خريجو الثانوية .. تائهون بين إهمال المدرسة وجفاء الجامعات

خريجو الثانوية .. تائهون بين إهمال المدرسة وجفاء الجامعات

يعاني الطلاب والطالبات خريجو المرحلة الثانوية عدم وجود طريق مرسوم يمهد مستقبلهم الأكاديمي، ويلقون باللوم في ذلك على مدارسهم التي لازموها 12 عاما دون أن يجدوا فيها أي توعية أو توجيه أو تطوير لرغباتهم التي تتوافق وإمكاناتهم، ما جعلهم يقعون في حيرة من أمرهم بعد الحصول على شهادة الثانوية العامة، وبالتالي يصطدمون بكليات لا تناسبهم ما يجعل الكثير منهم ينسحب أو يدخل مجالا غير مقتنع، ليتوقف قطار الأحلام وسط تجاهل تربوي لأهم فئة في المجتمع.
ويطالب التربويون بضرورة تثقيف الطلاب بما يوافق طموحهم، وكذا اكتشاف قدراتهم لوضعها في مكانها الملائم.

أكد البروفيسور يوسف الرميح الأكاديمي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن إحدى أهم المشكلات الأكاديمية في المجتمع السعودي هي أن خريجي الثانوية ضائعون لا يعرفون لهم وجهة.
وحمل ثلاث جهات هذه المسؤولية وهي: المدرسة، التي يغيب فيها دور المرشد الطلابي تماما عن إعطاء الطلاب بدائل جيدة توافق ميولهم، فمن يحقق درجات عالية في الرياضيات مثلا يوجهه لكلية الهندسة، ومن يملك إمكانات في الفيزياء يوجهه لكليات العلوم وهكذا، بينما الحقيقة هي أن دور مرشدي الطلاب هو في أمور هامشية مثل المقاصف، ريادة الصف، بينما هم بعيدون كل البعد عن الإرشاد في المدارس التي هي المؤسسة الأولى المفترض أن ترعى هذا الجانب.
وأضاف: أيضا المسؤولية الثانية هي على الجامعات التي للأسف تستقبل كل من هب ودب، دون وجود لجان أكاديمية تضم على الأقل من كل كلية أستاذا، يساعدون الطلاب ويناقشونهم بما يوافق إمكاناتهم، وإيضاح أنهم حتى لو تخرجوا من كليات لا توافق مستوياتهم فإنهم سيفشلون مستقبلا.
واعتبر الرميح الأسرة أحد الجناة على أبنائهم الطلاب، معللا ذلك بأن الأسرة توجه ابنها للتخصصات التي توفر لهم وظائف فقط، وهذا خطأ كبير فالطالب إنسان ضعيف يجب ألا نحمله أكثر مما يطيق.
ووصف الأصدقاء أنهم للأسف هم الموجه الرئيس لزملائهم فالطالب إذا شاهد زميله انضم إلى الكلية تبعه إليها وهكذا، وفي النهاية يصطدم بالفشل.
من جانبه، أكد سليمان بن عبد الله الحامد وهو مشرف تربوي في إدارة تعليم الرياض، أن الطالب في تعليمه العام يدرس 12 عاما، وغالب مدارسنا تحوي بكادرها التعليمي ما يسمى "المرشد الطلابي"، ومن زيارتي لإحدى المدارس المشهورة في الرياض دخلت على طلاب الصف الثالث الثانوي وفتحت المجال للحوار معهم فكانت معظم أسئلتهم أين نذهب بعد الثانوية؟ وأي كلية تراها مناسبة؟ وكأنهم لا يعلمون كيف هي الحياة خارج المدرسة!
وتابع: سألت نفسي: أين دور المدرسة من 12 سنة؟ ألم يقل لهم هذا دوركم في الحياة؟ ألا تنظم المدرسة زيارات لبعض الجامعات؟
وأضاف: إنني أستغرب هذا التغييب لدور الإرشاد في مدارسنا، بدءاً من عدم وجوده ووصولاً إلى تهميش دوره من مدير المدرسة وانتهاءً بتعيين مرشد طلابي غير مختص.
وأردف: ذلك كله جعل مكتب المرشد الطلابي في مدارسنا من نسج العنكبوت. إن طالب اليوم يعاني أموراً كثيرة في نفسه وفكره، لديه أسئلة كثيرة يريد لها جواباً، والمدرسة اليوم تتحمل الكثير من غياب هذا التوجيه، في ظل عدم الاهتمام أصلاً بميول الطالب وقدراته.
واقترح الحامد لإيجاد حلول تعين الطلاب على التوجيه الأكاديمي بما يوافق طموحهم وإمكاناتهم: أن يتم التركيز على طلاب المرحلة الثانوية بدءاً من الصف الأول الثانوي، وذلك بتصنيفهم سرياً حسب قدراتهم وميولهم العقلية والبدنية.
كما أنه إذا نجح الطالب للصف الثاني الثانوي يستدعى ولي أمره ويعقدان له جلسة تربوية بوجود الطالب مع المرشد الطلابي ويكشفون لهما الميول والقدرات التي تحددت عند هذا الطالب ويوجهونهما الوجهة الصحيحة المناسبة دون مجاملة.
واسترسل: بعد ذلك يكتب الطالب بحضور ولي أمره ميوله التي يراها ويتعهد أمام المدرسة أنه أهل للمسؤولية التي اقترحها على نفسه، بعد ذلك يبدأ الطالب في السنة الثانية من المرحلة الثانوية معتمداً على ما أقرّه على نفسه وفي هذا بناء لشخصيته كما أن للمدرسة – خاصة الإرشاد – دورا في المتابعة والمساندة النفسية والمعنوية.
وأبان: لابد أن نرى في مناهجنا ما يساعد الطالب على اختيار طريق من طرائق تطوير التفكير، التفكير الناقد، حسن اتخاذ القرار, تطوير الذات، الاعتماد على الذات، وغير ذلك من مهارات التفكير التي ترفع من عقلية الطالب من كونه وعاء يستقبل إلى عضو متخذ القرار.
من جهته، أكد علي إبراهيم المحمود وهو مشرف سابق في اللجان التربوية ومدير مدرسة ثانوية، أن هناك جهات عدة مسؤولة عن غياب توجيه الطلاب للكليات التي تلائم إمكانياتهم أولها المنزل، فكثير من أولياء الأمور ومن لهم ولاية على الطلاب يجهل أمور الكليات وأنظمتها ولذلك هو في حيرة في توجيه ابنه للبحث عن الكلية المناسبة للوظيفة فقط دون اعتبارات أخرى لقدرات الطالب.
وتساءل عن عدم وجود لجان إعلامية من الجامعات تدور على المدارس لتثقيف الطلاب عن دورها وإمكاناتها ومخرجاتها.
وكشف عن أن المدارس تصطدم مع المنزل في رفض كثير من أولياء الأمور توجه أبنائهم حسب إمكاناتهم بل نجد أن الكثير منهم يرفضون ذلك التوجيه خاصة أن المدارس هي في الواقع تعاني نقصا في الخبرات عن هذه الجامعات.
وطالب المحمود بوجود متخصصين في المدارس لمعرفة إمكانات الطلاب، خاصة أننا نعاني غياب الكوادر في المدارس المتخصصة في مثل هذه المواضيع.
واختتم حديثه مشددا على أن انشغال المدارس بالأعباء الموكلة إليها من قبل الوزارة والإدارة قد يحد من توجيه الطلاب التوجيه السليم لما يوافق إمكاناتهم.
أما عبد الله بن عبد المحسن المجاهد وهو مرشد طلابي فيرى أن طلاب المرحلة الثانوية وبالذات المقبلون منهم على التخرج يعيشون فترة حرجة حيث إن الصورة لديهم مبهمة والمستقبل التعليمي والعلمي غير واضح المعالم، ولهذه الصورة المعتمة أسباب من أهمها تقصير الجامعات والكليات والمعاهد في التعريف بمناهجها ونظامها الدراسي وكذا النسب المحددة للقبول والفرص العملية المترتبة على الدراسة فيها.
وأضاف: إن من الواجب قيام هذه المؤسسات التعليمية بدور نشط في وسائل الإعلام المختلفة لأجل التعريف بها فقد لاحظنا هذا العام أن النشاط في هذا الأمر كان مقتصراً على الكليات والمعاهد الأهلية، لأن في هذا نوعاً من التسويق لهم أما الجامعات والمعاهد الحكومية فهي مقصرة في هذا الأمر.
كما يؤكد متعب بن فهد المطوع طالب في الصف الثالث الثانوي قسم العلوم الشرعية والأدبية أنه حقيقة لا يعرف ما هي الكليات التي يرغبها ولا يمكنه تحديد ذلك، نظرا لارتباط الكلية التي نريدها بما نأتي به من نسبة.
وأوضح: ما يؤلمني ويؤلم زملائي هو غياب دور المدرسة في توجيهنا لما يناسبنا من الكليات، فالمرشد الطلابي مشغول بطلاب أصحاب السلوكيات الخاطئة وكذا الإدارة مشغولة بأمور مثلها ونحن طلاب الصف الثالث الثانوي ربما يحالفنا التوفيق من غير مساندة من المدرسة، أوقد نلجأ إلى تقليد بعض الزملاء فنرى أن فلانا دخل كلية ما فنقوم بتقليده دون النظر إلى كون هذا مناسبا لميولنا أم لا؟
وأطالب المسؤولين في وزارة التربية والتعليم أن يفتحوا قنوات لقاءات بين طلاب الثالث الثانوي و الكليات والجامعات ليوضحوا لنا آلية ونظام كل جامعة وكلية وأتصور أن هذا من حقنا كطلاب على وزارتنا.
من جهته، أكد الطالب فلاح السهلي أنه وزملاءه يعرفون إلى حد ما التخصصات الملائمة، ولكن ما يشكل علينا هو ضعف التوجيه من قبل المدرسة وربما يكون دور المرشد الطلابي فقط هو بتوزيع بعض الأوراق التي تخص جامعة أو كلية واحدة فقط، وربما تكون هذه الأوراق قديمة ونحن نستعين حقيقة بخبرة من سبقونا من زملائنا الطلاب باختيار التخصص أو الكلية المناسبة، وكثيراً ما تجبرنا النسبة لاختيار التخصص غير المرغوب فيه فنحن نسير ولا نخير.
ويوافقه الرأي زميله عبد الله ربيع العنزي، الذي يرى أن هناك ضعف تواصل بين المدرسة والجامعة أو الكلية، مبينا: خلال دراستي في الثانوية العامة لم يحضر للمدرسة أي شخص يمثل هذه الجامعات أو الكليات ولا أعلم هل القصور متمثل في المدرسة أو الجامعة أو الكلية أما من ناحية الكليات والجامعات ومعرفة ما لديهم فلعل الإنترنت والشبكة العنكبوتية أزالت عنا بعض الأعباء لمعرفة الجامعات والكليات والتخصصات ولكن ما يعاب على المواقع عدم تحديثها. وللمعلومية كثير من طلاب الجامعات لم يختاروا تخصصهم حسب ميولهم بل حسب ما تقتضيه المصلحة.

الأكثر قراءة