طلال لا يوافق على هذا الكلام. ويقول: "معظم التمويل الإسلامي يتم ترتيبه للمؤسسات والمستثمرين من أصحاب الثروات الكبيرة، وجميعهم يمثلون أكثر المستثمرين دراية بالاستثمار".
فكيف تستطيع إضفاء الصفة الشرعية على قرض إسكان تقليدي أو على شراء إحدى الشركات بالتمويل التقليدي؟ يقول الشيخ يوسف: "الفرق الفلسفي الأساسي بين التمويل الإسلامي والتمويل التقليدي هو أنه يجب اقتسام المخاطر، وأنه يجب أن يكون للأطراف المتعاقدة حصة فعلية في العمل أو الشركة." وعليه فإن البنك الذي يمول قرض الإسكان لمساعدتك في شراء مسكن لا يقوم بالضبط بإقراضك مبلغاً من المال. وإنما تقوم أنت والبنك بشراء المسكن معاً.
يقول ديفد لاوندي، نائب رئيس بنك ديفون: "نفرض رسوماً أعلى على التوثيق والمستندات لأن المستندات لا تأتي من مجموعة جاهزة من المستندات الخاصة بالقروض. ولكن الرسوم التي نفرضها على عمليات التمويل الإسلامي هي نفسها الرسوم التي نفرضها على عمليات القروض التقليدية". وبعبارة أخرى فإن سعر الفائدة، إن كان هناك سعر فائدة، سيكون هو نفسه تقريباً، ولكن تكاليف إتمام الصفقة تصبح أعلى من القرض التقليدي ببضع مئات من الدولارات. ولكن لا يجوز شرعاً الاقتراض لتسديد التكاليف الإضافية.
اقتسام الدخل
وبالنسبة لعمليات التمويل، فهناك الصكوك، أي الأوراق المالية التي تقوم على موجودات معينة. والمستثمر الذي يقتني عدداً من الصكوك لا يتلقى بالضبط فائدة عليها. وإنما هو يقتسم مع غيره الدخل المتحصل من الموجودات. ولكن الذي يحدث هو أنه في الصكوك المهيكلة على نحو سليم فإن حق المستثمر في الموجودات متقدم على حق الجهة المصدرة للصك. معنى ذلك أن الشريعة الإسلامية لا تحرم بالضرورة الأسهم الممتازة.
كانت بداية ظهور الصكوك في التسعينيات، على يد مجموعة من الممولين المبتكرين في ماليزيا، بهدف جمع 30 مليون دولار لإحدى الشركات التابعة لمجموعة شل. ومنذ ذلك الحين ازدهرت الصكوك وأصبحت صناعة سريعة النمو، حيث بلغ مجموع الإصدارات في العام الماضي 70 مليار دولار. وتعمل وزارة المالية البريطانية حالياً على إحداث تغييرات كبيرة في الأنظمة والتشريعات حتى تتمكن لندن من إحراز قصب السبق في تطوير سوق ثانوية. وهناك مشكلة صغيرة، بالنسبة للصكوك الكثيرة التي تُنشأ في لندن وتقام على موجودات في الخليج، وهي أن من غير الواضح ما هي الدولة التي ستطبَّق قوانينها في حالة الإفلاس. وتعتبر وكالة موديز كثيراً من الصكوك على أنها قروض غير مؤَمَّنة.
تمويل بئر الغاز
إن شركة إيست كاميرون بارتنرز هي شركة للتنقيب عن النفط والغاز، وقد حصلت على امتيازات للتنقيب عن الغاز والنفط في بعض المناطق المغمورة في خليج المكسيك. وفي البداية عملت الشركة على تمويل عمليات التنقيب من خلال عقد صفقة مع البنك الأسترالي المشهور ماكاري. وعن طريق صفقة معقدة أصدر بنك ماكاري سندات, واقتنص حصة مقدارها 50 في المائة من حقول الغاز في المنطقة المغمورة التي تنتج الغاز الآن بصورة جيدة. وحيث إن أسعار الغاز ارتفعت الآن، فإن إدارة شركة كاميرون تريد استعادة هذه الحصة.
هنا يأتي دور إبراهيم مردم بيه، الذي يعمل الآن كبير التنفيذيين في (سراج كابيتال)، ولكنه كان في ذلك الحين مستشاراً للبنك اللبناني بيمو سيكيورتازيشن BSEC، وهو بنك استثماري يتخصص في التمويل المهيكل الإسلامي. وأنشأ مردم بيه ومحامون في دبي شركة ذات مسؤولية محدودة في ولاية ديلاوير الأمريكية، وهذه الشركة تمتلك البئر التي تنتج حقوق الريع، وربطوا الشركة بصندوق في جزر كايمان يصدر شهادات صكوك ملتزمة بالأحكام الشرعية. والهيكل القانوني لهذه الصكوك شبيه بعملية بيع أحد الموجودات لجهة معينة ثم استئجار هذه الموجودات من المشتري. وصدرت السندات المذكورة بقيمة 166 مليون دولار وكانت قيمة الكوبون للسند 11.25 في المائة. وقد قيمت وكالة ستاندارد آند بورز هذه السندات على أنها بمستوى ج ج ج +. وقد اشترى المستثمرون المسلمون نصف السندات الصادرة في تموز (يوليو) الماضي، واشترت صناديق التحوط النصف الثاني.
الصناديق الملتزمة بالأحكام الشرعية
يجب على الصناديق المشتركة اجتياز اختبار معقد حتى تكون متأهلة لتلقي أموال المسلمين الأتقياء، وذلك بتجنب الشركات التي تمول باقتراض مبالغ كبيرة أو الشركات التي تتعامل في إنتاج المواد المحرمة. وندرج فيما يلي قائمة ببعض الصناديق الموجودة في الولايات المتحدة والتي تباع أسهمها دون عمولة أو رسوم بيع. وليس مما يبعث على المفاجأة أن أسعارها غير رخيصة. وندرج هنا عدداً من الصناديق ذات الأداء الجيد.