متاهة السياسة النقدية

متاهة السياسة النقدية

انهارت القواعد البسيطة التي كانت البنوك المركزية ترتكز عليها, ويلوح في الأفق مستقبل أكثر فوضوية وسياسة.

في العالم الذي كان قائما قبل الأزمة المالية، كان المصرفيون المركزيون مهيمنين. فقد هزموا التضخم وروضوا دورة الأعمال. كما طوروا إجماعا فكريا قويا حول كيفية القيام بعملهم، لخصه أخيرا David Blanchflower، وهو عضو في لجنة السياسة النقدية لبنك إنجلترا، بأنه "أداة واحدة، هدف واحد". والأداة هي أسعار الفائدة قصيرة الأجل، أما الهدف فهو استقرار الأسعار.
وكانت هذه الصيغة المختصرة مناسبة لحقبة عدم تدخل الحكومة في ذلك الوقت. وكان هناك مجموعة متنامية من الأسواق المالية التي يمكن أن تقدّر المخاطر وتخصص الائتمان بكفاءة. ولم يكن على المصرفيين المركزيين سوى معايرة أدوات أسعار الفائدة الخاصة بهم لتتكيف جميع الأسواق الأخرى تلقائيا. ولا تزال البنوك المركزية تهتم بالاستقرار المالي والعمالة الكاملة، ولكنها قد تقول إن أفضل طريق لتحقيق ذلك هو استقرار الأسعار، دون تدخل من السياسيين من فضلكم.
وقد قلبت الأزمة المالية كل هذا. وكان من المفترض أنه تم إضعاف دورة الأعمال، إلا أن العالم يعاني أعمق ركود منذ الثلاثينيات. وأصبح الانكماش عدوا أكثر خطورة من التضخم؛ واضطرت البنوك المركزية إلى اللجوء إلى أدوات أخرى، لأن أسعار الفائدة في عديد من الدول كانت عند الصفر أو قريبة من الصفر.
والأهم من ذلك هو أن انهيار العلاقات المستقرة في الأسواق المالية أجبر البنوك المركزية على اتخاذ قرارات كانت متروكة في السابق للقطاع الخاص. وتحولت من جهات إقراض الملاذ الأخير إلى جهات إقراض الملاذ الأول حين توقفت البنوك عن الثقة ببعضها بعضا. وأصبحت بشكل متزايد مثل الحكّام على نوع المقترضين الذين سيحصلون على الائتمان. ومع انهيار انضباط الأسواق، سيحصل المصرفيون المركزيون على سلطات إشرافية واسعة جديدة. وكل هذا يدفع البنوك المركزية ثانية إلى الحلبة السياسية التي نأت بنفسها عنها منذ سنوات.
ولا يزال المصرفيون المركزيون يعتقدون أنهم سيعودون، عند انتهاء الأزمة، إلى أدوارهم لما قبل عام 2007 بوصفهم ثيوقراطيين محايدين سياسيا. وقد يكون هذا أملا زائفا. ويقول Thomas Mayer، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في بنك Deutsche: "حين تشكك بالمبدأ الأساسي الذي عملت بموجبه خلال الـ 15 إلى الـ 20 عاما الماضية، وهو أن الأسواق عقلانية وفاعلة، يجب اتباع نهج مختلف نحو السياسة النقدية والتنظيم".
فلنبدأ بالسؤال الأكثر إلحاحا: ما الأدوات التي ستستخدمها البنوك المركزية لتوجيه الاقتصاد في المستقبل القريب؟ قبل الأزمة، كانت جميع البنوك المركزية الرائدة تقريبا تعمل من خلال أسعار فائدة قصيرة الأجل (لليلة واحدة عادة) في الأسواق المالية. وكان هذا السعر بحد ذاته أقل أهمية بالنسبة للنشاط الاقتصادي من أسعار الفائدة على قروض الشركات لمدة 12 شهرا مثلا أو على القروض العقارية لمدة 30 عاما. إلا أن الصلات بينها وبين الأسعار الرسمية كانت مستقرة بما فيه الكفاية للسماح للبنوك المركزية بالتأثير في الأوضاع المالية العامة وبالتالي في الاقتصاد بأكمله.
وتعرضت هذه الصلات لضغوط قبل الأزمة، حيث سببت تخمة الادخار العالمي فصل أسعار الفائدة طويلة الأجل وقصيرة الأجل. وخلال الأزمة تفككت مع خوف المقرضين من ألا يتم بيع القروض أو سدادها. واستجابت البنوك المركزية عن طريق توسيع عمليات الإقراض من خلال مزيج من المزيد من أنواع الائتمان والضمانات، والأطول أجلا، وعدد أكبر من الأطراف المقابلة. وبدأ مجلس الاحتياط الفيدرالي بالإقراض للبنوك الاستثمارية. وضمن البنك المركزي الأوروبي أموال غير محدودة تصل إلى ستة أشهر بدلا من أسبوع. وذهب البعض إلى أكثر من هذا. فقد اشترى بنك اليابان أسهم وتدخل البنك الوطني السويسري في أسواق العملات.
وحتى لو لم تكن الأزمة تتفاقم، فهي لم تنته بعد ولا تزال معظم دول العالم في حالة ركود. وليس هناك أي بنك مركزي على وشك سحب تدابير الطوارئ. وتفكر بعض البنوك بتدابير جديدة. وينظر بنك كندا والبنك المركزي الأوروبي بعمليات شراء فورية لديون الحكومة أو الشركات لتعزيز كمية الائتمان.
ويفترض المصرفيون المركزيون أنهم سيخففون تدريجيا من هذه التدابير حين تنتهي الأزمة. فعلى سبيل المثال، مجلس الاحتياط الفيدرالي ملزم بموجب القانون بإنهاء بعضها حين لا تعود الحاجة ملحة. ويفرض غرامة على بعض البرامج لكي يعود المقترضين إلى الأسواق الخاصة حين تنتعش. وهناك حاجة لوضع استراتيجية للخروج من أجل "التوصل في النهاية إلى اقتصاد قائم على السوق يكون أكثر توازنا ومرونة"، كما يقول Donald Kohn، نائب رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي. وقال Mervyn King، محافظ بنك انجلترا، أن توقعات التضخم ستملي استراتيجية الخروج، وأن على البنوك المركزية عدم دعم الأسواق التي لا تستطيع البقاء لوحدها.

الحاجة إلى أهداف جديدة

إلا أن الانسحاب قد يكون أصعب مما يبدو. فقد تساءلت دراسة أجراها موظفي صندوق النقد الدولي العام الماضي: "كيف سيبدو الوضع "الطبيعي"؟ تقول الدراسة: "ليس هناك توقع أن تعود الأسواق إلى طريقة عملها في مرحلة ما قبل الأزمة في وقت قريب، هذا أن عادت أصلا. وقد أصبحت هوامش السوق التي تأخذ بعين الاعتبار مخاطر الائتمان والسيولة مضغوطة جدا قبل آب (أغسطس) 2007، وهي الآن أوسع مما يجب أن تكون عليه طويلة الأجل. إلا أن المستوى المناسب غير واضح".
وبعد أن أصبح بنك اليابان المزود الرئيسي للأموال لليلة واحدة للبنوك في وقت سابق من هذا العقد، ركدت سوق ما بين البنوك. ولا تزال أصغر بكثير من حجمها السابق. فالبنوك الأوروبية اليوم تعتمد بصورة كبيرة الآن على مجلس الاحتياط الفيدرالي للحصول على الدولارات (التي يتم توريدها عبر خطوط المقايضة مع البنوك المركزية المحلية)، وعلى البنك المركزي الأوروبي لأموال اليورو لمدة ستة أشهر.
وأي انتعاش بسيط سيجعل البنوك المركزية مترددة في سحب الدعم من الأسواق الحيوية، خاصة إذا احتجت الشركات أو السياسيين. وفي عام 1942، وافق مجلس الاحتياط الفيدرالي على تخفيض أسعار الفائدة طويلة الأجل لمساعدة وزارة الخزانة على تمويل الحرب؛ لم ينسحب من هذا الالتزام حتى عام 1951. وحين يحين وقت بيع مقتنياته الكبيرة من ديون القروض العقارية، قد يواجه مقاومة من جماعة الضغط للإسكان في أمريكا.
وقد لا تضطر البنوك المركزية إلى إعادة النظر بأدواتها فقط، بل أيضا بأهدافها. فقد اتفقت الحكومات والبنوك المركزية على أن عليها أن تركز فقط على تحقيق معدلات تضخم منخفضة ومستقرة. ومجلس الاحتياط الفيدرالي ملزم بموجب القانون بالتركيز على العمالة والتضخم بشكل متساوي، ولكن عمليا هو أيضا يستهدف التضخم. وقد تم التوصل إلى هذا الإجماع في إدارات البحوث للبنوك المركزية والجامعات، وكان تبنيه متزامنا مع ارتقاء الأكاديميين إلى الصفوف العليا للبنوك المركزية: من بينهم بن بيرنانك، رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي، وKing وأيضا Lucas Papademos، نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي، وLars Svensson، نائب محافظ بنك Riksbank السويدي.
وقد تعرض الاقتصاد الكلي بشكل عام للهجوم بسبب اعتماده المفرط على الافتراضات بفعالية الأسواق وعدم قدرته على إدماج نوبات العواطف التي توجد الهوس والفزع الاقتصادي. وفي خطاب له في الرابع والعشرين من آذار (مارس)، قال Blanchflower: "بوصفي من صناع السياسة النقدية، أعتقد أن "أحدث" البحوث للاقتصاد الكلي غير كافية على الإطلاق للمساعدة على حل المشاكل التي نواجهها حاليا".
ويتم التشكيك بالتركيز التام على استقرار التضخم للسبب نفسه. فقد بدأ الركود في ظل استقرار الأسعار - كما حدث حين بدأت فترة الكساد العظيم في أمريكا وفي الكساد في اليابان العقد الماضي. ويقول Blanchflower: "لن يكفي استهداف التضخم فقط. فقد فشل هذ النهج في منع تراكم الاختلالات التي كانت نذيرا للأزمة ولم تكن كافية في التعامل مع البنوك الفاشلة والقلق بشأن الأسواق المالية مع تطور الأزمة. وهناك إجماع الآن بضرورة ابتكار أدوات جديدة لتنظيم القطاع المالي ومنع مثل هذه الأزمات في المستقبل".
وقد قال بيرنانك وسلفه، آلان جرينسبان، قبل الأزمة، إنه من الصعب تحديد الفقاعات قبل أن تنفجر. وثقبها دون تدمير الاقتصاد أصعب بكثير. ولا يجب على البنوك المركزية اتخاذ إجراءات إلا إذا كانت الفقاعات تهدد استقرار الأسعار؛ وإلا عليها أن تنتظر وتنظم الأمور بعد انفجارها. ويبدو أن الدليل على ذلك هو الركود المعتدل الذي تبع ازدهار أسهم الشركات التكنولوجية في أواخر التسعينيات.
ولا تساعد التجارب الأخيرة على تقوية حجتهما. ويقول William White، الذي تقاعد العام الماضي من منصبه بوصفه كبير الاقتصاديين في بنك التسويات الدولية، إن البنوك المركزية سمحت للفقاعات بالتشكل لأنها كانت تركز اهتمامها على استقرار الأسعار على المدى المتوسط. ويزيد انفجار هذه الفقاعات خطر الانكماش على المدى الطويل.
وسيكون التضخم في العديد من الدول سلبيا هذا العام، ويعود ذلك أساسا إلى انخفاض سعر الوقود. ولكن حتى في عام 2010، حين يتلاشى هذا التأثير، سيظل التضخم أدنى من 2 في المائة، النسبة التي تحددها معظم البنوك المركزية بوصفها استقرار الأسعار. وفي أحدث توقعات لصندوق النقد الدولي، التي تم نشرها في الثاني والعشرين من نيسان (أبريل)، يقول الصندوق إن الأسعار ستنخفض في أمريكا، اليابان، وسويسرا.
ولا شك أن كثيرا من البنوك المركزية أكثر تفاؤلا، حيث تشير إلى أن التوقعات التضخمية ثابتة. ويخشى الكثيرون في السوق من أن تكون البنوك المركزية بطيئة جدا في رفع الأسعار وتخفيف برامج الائتمان عند انتهاء الأزمة، مطلقة بذلك العنان للتضخم. إلا أن الأسعار المستمرة في الانخفاض ستقيد قدرة البنوك المركزية على تعزيز النمو، لأنها لن تكون قادرة على تخفيض أسعار الفائدة تحت مستوى التضخم- أي جعلها سلبية بالأسعار الحقيقية. وباستخدام قاعدة تايلور، وهي قاعدة رئيسية رائجة، يقترح الاقتصاديون في بنك Deutsche أنه بالنظر إلى درجة الركود الاقتصادي ومعدلات التضخم في الوقت الحالي، يجب أن تكون الأسعار قصيرة الأجل سلبية في أمريكا. وبدلا من ذلك، تبلغ الصفر أو قريبة من الصفر. ولو أصبح الانكماش أعمق من ذلك، قد ترتفع أسعار الفائدة، مما يعرقل النشاط الاقتصادي بصورة أكبر.
وأخيرا، أشار Eric Rosengren، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في بوسطن، أن مجلس الاحتياط الفيدرالي وصل، أو كاد يصل، إلى حد الصفر مرتين في هذا العقد. وهذا أكثر مما أشارت إليه نماذج المحاكاة السابقة - ويشير إلى أنه يجب النظر في أهداف تضخم أعلى. وهناك اقتراح آخر وهو أن تستهدف البنوك المركزية مستوى الأسعار بدلا من معدل التضخم. وعلى افتراض أن هذا المستوى ارتفع بنسبة 2 في المائة سنويا. حينها بعد انكماش بنسبة 1 في المائة في العام الأول، يستهدف البنك المركزي التضخم الأعلى من 2 في المائة في الأعوام التالية (تضخم بنسبة 5 في المائة مثلا في العام الثاني) لرفع الأسعار إلى المستوى المستهدف ثانية. ويذهب Greg Mankiw، الاقتصادي في جامعة هارفارد، إلى أبعد من ذلك، حيث يقترح أن يتم منح التضخم أولوية أقل. ويضيف: "هناك أمور أسوأ من التضخم. ونحن نعاني منها اليوم".
ومن شأن تغيير أو التخلي عن أهداف التضخم الإضرار بمصداقية التي اكتسبتها البنوك المركزية بعد عقود، لذا فهو أمر مستبعد جدا. وعلى الرغم من أن الإهمال الطفيف للفقاعات لم يعد خيارا كما يبدو، إلا أن المصرفيين المركزيين ليسوا مستعدين للدعوة إلى ثقبها بصورة استباقية، لأنه لم يتم بعد حل المشكلة المتمثلة في تحديدها في وقت مبكر بما فيه الكفاية. ويقولون إنه من الأفضل استخدام التنظيم لتحديد ونزع فتيل التراكمات الخطرة للمخاطر في النظام المالي.
والمصطلح الذي يصف هذا هو الإشراف "الاحترازي الكلي". وفي العام الماضي، حدد بيرنانك الكيفية التي سيختلف فيها هذا النوع من الإشراف عن الإشراف المعتاد على البنوك الفردية. وقال إنه يمكن أن تعرض شركة ما نفسها بصورة معقولة لنوع معين من المخاطر يكون غير مقبول إذا تكرر عبر العديد من الشركات. وبالمثل، قد يضغط أحد المشرفين على بنك معين لتخفيف الإقراض خلال فترة الركود في حين أن المشرف "الاحترازي الكلي سيدرك أنه بالنسبة للنظام ككل "قد يزيد هذا الأمور سوءا.
ويمثل تبني نظام الإشراف الاحترازي الكلي عكس مسار تيار آخر ما قبل عام 2007 - أن تتخلى البنوك المركزية عن الواجبات الرقابية وتركز على السياسة النقدية. ويقول الأكاديميون إن الإشراف كان يشتت انتباهها عن السعي لتحقيق استقرار الأسعار، وأنه أوجد صراعات محتملة: قد يدير بنك مركزي معين سياسة تضخمية لدعم النظام المصرفي الفاشل أو لدعم بنك معسر لدعم الاقتصاد. وتخلت البنوك المركزية في أستراليا وبريطانيا عن بعض أو كل أدوارها الرقابية. أما البنك المركزي الأوروبي فلم يكن له دور رقابي أصلا.
وقد تم إلقاء مسؤولية التهافت على سحب الودائع من بنك Northern Rock البريطاني والمشكلات في البنوك الألمانية المملوكة للدولة على عدم مشاركة البنك المركزي بصورة كافية في الإشراف. وهذا العام، أصبح لبنك إنجلترا دور رسمي أكبر في الإشراف على البنوك. وأوصت لجنة برئاسة Jacques de Larosiere، الرئيس السابق لكل من بنك فرنسا وصندوق النقد الدولي، أن يرأس البنك المركزي الأوروبي المجلس الأوروبي للمخاطر النظامية المؤلف من البنوك المركزية والمشرفين الأعضاء فيه، ولكنه لا يزال خارج إطار الإشراف على شركات معينة. وكان مجلس الاحتياط الفيدرالي حتى وقت قريب المرشح الرئيسي لشغل الوظيفة المقترحة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، أي "منظم للمخاطر النظامية"، يتم منحه السلطة للنظر في جميع زوايا النظام المالي والتصرف مقابل الأخطار الناشئة.
ولكن يبدو أن الإشراف الاحترازي الكلي هو مجرد اتجاه لن يرقى إلى مستوى التوقعات. فهو يواجه الصعوبات نفسها التي تواجهها السياسة النقدية التقليدية في مجال اكتشاف وثقب الفقاعات. علاوة على ذلك، لم يتم إيجاد أي علاقة تربط بين المسؤوليات الرقابية للبنوك المركزية وقدرتها على منع أو التعامل مع الأزمة. ويعد مجلس الاحتياط الفيدرالي أقوى هيئة تنظيم مالي في أمريكا وأكثرها معرفة، إلا أن المشكلة بدأت تحت إشرافها. وليس لدى البنك المركزي الأسترالي أو البنك المركزي الكندي أي مهام رقابية، إلا أن النظام المالي في كلتا الدولتين لم يتأثر فعليا. ولا يتعلق هذا كثيرا بالجهة التي تشرف على النظام المالي بقدر ما يتعلق بالقوانين والسلوكيات المحلية. فقد بلغت القروض العقارية سيئة الائتمان ذروتها عند نحو 1 في المائة من المجموع في أستراليا، و2.5 في المائة في كندا، مقارنة بأكثر من 14 في المائة في أمريكا.

محاربون جدد في الساحة السياسية

وستخرج البنوك المركزية من هذه الأزمة بدور أكبر في الأسواق والإشراف، سواء كان هذا صحيحا أم لا. وسيتحدى هذا عنصر آخر من إجماع ما قبل عام 2007: أن يتم إبعاد البنوك المركزية إلى أبعد حد ممكن عن السياسة. ويعزل الاستقلال الرسمي البنوك المركزية عن رغبة السياسيين بالتعامل مع التضخم دون منحه اهتمام كاف. وأحد أسباب جاذبية "أداة واحدة، هدف واحد" هو أنه جعل السياسة النقدية صراحة مسألة تقنية لا سياسية.

ويبدو الانقسام بين القطاع المصرفي المركزي والسياسة أقل وضوحا بكثير اليوم. فغالبا ما تتطلب السياسات غير التقليدية أن يقدم البنك المركزي قروضا قد لا يتم تسديدها بالكامل. ولأن دافعي الضرائب سيتحملون أية خسائر ناتجة عن ذلك، يجب أن يكون لوزارات المالية بعض النفوذ فيما يتعلق بهذا. وتخصيص الائتمان وتشديد الضوابط يجعل بعض الشركات فائزة وشركات أخرى خاسرة، لذا فهو يتطلب درجة أكبر من المساءلة العامة. ومع وصول أسعار الفائدة عند الصفر، يقوم مجلس الاحتياط الفيدرالي وبنك إنجلترا بشراء الدين الحكومي لزيادة كمية الائتمان والمعروض النقدي. ولكن قد تصبح الحكومات معتمدة على مثل عمليات الشراء هذه لتمويل عجز الميزانية. وهناك احتمالية امتداد النزاع السياسي إلى الخارج أيضا. وبعد أن خفض البنك الوطني السويسري أسعار فائدته إلى الصفر، اشترى العملات الأجنبية لتخفيض قيمة الفرنك السويسري. ووصف البعض هذا بتخفيض قيمة العملة التنافسي.
إن إدارة مثل هذه الصراعات مهمة حساسة. وقد حاول مجلس الاحتياط الفيدرالي ووزارة الخزانة تهدئة المخاوف عن طريق إصدار بيان مشترك يؤكد مسؤولية مجلس الاحتياط الفيدرالي وحده عن استقرار الأسعار. وكسر King الصمت الطويل حول السياسة المالية ليحذر الحكومة البريطانية من زيادة الدين الوطني سريع النمو.
ومن غير المرجح أن تضر مثل هذه التوترات بشكل خطير بوسائل الحماية المؤسسية التي تم بناؤها حول البنوك المركزية في العقود الماضية. وفي العام الماضي، عرقلت أحزاب المعارضة اليابانية تعيين مرشحين لرئاسة بنك اليابان على أساس أنهما غير مستقلين بما فيه الكفاية عن الحكومة. وهناك استثناءات: عدلت حكومة أيسلندا القانون بحيث تتمكن من طرد David Oddsson، رئيس بنكها المركزي. إلا أن Oddsson أشرف، بوصفه رئيس وزراء أولا ثم بوصفه محافظ البنك المركزي، على السياسات التي أدت إلى نشوء الأزمة في الدولة.
وقد أصبحت مناصب المصرفيين المركزيين أكثر أهمية مما كانت عليه قبل عام 2007. وفي الوقت نفسه، يتلقون المزيد من الانتقادات والتدقيق السياسي. وارتفعت مستويات عدم التأييد الشعبية، لا سيما بالنسبة لبيرنانك، وبنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي. وهم مضطرون للدفاع عن سياساتهم أمام الشعب وكذلك أمام الأسواق. وقد وافق بيرنانك على ظهور لقطة في برنامج "60 دقيقة" الإخباري يظهر فيها وهو يسير في الشوارع إلى مسقط رأسه. ووافق King على إجراء مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC لشرح التسهيل الكمي. وأجرى أعضاء المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، وهم ستة أعضاء، 200 مقابلة العام الماضي.
وبعد أن خفض بنك Riksbank سعر فائدته المستهدف إلى 0.5 في المائة في الحادي والعشرين من نيسان (أبريل)، سمح محافظه، Stefan Ingves، للجمهور بطرح الأسئلة في جلسة محادثة على الإنترنت. وحين سئل عن الشيء الذي يحبه أكثر في وظيفته، قال أستاذ الاقتصاد السابق إنه قادر الآن على تطبيق ما كان يدرسه نظريا. وأضاف: "من الممتع الذهاب للعمل كل يوم". وقد تتساءل عن عدد نظرائه الذين يتفقون معه في هذا الرأي.

الأكثر قراءة