مسكن لكل مواطن.. حلم السنوات المقبلة
شهدت مدينة الرياض في الفترة الماضية ندوات علمية وعملية مهمة كان محورها الإسكان في المملكة، ففي يوم 3 جمادى الأولى 1428هـ كان الحدث الأول (مؤتمر الإسكان الثالث) نظمته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ضم مجموعة من المتخصصين والمهتمين بقضايا الإسكان من مختلف أنحاء العالم. وفي التوقيت نفسه نظم الحدث الثاني المؤتمر السعودي الدولي للعقار (سايرك) وقد نظمته اللجنة الوطنية العقارية في مجلس الغرف التجارية، وقد ضم المؤتمر عقاريين ومطورين يبحثون قضايا الإسكان في المملكة.
وعلى الرغم من أن القضية الرئيسة للمؤتمرين كانت واحدة وهي الإسكان في السعودية، إلا أن طرفي القضية (العقاري المطور، والمهندس المصمم) تباعدا فيما بينهما بمسافة أبعد من قاعة الأمير سلطان في الفيصلية ومركز الملك فهد الثقافي. وكان الطرف الثالث (المسؤول الحكومي) أكثر دبلوماسية وسلبية في الوقت نفسه عندما تواجد بين المؤتمرين كطرف شرفي، ولم يقدم ما يشفع له باهتمامه أو على الأقل إحساسه بحجم القضية.
في الحدث الأول أبدع المتخصصون من أساتذة ومهندسين في التنظير والتمثيل بتجارب الغرب والشرق دون الاهتمام المباشر أو المساس على الأقل بالعقبة الأساس للإسكان فصالوا وجالوا بين الهوية العمرانية لدكا والمشاركة الشعبية في نيروبي وحتى لوكوربوزيه ونظرياته ناقشوها كيف هي حالها في أحياء الرياض . وخرج المؤتمر كسابقيه بتوصياته الأربعة عشر التي لم ولن تتعدى تنفيذيا أدراج الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض . في الجانب الآخر العقاريين كانوا أكثر جدية وحماسا في مؤتمرهم فعرضوا الأزمة بوضوح، وقالوا القضية باختصار نحن بحاجة إلى مسكن كل دقيقة خلال السنوات الخمس المقبلة. وتباكوا على المواطن وأجوراته السنوية إن استمر الحال مع أنهم هم من يرفعون الإيجار كل عام ، وشددوا على العمل في بناء المساكن الميسرة لكل مواطن وهم في الوقت نفسه من يتشبثون بأراضيهم البيضاء دون أسعارهم الخيالية . حتى احتار الأطباء النفسيين وتعجبوا من انفصاماتهم الشخصية وأنانيتهم المتزايدة . وبين أبراج المختصين العاجية وأطماع العقاريين غير المنطقية ضاعت أحلام السعوديين الباحثين عن مسكن. وأصبح المواطن يعمل سنوات حياته لكي يدفع قيمة مسكن لن يملكه، وتحول حلم التملك إلى كابوس أشبه بالخيال فمن أين لشاب في مقتبل عمره أن يدخر تلك المئات من الألوف لعشرات الأمتار من الخرسانة!
وعلى الرغم من الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر لقطاع الإسكان والمليارات التي تقدمها الدولة من خزينتها سنويا، إلا أن أقل من 45 في المائة من العائلات السعودية تتملك مسكنها! يزداد التساؤل في أصل القضية التي شتت المدن وأهدرت الخدمات وهي نصف الحل لم يسأل عنها أحد ولم يناقشها أحد منهم – إنها تجارة الأراضي أسوأ استثمار عرفه اقتصاد الدول كيف لا والناتج الوطني له صفر، إنه فعلا عديم الفائدة، فبقاء الأراضي البيضاء على حالها داخل المدن دون رسوم (زكاة العرض) هو استمرار لقضية الإسكان في المملكة دون حل حتى لو قامت عشرات المؤتمرات ودعي كبار المتخصصين. ولا لوم للعقاريين أن يتركوا ملايين الأمتار من أراضيهم دون تطوير فيستثمروها مع الهواء والشمس كما يقول أحدهم لتأتي أكلها بعد سنة بفائدة تتجاوز 20 في المائة. ترى ما الذي سيدفعهم لبيعها أو حتى استثمارها إن كانت مستثمرة دون عناء أو جهد ولا تصريح بلدية أو مراجعة وزارة حكومية تجعلك تكره استثمارك قبل أن تبدأ.
من هنا أقدم ندائي لوزارة الشؤون البلدية والقروية أن تبدأ تحصيل زكاة العرض من قبلها ، فكما تحصل شركات الاتصالات على رسوم إيصال خدمتها ، ولا تتردد شركات الكهرباء على تحصيل رسومها من مشتركيها ، فمن حق البلديات أن تحصل على قيمة الخدمات التي وصلت إلى أراض لم تستغل . فملايين الأمتار المربعة داخل النطاق العمراني تعني ملايين الريالات التي يجب تحصيلها ومن ثم تعود في تطوير المدينة واستثماراتها . عندها سيعيد العقاريون حساباتهم في أراضيهم البيضاء وسيكون التطوير في كل أرض بيضاء داخل المدينة وسينتعش 102 قطاع يستفيد من قطاع البناء. وحينها سيتعدى العرض الطلب وسيزداد التنافس بين المطورين ، وقتها فقط سنجد الحلم يتحقق (مسكن لكل مواطن).