شركات الجوال ترسم قصة نجاح قابلة للتكرار في القارة السمراء

شركات الجوال ترسم  قصة نجاح قابلة للتكرار في القارة السمراء

قبل نحو عشرة أعوام تقريباً، سجّل خبراء الإحصاء في الولايات المتحدة نحو مليوني شخص يملكون هاتفاً جوالا في إفريقيا. لقد كانت الأجهزة لعبة النخبة الثرية في المدن الكبرى. وفي الوقت الراهن يشير خبراء الإحصاء إلى ما يزيد على 100 مليون هاتف جوال. ففي تنزانيا صرّح 97 في المائة من البالغين، بأنهم يملكون مدخلاً إلى الهاتف المحمول. وتُعد الهواتف المحمولة في إفريقيا هواتف عائلية، ويتم استخدامها من قبل الأفراد كافة.

ولم يرتفع، في أية منطقة أخرى في العالم في غضون الفترة الزمنية بين عامي 2000 و2005 عدد مستخدمي الهاتف الجوال بهذه السرعة كما ارتفع في القارة السوداء، حسبما ورد في تقارير علماء كلية لندن لإدارة الأعمال – London Business School، في دراسة لمزودة الاتصالات النقالة، شركة فودافون – Vodafone. وتنتشر الهواتف المحمولة بصورة سريعة جداً كذلك في المناطق الريفية، حتى هناك، حيث يُعد وجود الكهرباء أمراً نادراً. الشيء الذي لم تتوقعه أية شركة لتزويد الاتصالات النقالة.

يساعد الهاتف المحمول الناس، في جعلهم أقرب إلى أفراد عائلاتهم وأصدقائهم. وهذا هو المحرك الأساسي للشراء. وبالفعل، تعمل الاتصالات اللاسلكية كذلك على تحسين الوضع الاقتصادي لمستخدميها. ويبحث صيّادو جزيرة زنزبار باستخدام هواتفهم المحمولة، عن الأسعار التي يمكنهم أن يتوقعوها من المطاعم والفنادق مقابل صيدهم. وإذا كان عرض السمك مرتفعا جداً في زنزبار، يبحرون إلى دار السلام، ليتمكنوا هناك من بيع السمك بأسعار أعلى.

وبالتالي، فإن الازدهار لا يتم كبحه عن طريق الأسعار المرتفعة للهواتف الجوالة، فقد ابتكرت موتورولا جهازاً وطرحته إلى السوق مقابل ما يقل عن 30 دولارا، واعتماداً على شعار الخبير الاقتصادي الأمريكي، سي كيه براهالداد، أن فرص الربح تكمن في قعر هرم الدخل الإجمالي. وهذه من المفترض أن تُستخدم لصالح الجميع.

وبفضل الهواتف الجوالة، تزدهر المزيد من الخدمات الإنتاجية الجديدة. ففي تنزانيا، تنشأ مراكز الاتصال مع الهواتف النقالة. ويتحدث مساعدو التنمية عن وكالات الإعلام الأولى، والتي تعمل على نشر الإعلانات عن طريق خدمة الرسائل القصيرة – SMS. ويقدّم بعض رجال الأعمال خدمة تحميل. وهم يربطون الهواتف المحمولة مقابل رسوم بسيطة ببطارية السيارة. أو يقودون بالهواتف المحمولة للقرية إلى المدينة حتى الاتصال الكهربائي اللاحق. وفي الوقت الراهن تعمل شركات الاتصالات اللاسلكية على الأنظمة، عن طريقها يمكن للمواطنين الجري بمعاملة المدفوعات (الهاتف المحمول بدلاً من الحسابات البنكية). ونحو 85 في المائة من رجال الأعمال السود الصغار من إفريقيا الجنوبية يعتمدون على الهاتف المحمول في هذا، كما ورد في إحدى الدراسات.

والقيمة الجديرة بالأخذ بعين الاعتبار في قصة النجاح هذه هي أنه قد تمت كتابتها في الصف الأول من الشركات الخاصة ورجال الأعمال الخاصين. وبالفعل، فإن بنك جرامين - وهو بنك الفقراء الحائز على جائزة نوبل للسلام ومديره محمد يونس أسسا شبكة هواتف بصورة مبكرة في أوغندا. وبالفعل، تم التفوق على هذه المنظمة حتى فترة طويلة من قبل الشركات، والتي تجني مالاً جيداً. والشركة المزودة للاتصالات اللاسلكية من إفريقيا الجنوبية – MTN ، وهو رقم اثنين على القارة بعد فودافون، وتحقق في الكاميرون، ونيجيريا، ورواندا، وسافسيلاند، إيرادا صافيا بما يعادل 50 في المائة. وتسجّل سيلتيل - Celtel ، هوامش تجارية مماثلة، وهي تأسيس إفريقي، والذي تم الاستحواذ عليه في الوقت الراهن من قبل المستثمرين الكويتيين.

ومن الجدير بالذكر أيضاً، أن الشركات المتعددة الجنسيات مثل فودافون في إفريقيا تخاطر بالمال. وبخلاف المنطق العام لمناهضي العولمة، فقد تجنبت الشركات المتعددة الجنسيات، الدول الفقيرة حتى الآن. وأقل من واحد في المائة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة تعود على إفريقيا. وتعمل الشركات الكبيرة خارج قطاع الطاقة على التقدم خطوة تلو الأخرى بطموح في إفريقيا فقط.

وفي النهاية، يثبت العدد المتنامي للخدمات، والتي ترتبط بطريقةٍ ما بالهاتف المحمول، والتي تنتظر بها روح رجال الأعمال في إفريقيا، يتم إيقاظها. "إفريقيا مليئة بالقدرة الكامنة والإبداع"، حسبما ورد عن رئيس الاتحاد، هورست كولير. ويتم كبح التطوير عن طريق الجمارك المرتفعة للدول الإفريقية، والتي تجعل الأجهزة باهظة جداً بالنسبة للكثير من العائلات. وفي بعض المناطق، فإن إشارة البث اللاسلكية ما تزال ضعيفة جداً. ويتسلق هناك الناس على الأشجار، ليتمكنوا من إجراء المكالمات الهاتفية باستخدام الهاتف المحمول.

وكل شيء، يظهر لعيان مناهضي العولمة على أنه منفّر، يلتصق بقصة النجاح هذه. وليست فقط تكنولوجيا الشمال يتم العمل على وضعها في القارة الفقيرة، ولكن كذلك رموز نمط الحياة. وتسهم الشركات المتعددة الجنسيات مثل موتورولا و فودافون، اللتين تحققان نوعاً ما أرباحاً مشبعة. وعلى ما يبدو أن حجم الطلب غير منقطع.

ولم يحقق أي برنامج للمساعدة التنموية في إفريقيا نجاحاً مماثلاً. ولا أي مشروع للنوايا الحسنة تحرّك على هذا النحو من الإبداع بمحاذاة الضعف الموجود على أرض القارة: وقد تم تجاوز البنية التحتية السيئة عن طريق تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية. ولا تلعب مشكلات الأهلية أي دور، حيث يشتري الزبائن البطاقات المدفوعة مسبقاً من الأكشاك المتناثرة في كل مكان، والتي عن طريقها يحصل مالكوها على دخل جديد.

وهل يوجد تأثير اقتصادي قابل للقياس؟ تؤكّد دراسة كلية لندن لإدارة الأعمال على نمو قوي في الدول التي تحتوي على الكثير من الهواتف المحمولة. والشيء الأكثر اعتباراً في قصة الهواتف المحمولة، هو أنها كانت غير واردة في الخطط. وبالكاد توقّع أحد هذا النجاح، فقد كانت محصلة التقدم التجاري للشركات في منطقة غير معروفة.

وفيما وراء هذا يبرز هذا السلوك في النقيض الجذري لمبادئ مساعدات التنمية العالمية. وخطط الإصلاح الملفقة في السلوك المتعطف لكبار الاستراتيجيين في واشنطن، وبروكسل، ولندن، وباريس، والتي تغضب الخبير الاقتصادي في شؤون التنمية، ويليام إيستيرلي. وتحل الخطة الكبيرة محل الأسواق الصغيرة.

ويوجّه إيستيرلي انتقاده نحو الخبير الاقتصادي المميز، جيفري زاكس، والذي يُدير ما يُسمى بـ مشروع الألفية للولايات المتحدة، وعرض خطة مفصّلة لتنصيف حجم الفقر حتى عام 2015. "وسوء الفهم الكبير لدى زاكس هو تصور أن الفقر هو عبارة عن مشكلة تقنية علمية، والتي يمكن حلها عن طريق سلسلة من الهجمات التقنية العلمية: شباك الطيور، والتي تحمي الناس من الملاريا، والسماد الاصطناعي المحسّن للبيئة الزراعية و400 غيرها من الاقتراحات الأخرى، والتي تسلسلت في قائمة برنامج زاكس للألفية".

ويركّز خصوم مجموعة الثمانية في الوقت الراهن بألا تتمسك الدول الثرية بتصريحاتها المالية. وإلى جانب هذا، فإن إفريقيا هي الإثبات الحي، على أن الكثير من المال ليس بالضرورة أن يكون محققاً للمساعدة. والمساعدات الضخمة حظيت وتحظى بها بالأخص دول الصحراء الجنوبية, حيث إن بوروندي، وليبيريا، حظيتا في عام 2004 على منح مالية من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية – OECD، والتي حققت ما يزيد على نصف حجم الناتج المحلي الإجمالي. وبالإضافة إلى هذا، تبرز المزيد من الدول، والتي فيها تغطي أموال المساعدات الرسمية بالكاد 30 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. وبالفعل تهزّ هذه العلاقات، لأنها تصوّر عدم الاستقلال الكامل لكل واحدة من هذه الدول. وإلى جانب المنح الحكومية المعتادة تتدفق المزيد من الأموال من المنظمات غير الحكومية، والتي لا تظهر في الإحصاءات الرسمية.

وتتواجد المنح المالية منذ أعوام ضمن المعدل، حتى وإن ظهرت كذلك دول مختلفة كمستقبلة بصورة خاصة في هذه الموضة. في فترة الثمانينيات كانت تنزانيا، وفي التسعينيات موزمبيق. وإذا أخذ المرء بعين الاعتبار مؤشرات التنمية في الوقت ذاته، عندها يخطر على الذهن، أن في دول شبه الصحراء تعاود الحال نحو الانحطاط من جديد منذ فترة التسعينيات.

وكل الدول النامية في آسيا، بالكاد اجتذبت مساعدات نمو. وهي تعود بالفضل لنجاحها في العادة إلى السماح والتلاؤم مع الشركات الخاصة في الدول، والانفتاح التدريجي للأسواق أمام الأجانب. "وأولاً كالحكومة الهندية في بداية الثمانينيات، تخلت عن السلوك المعادي مقابل النشاط التجاري للشركات الخاصة، ورفعت الكثير من العقبات، الشيء الذي عمل على دفع الاقتصاد إلى الأمام بقوة"، حسب ما كتب الحائز على جائزة نوبل، جوسيف شتيجليتز في كتابه، "فرص العولمة". وبهذا تستفيد هذه الدول من توزيع العمل الدولي، والذي بالكاد تسهم به إفريقيا، ولكنها مزوّدة للمواد الخام.

إن إيقاظ ملكية الشركات يتوقف في إفريقيا كما في باقي أرجاء العالم إلى حدٍ كبير على الشروط العامة المؤسسية. وعندما تبقى حقوق الملكية محفوظة، وذات موضع تنفيذ من قبل المحاكم، تجدي عندها الاقتصاديات. ولا يحظى سكان المدينة بالقروض سوى مقابل مطعم صغير في أكواخهم، وعندما يكون بإمكانهم تفعيل سريان هذه الملكية، ويتركون لدى البنك ضمانة. وهم يستثمرون في المطاعم الصغيرة فقط ، عندما يكون بإمكانهم الاستمرار فيها. "ويُعد حق الملكية حافزا، لتعزيز الثروة على المدى الطويل وعلى مدار أجيال"، حسبما ورد عن خبير التنمية الاقتصادي، إيستيرلي. وهذه هي إحدى الأفكار المهمة في محاربة الفقر: ويتخلى الآباء عن الاستهلاك لصالح تربية أبنائهم، عندما يكون بإمكانهم حصاد ثمار هذا التخلي. وهذا ما يغيب عن الكثير من الدول الإفريقية.

وهنا يدور الأمر حول الأجر مقابل الحذق. وتدين دول مثل غانا، وتنزانيا، وأوغندة، بنجاحها إلى خطط إعادة الهيكلة لاقتصاد السوق. وفي أغلب الدول لا يجدي الحذق، ولكن يُعاقب عليه. وأستاذ نيويورك والذي يعود أصله إلى بينين، ليونارد وانتشيكون، خبّر عن والده، والذي عمل بجد، الشيء الذي مكّنه من تربية أطفاله. وعندما أصبح متقدماً في السن، حظي بقرار من الدائرة المالية، بأنه من المفترض أن يدفع نحو 90 في المائة من دخله السنوي. وقد كان والده كبيراً على العمل، ولم يكن لديه المال. وفي إحدى الليالي، جاء موظفون، سحبوه من سريره، وأجبروه على المرور بحيّه وتهمته على أنه مذنب ضريبي.
وهنا تشكّل الهواتف المحمولة الأمل. وبالفعل تسيء الحكومات مع المواطنين أكثر. ولكن تنتشر الأخبار السيئة بسرعة الآن.

الأكثر قراءة