منظمة التجارة العالمية بين يديك (51)
منظمة التجارة العالمية بين يديك (51)
متطلبات الانضمام واستحقاقات العضوية (2 من 2)
أصبحت متطلبات الانضمام إلى المنظمة واستحقاقات عضويتهـا بعد الأول من كانون الثاني (ينايـر) 1995م مرهونة إلى حد كبير بالشـروط والقيود والضوابط التي صاغت أحكامها الأطراف المتعاقـدة خـلال جولة أوروجـواي (الإطار رقم 4 - 3). وبالتالي أصبحت استحقاقات العضوية المطلوبة من الدول المستجدة تفوق في المستوى والمضمون ما التزمت بها الدول المؤسسة للمنظمة نتيجة انضمامها المبكر، وذلك للأسباب والحقائق التالية:
1 ـ إن هذه المنظمة، بعد نفاذ نظامها الأساسي في 1/1/1995م، أصبحت محكومة من قبل أعضائها Member Controlled، ومسَّيرة من قبل الدول المؤسسة لها Member Driven، لذا نجد أن مديرها العام، المنتخب بالإجماع من قبل الدول الأعضاء في المنظمة، والموظفين العاملين معه لا يملكون حق التدخل في مسيرة انضمام الدول إلى هذه المنظمة، وتقتصر مهام إدارة المنظمة على تنفيذ تعليمات الدول الأعضاء ورعاية جولات المفاوضات التجارية الشاملة، وتقديم المساندة الفنية للدول الساعية إلى الانضمام والمساهمة في توظيف خدمات هيئة حسم المنازعات التجارية والدعوة لتنفيذ قراراتها. إذن فإن مهام إدارة المنظمة، بما فيها مديرها العام، أصبحت تنحصر فقط في القيام بأعمال السكرتارية التنفيذية للدول الأعضاء فيها.
2 ـ إن الدول التي انضمت إلى اتفاقية "الجات 47"، التي أصبحت فيما بعد الدول المؤسسة لمنظمة التجارة العالمية، استفادت من انضمامها المبكر في حصد المزايا والمرونات والمكاسب، التي أصبح من الصعب، بل من المستحيل حصول الدولة المستجدة عليها في الوقت الحاضر. والأمثلة على ذلك عديدة، منها :
أ ـ إن الكويت، التي كانت طرفاً متعاقداً في اتفاقية "الجات47" وغدت من أوائل الدول المؤسسة لمنظمة التجارة العالمية في 1 كانون الثاني (ينايـر) 1995م، استفادت من توقيت انضمامها المبكر والتزمت بتطبيق سقوف جمركية مرتفعة على وارداتها من السلع الصناعية والزراعية وتثبيتها عند مستوى مرتفع يساوي (100 في المائة). بينما جاء انضمام قطر في 13 كانون الثاني (ينايـر) 1996م والإمارات العربية المتحدة في 10 نيسان (أبريل) 1996م، لتفوق التزاماتها ما التزمت به الكويت، حيث تم تثبيت السقوف الجمركية لكلا الدولتين، قطر والإمارات، عند مستوى منخفض لا يزيد في المتوسط على (15 في المائة) فقط. كما أن عددا من الدول الأعضاء في اتفاقية "الجات 47"، استطاعت من خلال انضمامها المبكر استثناء بعض السلع الصناعية من جداول التزاماتها، وعدم تثبيت السقوف الجمركية عليها، مما منحها الحق في وضع السقوف الجمركية التي تشاؤها مستقبلاً. بينما أصبح لزاماً على الدول المستجدة التعهد في جداول التزاماتها، قبل انضمامها إلى المنظمة، بتغطية (100 في المائة) من السلع الصناعية دون استثناء.
ب ـ إن البحرين، التي كانت من الدول المؤسسة للمنظمة في 1 كانون الثاني (ينايـر) 1995م، استفادت من انضمامها المبكر بفتح (44 في المائة) فقط من أسواقها في قطاع الخدمات للاستثمار الأجنبي. في حين أن سلطنة عُمان التي انضمت إلى المنظمة في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2000م، التزمت بفتح (72 في المائة) من أسواقها في هذا القطاع، والأردن الذي انضم إلى المنظمة في 11 نيسان (أبريل) 2000م التزم بفتح (85 في المائة)، والصين التي انضمت في 11 كانون الأول (ديسمبر) 2001م التزمت بفتح (86 في المائة). وهذا يدلّ على أن تأخر الدول في الانضمام إلى المنظمة يؤدي إلى تقديمها التزامات تفوق ما تعهدت به الدول التي سبقتها في اكتساب استحقاقات العضوية.
ج ـ إن الاتحاد الأوروبي، أحد مؤسسي اتفاقية "الجات47" والمنظمة معاً، حصل على حق استخدام معايير الحاجة الاقتصادية Economic Need Tests، وفرضها على موردي الخدمات في (48) نشاطا اقتصاديا داخل أسواق دول الاتحاد. ولقد أدى ذلك إلى إعاقة نفاذ موردي هذه الأنشطة الخدمية لأسواق دول الاتحاد إلا بعد تأكد السلطات المختصة في هذه الدول من أن هنالك حاجة اقتصادية لمثل هذه الخدمات. ويتم منح تراخيص الاستثمار الأجنبي بعد تأكد دول الاتحاد من أن موردي الخدمات الأجانب سيقومون بنقل التقنية وتدريب العمالة وتوفير الجدوى الاقتصادية للمشاريع الاستثمارية في هذه الأنشطة بينما الدول التي اكتسبت عضوية المنظمة أخيراً مثل الإكوادور في 21 كانون الثاني (ينايـر) 1996م، بنما في 6 أيلول (سبتمبر) 1997م، لاتفيا في 10 شباط (فبراير) 1999م، عُمان في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2000م، الأردن في 11 نيسان (أبريل) 2000م، والصين في 11 كانون الأول (ديسمبر) 2001م، لم تحصل أي منها على مثل هذا الحقوق.
د ـ إن معظم الدول المؤسسة لمنظمة التجارة العالمية استفادت من المرونات والفترات الانتقالية اللازمة لتطبيق اتفاقات المنظمة، حيـث اختارت كندا تطبيق اتفاقية التثمين الجمركي بعد سبع سنوات من اعتماد الاتفاقـية، واختارت بعض دول مجلس التعاون الخليجي تطبيق اتفاقية حمايـة حقوق الملكية الفكرية بعد خمس سنوات من اعتمادها. بينما التزمت جميع الدول التي انضمت إلى المنظمة أخيراً بتطبيق كل الاتفاقات متعددة الأطراف Multilateral Agreements ابتداءً من تاريخ انضمامها المتأخر إلى المنظمة دون الاستفادة من الفترات الانتقالية التي انتهى العمل في معظمها في أول كانون الثاني (ينايـر) 2000م.
هـ ـ إن أعداداً قليلة من الدول المؤسسة للمنظمة انضمت، بناء على رغبتها، إلى الاتفاقات محدودة الأطراف Plurilateral، مثل اتفاقية تقنية المعلومات ITA، واتفاقية الطائرات المدنية CAA، واتفاقية الاتصالات الأساسية BTA، واتفاقية المشتريات الحكومية GPA. وأصبحت هذه الاتفاقات، غير الإلزامية أصلاً لمحدودية أعضائها، تُفْـرَض اليوم على الدول المستجدة للالتزام بها فور انضمامها. وهذا أيضاً يثبت أن تأخر انضمام الدول إلى المنظمة يؤدي إلى مطالبتها بالالتزام بتطبيق اتفاقات جديدة لا تخضع لمبدأ الالتزام الشامل الموحد. وهذا بالطبع يؤدي إلى تفاقم استحقاقات العضوية ويضيف أعباء أخرى على الدولة المستجدة.
3 ـ ارتفاع وتيرة طلبات الدول الأعضاء من الدول المستجدة لتصبح هذه المطالب في كثير من الأحيان خارجة عن نطاق أحكام الاتفاقيات الأساسية في منظمة التجارة العالمية، مما أثار الشكوك لدى الدول المستجدة في أن هنالك مواضيع خفية Hidden Agenda في مسيرة انضمامها، مثل:
أ ـ إلزام الدولة المستجدة بتطبيق مبدأ الحقوق المكتسبة Acquired Rights على الشركات الأجنبية العاملة في أسواق الدولة المستجدة والسماح لهذه الشركات بممارسة أعمالها طبقاً للأنظمة القديمة قبل تعديلها ومنح هذه الشركات فترات انتقالية مناسبة Grand-Fathering Clause للتأقلم مع الأنظمة الجديدة المتطابقة مع اتفاقيات المنظمة.
ب ـ إلزام الدولة المستجدة بتطبيق أحكام وتدابير لم تطبقها الدول المؤسسة لاتفاقية "الجات47" أو تلك المؤسسة لمنظمة التجارة العالمية، مثل تطبيق مبدأ حق المتاجرة Trading Rights، أي السماح للشخص الاعتباري الأجنبي بممارسة نشاط الاستيراد والتصدير في أسواق الدولة المستجدة دون أن يكون له وجود تجاري فيها.
ويفترض في الدولة المستجدة أن تكون على اطلاع ومعرفة بهذه الحقائق غير المدونة في وثائق المنظمة، وقد تفاجأ بها هذه الدول خلال جولات مفاوضات انضمامها ولكنها يجب ألا تثني عزائم المسؤولين فيها عن إيجاد الحلول الخلاقة لتحقيق سرعة انضمام دولهم إلى المنظمة وتوجيه جهودهم نحو الحصول على أفضل شروط الانضمام في أسرع وقت بدلاً من تبديد أمد المفاوضات في السعي وراء الاحتجاج على هذه الطلبات. فقطار العولمة السريع لن يتوقف عن المضي قدماً حتى تتخذ الدول المستجدة قراراتها، بل عليها الإسراع في تحقيق انضمامهما المبكر لكي تساهم مع شركائها التجاريين من الدول الأخرى الأعضاء في تعديل مسار القطار وتوجيه دفة العولمة لصالحهم. عدا عن أن تأخر هذه الدول يزيد من وطأة التزاماتها ومتطلبات عضويتها، وقد يضاعف أعباءها وتكاليف انضمامها. وعلى هذه الدول المستجدة أن تقتنع بأن تسارع خطوات المنظمة وما يصاحبه من صياغة المزيد من الاتفاقات وإطلاق العنان للعديد من المبادرات في جولات تفاوضية شاملة جديدة، قد تصبح ملزمةً بها لدى اعتمادها من قبل الدول الأعضاء في المنظمة، مما يفرض على الدول المستجدة الموافقة عليها وتطبيقها. لذلك أصبحت استحقاقات العضوية في هذه المنظمة أكثر تعقيداً وتشدداً، لتأمين اندماج الدول كافة في النظام التجاري العالمي تحقيقاً لمبدأ العولمة الاقتصادية وتمشياً مع الالتزامات والتعهدات التي يتفاوت مدى تفاقمها طردياً مع توقيت انضمام هذه الدول.
من منطلق هذه الحقائق لجأت الدول المستجدة إلى اختيار نخبة من المفاوضين المختصين في المجالات التجارية والمالية والاقتصادية والجمركية والقضائية والثقافية والإعلامية والعلمية والصحية والفنية، لما يشمله نطاق التفاوض على مواضيع تخصصية تتطلب تضافر كل الجهود الوطنية وتوفير جميع أنواع الأسس التفاوضية، لتحقيق الهدف الأساسي من خوض هذه المفاوضات والرامي أصلاً إلى تسريع انضمام الدول إلى المنظمة والدفاع عن مصالحها عن طريق تعظيم مكاسب الانضمام المبكر نسبياً وتخفيف تكاليفه في هذه المرحلة الزمنية المتأخرة.