أسلوب تحقيق وإخراج الزكاة .. هل تبرأ به الذمة؟

ناقشت في مقالين في هذه الصحيفة خلال شهر رمضان الماضي (3 و10/9)، موضوع إخراج الزكاة توقيتا وأسلوبا، وتساءلت عما إذا كنا في الطريق الصحيح في اتجاه تطبيق هذا الركن العظيم من أركان الإسلام كما يجب؟! وتناولت في مضمون الإجابة المفترضة أمورا أوضحت من خلالها نقاط الضعف التي تعتري كلا من التنظيم والأسلوب الحالي للتطبيق.
واليوم أعود إلى الموضوع وأنا ما زلت أرى أهمية لتناوله في هذا الشهر الكريم، لأن النفوس فيه أقرب ما تكون إلى الخالق، في مراجعة النفس، واستحضار كشف حسابات عام مضى، ومحاولة استدراك أي عجز وقع فيه، بالازدياد من فعل الخير، ولا سيما أداء الزكاة بمقدارها الكامل, ولمن يستحقها، وأتساءل في هذا الخصوص: هل يقوم كل منا بتحقيق ومعرفة مقدار الزكاة الواجبة عليه؟ وهل يقوم بإخراجها في وقتها؟ وهل يملك الوسيلة لمعرفة مستحقها؟ وأجزم أن الإجابة ستكون مختلفة من شخصٍ إلى آخر، وأن الغالبية منا ستشعر بالتقصير في جانب أو أكثر من هذه الجوانب، يؤيد ذلك ما نراه من اجتهاد يسوده الارتجال في إخراج الزكاة، والتعرف على مستحقها، وربط ذلك بشهر رمضان، رغم عدم وجود ارتباط بينها كفريضة وبين شهر رمضان، وإنما الارتباط يكون بمضي الحول، وهو السنة على امتلاك المال موضع الزكاة، وهذا التوقيت يختلف من مكلف إلى آخر، وإذا فلا معنى لتوقيت إخراج الزكاة في شهر رمضان، لأن الفقراء والمساكين، وهم أولى من تدفع له الزكاة من بين من يستحقونها، لا تتوقف حاجتهم على شهر رمضان وحده، وقد يمر وقت خلال السنة يكونون فيه أكثر حاجة من شهر رمضان، وبالتالي فليس من البر، إن لم يكن من الخطأ تأخير إخراجها عن وقتها إلى أن يحل رمضان.
من المعلوم أن سلطة الدولة في جباية الزكاة مقصورة على عروض التجارة، أي على كل من يكون له عمل مسجل لدى الحكومة يمارسه بموجب ترخيص صادر منها كالشركات والمؤسسات، بحيث يقوم كل منها بتقديم ميزانيته السنوية إلى الجهة المكلفة من قبل الدولة بالجباية، وهي مصلحة الزكاة والدخل لتقوم بتحقيق وجباية الزكاة، وهناك من هذه الفئات من يحاول التهرب من دفع الزكاة على حقيقتها ويحاول إنقاصها بالتلاعب في الميزانيات السنوية، أو بإعداد ميزانيات خاصة بالزكاة تركز على إخفاء حقيقتها، ورغم تأكيد الحكومة أن حصيلة الزكاة توضع في حساب خاص لتكون جزءا مما يخصص للفقراء من مشمولي الضمان الاجتماعي، فإن هناك من يتهرب من دفعها للدولة، اعتقادا منه أنها تدخل ضمن المال العام، أو لكي يبرر لنفسه انتقاص حق الله، وحق من فُرضت من أجلهم الزكاة، ومن ثم فإن هناك اعتقادا تدعمه الشواهد بأن زكاة عروض التجارة لا تدفع بالمقدار المشروع.
وإذا التفتنا إلى زكاة الزروع والثمار، التي تجب في أنواع كثيرة من المنتجات التي نراها اليوم بكميات تجارية كبيرة، بفضل ما يسرته الدولة من تسهيلات وقروض، لبرز تساؤل حول مدى قيام ملاكها، من تلقاء أنفسهم بتأدية الزكاة عنها؟ وإذا استثنينا القمح الذي يسلم للحكومة رغبة في الحصول على الإعانة، وتقوم الحكومة بتحصيل الزكاة حين تسليمه لها، فإن معظم المنتجات الزراعية لا تؤدى عنها الزكاة على حقيقتها، رغم تنامي الإنتاج ووفرته، كما في إنتاج التمور الذي تعد المملكة فيه ثاني منتج في العالم، ويشهد الإنتاج زيادة مطردة في كل عام، سواء من ناحية الكم أو النوع، وكلنا تابعنا التغطيات الإعلامية المصاحبة لموسم التمور في القصيم، والمهرجانات التي أقيمت بمناسبته، والتي أشارت إلى أن التقديرات تنبئ عن أن قيمة مبيعات واحد من تلك المهرجانات ستتجاوز 2.5 مليار ريال! ونستطيع القياس على ذلك لتقدير حجم وقيمة الإنتاج ككل، وبالتالي مقدار الزكاة المتحققة!
معلوم أن الدولة لا تجبي الزكاة من الأفراد، رغم تنامي حجم الأموال التي في أيديهم، وتفوقها على ما تملكه الشركات والمؤسسات، أو حتى الحكومة في الوقت الحاضر، ورغم أن الأمر الإلهي بجباية الزكاة لم يقصرها على مكلف دون آخر، كما قال تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" أي أن ولي الأمر مكلف بجبابية الزكاة ممن تستحق عليهم ودفعها لمن يستحقها، فقد كان القصد من عدم جبايتها من الأفراد هو إيكال الأمر إلى ذمة المكلف، وليس إسقاطها عنه، كما أن أموال الأفراد في الأزمنة السابقة لم تكن بالوضع الحالي!
أما إذا التفتنا إلى التنظيمات والأجهزة المسؤولة عن الزكاة، فسنجد أن أهمها هي مصلحة الزكاة والدخل، ومصلحة الضمان الاجتماعي المكلفة بصرف حصيلة الزكاة، هذا بالنسبة لعروض التجارة، أما الأفراد فإن أمر إخراج الزكاة متروك لهم، كما رأينا، وما يدفعونه طواعية لجمعيات البر وبعض الجمعيات الخيرية، أو ما يخرجونه بمعرفتهم، وليس هناك تعقيب على الأفراد للتأكد من قيامهم بدفع الزكاة.
وكانت هناك دعوة لإنشاء هيئة أهلية للزكاة، ليقوم من يرغب من الأفراد بدفع زكاته لها طواعية، وكان الدافع لتلك الدعوة هو إيجاد خيار ميسر لدافع الزكاة من الأفراد، بهدف صرفه عن الخيارات المطروحة لدفعها لكيانات تقوم بتسريبها للصرف على أعمال إرهابية، وهو ما يخشى أنه لا يزال قائما حتى الآن!
ومن هذه المنطلقات، يبدو أن وضع الزكاة بصفة عامة، يحتاج إلى مراجعة شاملة تستهدف القضاء على ما يشوبه من تشتت وتشكيك، تشتت في الأجهزة المسؤولة عن جباية الزكاة وصرفها، مثلما ذكرنا، وتشكيك في أن ما تجبيه الدولة لا يذهب إلى مصارفه الشرعية، مثلما ذكرنا أيضا، وتستهدف كذلك حيازة الجزء الأعظم من زكاة الأفراد، التي لا تؤدى كما ينبغي، وتوفير القناعة لديهم بصحة ذهابها إلى مستحقيها، عندما يشاركون، أي المكلفين، في عملية التحقق والجباية والصرف، وذلك بإنشاء كيان حكومي أهلي مشترك هو (الهيئة العامة للزكاة) يضم إليه الأجهزة القائمة حاليا على أمور الزكاة، ويكون لها رئيس ونائب أو أكثر، ومجلس إدارة من دافعي الزكاة ومن الحكومة، وتتمتع بالاستقلالية الإدارية عن الدولة، وتأخذ نفقاتها من حصيلة الزكاة، وتتلخص مهمتها في الإشراف على ما يتعلق بالزكاة، تحقيقا وتحصيلا وتنمية وإنفاقا!
إن الوضع كله، والأسباب الظاهرة فيه، من حيث تزايد أعداد الفقراء، وتنامي الأموال في أيدي الأغنياء، وضخامة مقدار الزكاة، فيما لو تم دفعها على حقيقتها، كلها تلحّ بأهمية التعجيل بالمراجعة وإعادة التنظيم!
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي