السيولة والاقتصاد السعودي.. لتنمية الفرد أو المؤسسات
تعتبر السيولة المحرك الأساسي لأي نشاط اقتصادي، ويحتاج الاقتصاد السعودي خلال المرحلة المقبلة لزخم كبير منها لدعم النمو الاقتصادي فيه وتحقيق ما يعرف بالطفرة القادمة. وتعتبر الدولة ومؤسساتها المالية ومشاريعها والبنوك كمؤسسات اقتصادية المحرك الأساسي والقادر على تكوينها ولا يحدها سوى خروج السيولة منها بتحويلها للخارج. ونهتم من خلال طرحنا التالي إلى استعراض حجم السيولة المتوافرة وتحت أي جهة نظرا لأن السيولة يمكن أن تتسرب اعتمادا على ذلك. كما أن هناك مؤشرات خاصة بالأفراد توضح لنا اتجاهاتها وتطورها مع مرور الوقت.
الدولة يمكن أن ترفع حجم السيولة من خلال إنفاقها المباشر وعلى مشاريعها، وخاصة ما يعرف بالبنية التحتية ولمشاريعها المختلفة. وتؤثر من خلال هذا الاتجاه في صناعة المقاولات ومواد البناء والمواد الخام في البنية التحتية وهذه عادة ما تصب مباشرة في قطاع المقاولات وموردي ومنتجي المواد الداخلة في العملية. وبالتالي حسب حجم التوظيف والتشغيل من المواطنين ومن الشركات المحلية يحدد حجم السيولة الداخلة كمصدر أساسي أو ثانوي (من خلال مضاعف الإنفاق). كما يمكن للدولة، وكما تم سابقا، من خلال مؤسسات الإقراض الخاصة بها أن ترفع من مستويات الإقراض الرخيص وتزيد حجم السيولة ولكن يعتمد ذلك على نوعية القروض واتجاهاتها ومستوى تشبع الأفراد بالقروض من البنوك وغيرها من المؤسسات المقرضة (شركات التقسيط). وحاليا تتجه الدولة من خلال مؤسساتها (التأمينات ومصلحة معاشات التقاعد) إلى توسعة سوق الإقراض وخاصة للأفراد المستفيدين منها. البنوك وخلال طفرة سوق الأسهم كانت قد زادت من حجم العبء الاقتراضي للأفراد وذهبت النتيجة مع الريح دون خلق أصول منتجة يستفيد منها الفرد في تنمية مدخراته فأصبحت عبئا مستقبليا دون أن يقابله أصل وكأنها لغرض استهلاكي مع تباين الحجم الموجه.
المتغيرات المستخدمة
كان التركيز هنا على استعراض الودائع والجهات المختلفة المالكة لها كمصدر أساسي للسيولة واستخداماتها الحالية من قبل مختلف الجهات المتصرفة في السيولة. كما تم التركيز على رؤية التطور في الجانبين الودائع واستخداماتها من خلال المتغيرات الخاصة بالسيولة واستخداماتها مقاسة بالفرد المستهدف. وتم من خلال الدراسة تغطية الفترة سنويا من 2003 – 2006، وشهريا خلال 2007 من خلال إحصائيات مؤسسة النقد العربي السعودي المنشورة في موقعها الإلكتروني ولأحدث البيانات.
الودائع في القطاع البنكي
السيولة في البنوك تركزت في ثلاثة أبعاد هي ودائع حكومية وودائع خاصة بالقطاع الأهلي وأخيرا ما تملكه من رأسمال واحتياطيات مختلفة ونقارنها بالودائع حسب تعريف العرض النقدي، نظرا لأن هناك ودائع أخري لدى مؤسسة النقد العربي السعودي ويمكن أن تؤثر في حجم السيولة كما سنرى (معظم ودائع ساما هي للدولة مباشرة أو لمؤسساتها (التأمينات ومصلحة معاشات التقاعد). الملاحظ أن الودائع الحكومية آخذة في النمو والتزايد مما يعزز قدرة الدولة على سداد ديونها ولكن تم الاحتفاظ بها وعدم تنميتها حتى لا تؤثر بصورة سلبية في القطاع البنكي، وفي الوقت نفسه ربما لتمويل التوسعات في الإنفاق الحكومي. وفي الوقت نفسه لم يهتم القطاع البنكي بلفتة الدولة وتسبب في أزمة سوق الأسهم من خلال القروض التي منحت بصورة مباشرة وغير مباشرة. الجدول رقم (1) وبمختلف عناصره يوضح لنا أن السيولة في نمو مستمر ومباشر سواء من الودائع الحكومية أو ودائع القطاع الأهلي أو رؤوس أموال البنوك (تنمو بمعدلات قياسية هنا)، ونخلص إلى أن قدرة البنوك في توفير السيولة خلال الحقبة القادمة واضحة وقوية خاصة وأن نسبة الملاءة نجدها في القطاع أكبر بكثير من 13 في المائة. كما نجد أن مطلوبات المصارف من القطاع الأهلي حسب الجدول رقم (4) آخذة في النمو والزيادة وفي نفس الوقت نجد أن مطلوبات المصارف من الدولة آخذة في النقصان. وفي النهاية نجد أن المطلوبات تقريبا مساوية لحجم الودائع في القطاع البنكي الوضع الذي يدعم قدرة البنوك على ضخ السيولة اللازمة لتحريك الاقتصاد. حسب الجدولين استمرار بقاء السيولة محليا يعتمد على استمرار الدولة والقطاع الأهلي في إبقاء الودائع محليا وعدم توجيهها خارجيا مهم لاستمرار قدرة البنوك على مد السوق بالسيولة بما يدفع عجلة النمو في الاقتصاد السعودي. كما يستلزم أن تتجه البنوك بصورة إيجابية نحو فتح مجالات التمويل في الاقتصاد وهو بعد مازالت البنوك السعودية تفتقد القدرة والرغبة للدخول فيه، بالرغم من أن معظم الدول المحيطة بنا والتي لديها نفس نوعية المشاكل التي نعانيها وبعض الدول النامية أثبتت البنوك قدرتها على تنمية وتوجيه الاقتصاد وحققت فوائد ضخمة ولم تدخل في نفس مغامرات البنوك السعودية في سوق الأسهم. المشكلة الحالية هي انعدام الدور الريادي وارتفاع الربحية مع انخفاض المخاطر وحجم الحماية الموفرة تعتبر السبب الرئيسي في الوضع الحالي الذي نعايشه. ولكن الفترة القادمة تستلزم تركيبة من نوع آخر، في ظل الهيكل الحالي لسوق المال (أسواق أسهم وسندات ومؤسسات مالية مختلفة).
البنوك الخارجية
وتعتبر من مصادر السيولة قيام البنوك الخارجية بوضع جزء من ودائعها في النظام البنكي للاستفادة من الاستثمار في السوق المحلي. الملاحظ أن هناك زيادة في الاستثمارات الخارجية مقارنة بودائع البنوك الأجنبية في السوق السعودي مما يعني أن هناك تمويلا خارجيا واستثمارا للفائض من السيولة خارج السعودية أكثر من القيام بالاستثمار الداخلي. وإن كان في أيار (مايو) عام 2007 يوجد تقارب بين الودائع الخارجية مقارنة بالودائع الداخلية مما يعكس نوعا ما انفتاحا حول زيادة السيولة.
السيولة لدى الدولة
تعتبر مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) لاعبا مهما ورئيسيا في إدارة السيولة كمنفذ للسياسة النقدية ومخطط لها. والجدول رقم (3) يوضح لنا الإمكانات المتوافرة لديها وسيطرتها على جزء مهم من العرض النقدي وسياستها في هذا الصدد. الملاحظ أن هناك نموا متسارعا للاستثمارات وودائع ساما في الخارج، التي بدأت 246 مليار ريال وبلغت حتى الآن 819 مليار ريال معظمها في أوراق مالية. ويرجع نمو حجم الاستثمارات والودائع إلى نمو الودائع الحكومية لدي المؤسسة وهي تقريبا المكمل لودائع البنوك. نستفيد بعدين من الأرقام، الأول وهو قوة الريال السعودي في حجم الأموال المتوافرة لدى ساما ونمو قدرة الدولة على الادخار وتنمية أرصدتها لمؤسساتها المالية الخاصة (التأمينات والتقاعد والاستثمار). البيانات توضح لنا أن التركيز حاليا يتم على البعد الاستثماري أكثر من الإنفاقي كتوجه من الدولة لتنمية الاقتصاد السعودي والأمثلة كثيرة على ذلك. والملاحظ أن زيادة إيداع الدولة في مؤسسة النقد العربي السعودي وليس البنوك لتحجيم قدرتها على توجيه الاقتصاد السعودي نحو التمويل الاستهلاكي أو التمويل غير المنتج والمنمي للثروة ويفسر عملية تجفيف منابع السيولة في عام 2006. وهل هناك نوع من عدم التوافق بين القطاع البنكي ومسؤولي السياسة النقدية في حجز نمو الودائع الحكومية لدى القطاع البنكي وتوجيهها خارج الاقتصاد السعودي في صورة استثمارات في أوراق مالية أو لأسباب أخرى غير معلنة.
التنمية الاقتصادية والفرد
السيولة لدى الدولة ولدى القطاع البنكي واضحة ومتوافرة وتفسر توجه بعض المؤسسات الحكومية لتمويل مشاريع الإسكان للمنتفعين من خدماتها كمصلحة معاشات التقاعد. نجد أن حصة الفرد السعودي من القروض أخذة في التزايد ثم التناقص حول متوسط 47 ألف ريال، وهو معدل منخفض مقارنة بالدخل الفردي حسب الجدول رقم (5) وبالتالي يمكن له أن يرتفع لمعدلات أعلى. كما أن حصة الفرد من الودائع آخذة في التناقض كما هو واضح من الجدول وبلغت في نهاية الفترة 59 ألف ريال تقريبا. إسهام الفرد في التنمية والاستفادة منها وضع ممكن في ظل انخفاض معدلات الدين الفردي. والسؤال ماذا نحتاج في الفترة القادمة كأفراد في السعودية؟ والإجابة أن السكن من المتطلبات الأساسية التي تحتاج لنوع من التغير الجذري في أسس توفيره وتمكين المواطن منه، خاصة من قبل الجهات المسؤولة عن تنميته. وكما كان للدولة مبادرات في السبعينيات والثمانينيات تستطيع أن تقدم مبادرات أخرى ولكن بتوجه استثماري من خلال تكوين شركات مقاولات عامة، علاوة على أنها المالك للأراضي مما يسهل اكتمال المعادلة وتوفيرها للمواطن. المطلوب هو تطوير آليات استثمارية في بوتقة نحافظ فيها على استثمارات وإمكانات الدولة وتعبئة الاقتصاد السعودي ليستفيد بأقصى طاقة دون هدر للموارد، ولكن بعض مؤسساتنا المالية غير جاهزة أو لا تملك الرؤية الواضحة أو غير مهتمة لعدد من الاعتبارات في دفع العجلة الاقتصادية أهمها التعود على الوضع الحالي وعدم الرغبة في التطور، فالأرباح حاليا يعجز العقل عن تصورها والفرص مفروضة لها من باب الجهة التي تعرفها أحسن من الجهة التي ما تعرفها.