عالم جديد
أضرّت الأزمة بإمارة دبي بشدة، ولكن من الخطأ اعتبارها فاشلة
اتخذ أول السكان منزلا لهم في جزر "العالم"، أرخبيل الجزر المكونة من 300 جزيرة صناعية تم بناؤها قبالة ساحل دبي من قبل شركة نخيل، إحدى شركات تطوير العقارات الكبيرة الثلاث في الإمارة. وقد استوطنت أسماك القرصان والببغاء في الشعاب المرجانية الصناعية التي تحيط بالجزيرة. وتشكل الشعب المرجانية، التي تم بناؤها من 34 مليون طن من الصخور، حلقة حامية حول الجزيرة - حاجز أمواج يمنع تيارات الخليج من اكتساح "العالم".
ويقول الكثير من منتقدي دبي إن اقتصادها صناعي مثل الجزر التي بنتها شركة نخيل. فقد اقترضت الإمارة رأس المال والعمالة لبناء عقارات كبيرة، وجزر "العالم" هي أحد الأمثلة على ذلك. ويتخبط صنّاع السياسة الآن لبناء حاجز اقتصادي قد يحمي ازدهار الإمارة من التيارات المعادية: تراجع أسعار العقارات وانحسار التجارة والسياحة والصعوبة غير المعتادة في إعادة تمويل طموحاتها.
ويبلغ دين حكومة دبي والشركات التي تسيطر عليها الحكومة نحو 80 مليار دولار. وسيستحق منها نحو 11 مليار دولار هذا العام (بما في ذلك الفائدة) و12.4 مليار دولار العام المقبل. ويجب على شركة نخيل وحدها إعادة تمويل سندات بقيمة 3.52 مليار دولار في كانون الأول (ديسمبر) وسندات أخرى بقيمة 3.6 مليار درهم (980 مليون دولار) بعد ذلك بخمسة أشهر، وفقا لبنك EFG-Hermes، وهو بنك استثمار مصري.
وتم الحصول على الصخور لبناء حاجز الأمواج في دبي من قبل جارتها أبو ظبي. وتملك أبو ظبي، الإمارة الأغنى بين دول الإمارات العربية المتحدة، 94 في المائة من احتياطات النفط للاتحاد. وقد اشترت من خلال البنك المركزي عشرة مليارات دولار من سندات دبي، نصف الإصدار المقترح بقيمة 20 مليار دولار. وقد أعادت عملية الإنقاذ هذه، التي تم الإعلان عنها في شباط (فبراير)، الهدوء، كما يتضح من انخفاض تكلفة التأمين ضد التخلف عن السداد. وتحول الاقتصاد "من مزاج الأزمة إلى مزاح الحلول"، كما كتب حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في مناقشة على الإنترنت مع مراسلين صحافيين في الثامن عشر من نيسان (أبريل)، أول مناقشة له من هذا النوع منذ ثماني سنوات.
ويشمل الحل إعادة تشكيل مجموعة الشركات شبه الحكومية المعروفة باسم Dubai Inc. وتقع تلك الشركات تحت إحدى الشركات القابضة الثلاث: Dubai World، وInvestment Corporation of Dubai، وDubai Holding، المملوكة للشيخ محمد آل مكتوم. ولدى كل شركة قابضة شركة تطوير عقارات خاصة بها: "نخيل"، "إعمار"، و"دبي للعقارات".
وقد نقل الحاكم بعض السلطة إلى تلك الشركات، التي كانت تتم إدارتها مثل إقطاعيات شخصية. وقد ساعدت المنافسة بينها على إبقائها نشطة، على عكس وزارات التنمية الحضرية الراكدة في مناطق أخرى. إلا أن شركات تطوير العقارات وقعت أيضا ضحية المزايدات. فشركة إعمار تبني أطول بناية في العالم، لذا أعلنت شركة نخيل عن بناء برج بارتفاع كيلومتر واحد للتفوق على طول البناية. وكانت الحكومة تقف وراء هذه الشركات، حيث منحتها الثقة للتقدم إلى أبعد حد. إلا أن السلطات لم تراقبها من كثب، لضمان تناسق خططها مع بعضها بعضا ومع الواقع.
وخلال الازدهار، كان يبدو أن العرض يوجد طلب خاص به. فقد باعت شركات التطوير العقارات قبل أن يتم حفر الأساسات، وطلبت دفعات أولى بنسبة 10 في المائة أو أقل. وسمح هذا للمضاربين بشراء عشر شقق بسعر شقة واحدة، بهدف بيعها وتحقيق أرباح قبل استحقاق الدفعة الثانية.
وبلغت السوق ذروتها في أيلول (سبتمبر) 2008، بعد نحو 30 شهرا من السماح للأجانب من خارج الخليج بشراء عقارات تملك في مناطق محددة. وانخفضت الأسعار بنسبة تقارب 25 في المائة في الربع الأخير من عام 2008، وفقا للعديد من المؤشرات الخاصة التي تم جمعها في غياب البيانات الرسمية السليمة. وربما انخفضت بالقدر نفسه في الربع الأول من عام 2009.
إن السوق ترسل إشارة واضحة جدا بحيث لا يمكن عدم رؤيتها حتى من قبل شركات تطوير العقارات المتفائلة بارتفاع الأسعار في دبي. ففي آذار (مارس)، أشارت حسابات نشرة Middle East Economic Digest للأعمال، إلى أن شركات تطوير العقارات في الإمارات العربية المتحدة أجّلت مشاريع بناء بقيمة 335 مليار دولار. وكان هناك مشروع لمدة عامين يتقدم ببطء شديد بحيث إنه قد يستغرق استكماله 20 عاما. وأجلت شركة نخيل مشروع بناء البرج بارتفاع كيلومتر واحد بعد ثلاثة أشهر من الإعلان عنه.
لقد بدأت عملية إعادة هيكلة Dubai Inc. فقد تخلصت شركة نخيل من 15 في المائة من موظفيها في كانون الأول (ديسمبر) ولا تزال تقلص أعداد الموظفين منذ ذلك الحين. وقللت شركة الشيخ محمد، Dubai Holding، عدد الموظفين أيضا. ويقول أحد خبراء دبي: "في العام الماضي، كان الناس يتحدثون عن عدد المنازل التي يمتلكونها. أما الآن، فهم يتحدثون عن عدد الأصدقاء الذين فقدوا وظائفهم". وتستفيد اقتصادات أخرى من محققات الاستقرار المالية التلقائية مع توقف العاطلين عن العمل عن دفع الضرائب والبدء بإنفاق استحقاقات الرعاية الاجتماعية. وتعاني الإمارات من محقق استقرار تلقائي: يفقد الأجنبي حقه في الإقامة بعد 30 يوما من فقدانه وظيفته. وعند مغادرة الأجانب، لن ينفق المغتربون السابقون أي شيء في الاقتصاد الذي خلفوه وراءهم.
وغالبا ما تترك الشركات الموظفين على دفاتر حساباتها (دون دفع أجورهم) أثناء بحثهم عن عمل بديل. إلا أن EFG-Hermes يتوقع أن يتقلص عدد سكان دبي بنسبة 17 في المائة هذا العام. وستتقلص القوى العاملة فيها وفقا لتقلص الاقتصاد، تماما كما زادت حين كان الاقتصاد في طور التوسع. وقد اقترح أحد المهندسين المعماريين في دبي تحويل معسكرات العمالة الفارغة، التي كان يعيش فيها عمال البناء المهاجرون، إلى مساكن معقولة الأسعار للأشخاص الذين لم يعد بوسعهم استئجار الشقق التي تم استئجار عمال البناء لبنائها.
وتحتل دبي موقعا في منطقة جيدة. وتمتلك أبو ظبي، الإمارة المجاورة لها، 92 مليار برميل من احتياطات النفط، وصندوق ثروة سيادية قد يحتوي على أكثر من 300 مليار دولار من الأصول. والميزانية الموحدة للإمارات العربية المتحدة ليست متوسعة بصورة مفرطة. فكل ما في الأمر هو أن إحدى الإمارات تملك معظم الأصول في حين أن جارتها تملك معظم الخصوم.
سياسة حُسن الجوار
مع تصاعد أزمة دبي، انتظر الجميع أن تهب جارتها الغنية بالنفط لإنقاذها. وطال الانتظار لعدة أشهر مؤلمة، منذ بداية الأزمة في أيلول (سبتمبر) إلى أن تم الكشف عن قرار البنك المركزي بشراء سندات دبي في شباط (فبراير). ما الذي يفسر التأخير؟ يقول العديد من المعلقين إن دبي كانت مترددة في طلب المساعدة، وإن أبو ظبي طلبت أكثر من فائدة بنسبة 4 في المائة في المقابل. وربما كانت أبو ظبي غير منزعجة من رؤية انهيار دبي وتضيق الاتحاد.
إلا أن Georges Makhoul من Morgan Stanley يعتقد أنه من الخطأ وصف مداولات الاتحاد كما لو كانت "مسلسلا عائليا طويلا". وهو يضيف: "ليس الأمر كما لو أن الناس في أبو ظبي يخططون كيفية زيادة معاناة دبي، وأن الناس في دبي يخططون لابتكار طرق لانتزاع الأموال من أبو ظبي". فكما يقول، تم تقديم عرض المساعدة في تشرين الثاني (نوفمبر).
وفي مقابلته على الإنترنت، ندد الشيخ محمد "بالمحاولات الشريرة" من قبل الإعلام "لافتعال خلافات بين أبو ظبي ودبي". واشتكى من "القصف الإعلامي" للإمارات العربية المتحدة منذ اندلاع الأزمة. ويقول: "أعلم أن البعض خارج المنطقة كانوا يتمنون انهيار نموذج دبي".
وبالفعل، كان منتقدو دبي ميالين جدا للمبالغة مثل شركات تطوير العقارات في دبي التي يزدرونها. فنموذج دبي له جذور عميقة, فقد كانت الإمارة تقترض للاستثمار في البنية التحتية منذ الخمسينيات، حين باعت سندات للكويت لتمويل إنفاقها. وأحيانا تكون نتائج هذا الاستثمار استعلائية، ولكنها غالبا ما تكون مثيرة للإعجاب. فميناء جبل علي مثلا أحد أكبر أرصفة الحاويات في العالم.
وبذلت دبي أيضا جهودا مماثلة فيما يتعلق "ببنيتها التحتية اللينة". فقد استورد مركز دبي المالي العالمي القانون الإنجليزي والتحكيم من لندن - وإن كان يفتقر إلى التاريخ المؤسسي لدعمه.
إن المهارات التي تحتاج دبي إلى تطويرها متوافرة بكثرة في الغرب. ولاجتذاب تلك المهارات، حولت نفسها إلى دولة يمكن للغربيين الاستمتاع فيها، كما يقول أحد المطلعين السعوديين. فالسعودية اقتصاد أكبر ويوفر عروض عمل أكثر إثارة، ولكنها تبذل جهودا جبارة لاجتذاب المحامين والممولين وغيرهم من المهنيين الذين تحتاج إليهم.
ولن يغادر الجميع بالطبع, فعائلات دبي التجارية القديمة، التي تعود أصولها إلى إيران والهند وزنجبار لن تتخلى عن الإمارة خلال فترة انكماشها. وتجتذب دبي أشخاصا من 202 جنسية، وفقا لوزارة العمل. وبعضهم يتنقلون من هنا وهناك ولا يعتمد عليهم. ولكن بالنسبة لغيرهم، تعد الإمارة المكان الوحيد في المنطقة الذي يريدون العيش فيه. وقد كانت دبي صورة مصغرة للعالم حتى قبل أن تقرر شركة نخيل بناء الجزر الاصطناعية.