"برج إيفل" .. من وصمة عار لـ باريس إلى معلم تاريخي وسياحي
بينما الذي تحتفل فرنسا اليوم ـ الرابع عشر من يوليو ( تموز ) ـ بذكرى قيام الثورة الفرنسية تسلط الأضواء على برج إيفل الشهير باعتباره أحد المعالم السياحية و التاريخية المهمة لعاصمة النور. فقبل مائة وعشرين سنة وتحديدا في عام 1887 بدأت الأعمال في ورشة بناء برج إيفل ليندلع بعد ثلاثة أسابيع فقط جدل كبير وتنديد من قبل المعارضين لإنشاء البرج الذين وصفوه بأنه " وصمة عار" لباريس، لكن البرج كان على موعد مع النجاح مع افتتاحه بعد ذلك بسنتين. فبعد الأساسات التي نفذت إما بالمعاول أو بالهواء المضغوط وبعد تركيز الكتل المعمارية الأربع بدأ تشييد البرج في الأول من تموز (يوليو) 1887 في أجواء من الحماسة. وأشرف المهندس "جوستاف إيفل" الذي وضع تصميم الجسور - وهو أيضا الذي وضع البنية المعدنية لتمثال الحرية المطل على ميناء مدينة نيويورك الأمريكية –على ورشة الأعمال بعد أن تلقى الضوء الأخضر لبناء النصب للمعرض العالمي لعام 1889. لكن سرعان ما عبرت أكاديمية الفنون الجميلة والكاتب جي دو موباسان و المؤلف الموسيقي شارل جونو عن استيائهم علنا في صحيفة "لو تان" التي جاء فيها: "سترتبط مدينة باريس لفترة طويلة بتصورات تخيلية لصانع الآلات وستوصم بعيوب لا تمحى وتفقد مجدها. كل ذلك بسبب بناء برج إيفل عديم الجدوى هذا". لكن هذا الانتقاد لم يثبط عزيمة المهندس ولا تصميمه. حتى أنه حاول بكل قوته أن يبين لمنتقديه كيف أن انحناءات الأضلاع الأربعة للبرج تعطيه انطباعا عظيما للقوة والجمال وأن الفراغات في عناصر البناء تجنبه الثقل .وإذا كان ذلك لم يقنع الأكاديمية فإنه أقنع على ما يبدو الجمهور بعد سنتين أثناء تدشين البرج في آذار (مارس) عام 1889.
لقد كان برج إيفل مشروعا عملاقا شارك في تحقيقه خمسون مهندسا ورساما أعدوا 5300 رسم ، كما شارك في بنائه أكثر من مائة عامل أعدوا مسبقا في ورش العمل أكثر من 18 ألف قطعة مختلفة. أما العمل الأكثر دقة فتمثل في وضع الأعمدة الأربعة بشكل منحن اضطر إلى إسنادها بسقالات خشبية ثم وضع الركيزة الأفقية للطابق الأول على ارتفاع 57 مترا فوق الأرض. وكانت ستة أشهر كافية عمليا لتحقيق هذا المشروع الضخم.
الإنجاز لم يقتصر على وزن الهيكل المعدني الذي يبلغ 7300 طن ولا الثقل الإجمالي للبرج الذي يعادل عشرة آلاف طن أو عدد البراغي المستخدمة وعددها مليونان و500 ألف أو قطع الحديد وهي 18038 وارتفاع البرج الشاهق الذي يصل إلى 312 مترا، بل تعدى الأمر إلى أن البرج لم يسجل أي حادث مميت خلال تشييده. وعرف هذا العمل ساعة النصر في 31 مارس ( آذار ) 1889 الساعة الواحدة و النصف ظهرا بتوقيت باريس عندما صعد "جوستاف إيفل" الدرجات البالغ عددها 1710 التي تقود إلى الطابق الثالث ليرفع العلم الفرنسي على وقع 21 طلقة مدفع. ثم أخذ مروحة سيدة ليكتب عليها "العلم الفرنسي هو الوحيد الذي لديه سارية بعلو ثلاثمائة متر". وفي الواقع بقي برج إيفل الصرح الأعلى في العالم حتى بناء مبنى كرايزلر في مدينة نيويورك الأمريكية في عام 1929. وحقق البرج نجاحا شعبيا فوريا. فمن أصل أكثر من 32 مليون زائر للمعرض العالمي صعد مليون و968 ألف و287 شخصا البرج لكن من دون معرفة ما إذا كانوا انجذبوا بالصرح أكثر من المعرض في حد ذاته.وفي سنة تدشينه استقبل البرج عددا كبيرا من الشخصيات الشهيرة ومن بينهم الممثلة "سارا برنار" والفيزيائي "توماس إديسون" الذي أعطى نسخة عن فونوغرافه إلى "جوستاف إيفل" كهدية تذكارية. حتى أن "شارل جونو" نفسه الذي كان من أشد منتقدي مشروع تشييد البرج لم يصمد طويلا أمام رغبته في الصعود إلى قمته. ودعاه "جوستاف إيفل" إلى الغداء ثم إلى توقيع قائمة طعام المدعوين برفقة توماس إديسون.