التطاول في المساكن (1 من 2)

دعاني قبل عدة أيام أحد الزملاء إلى مسكنه الجديد، وخلال تبادل الأحاديث مع المدعوين أشاد أحدهم بكبر مساحة المجلس الرئيسي – الذي تمت استضافتنا فيه – والبالغ مساحته نحو سبعين متراً مربعاً، وأبعاده في حدود ستة أمتار في اثني عشر متراً، علماً أن عدد المدعوين في تلك الليلة لم يزد على عشرة ضيوف. وتتابع الحديث في الإشادة بالمساكن التي توجد فيها مجالس كبيرة وعناصر كثيرة وكبيرة، وأطنب بعض المدعوين في الحديث عن المساحة الإجمالية للمسطحات المبنية في مساكنهم أو مساكن بعض الذين يعرفون، وذكروا في حديثهم أنها تراوح بين 1200 و 1500 متر مربع. وتشعب الحديث عن عناصر المساكن ليتحدث بعضهم عن مساكن فيها أربع عشرة دورة مياه، أو أربعة مطابخ، وما لا يحضرني عدده من أجنحة النوم أو غرف النوم المستقلة بدورات مياه خاصة، وما شابهها من الأشياء التي يُعد وجودها ضرباً من ضروب المبالغة غير المقبولة في مسكن خصص لإقامة أسرة واحدة مكونة - في الغالب - من والدين مع أربعة أبناء أو خمسة.
وتذكرت في الحال دراسة علمية نشرت في مجلة عالمية متخصصة في الإسكان قبل أكثر من عشرة أعوام، ظهر فيها أن المسكن السعودي - الذي بلغ متوسط مساحته في حينها ما بين الأربعمائة والخمسمائة متر مربع – هو الأكبر مساحة بين جميع المساكن في العالم من ناحية المساحة الإجمالية، وأنه الأكثر عناصراً والأكثر أمتاراً فيما يخص كل فرد من أفراد الأسرة، وغير ذلك مما يبرز المبالغة في مساحة المساكن لدينا.
وعدت إلى المشاركة في النقاش الدائر بين المدعوين وذكرت لهم أن في مساكننا مبالغة كبيرة في المساحات، وربما إسرافا أو تطاولا منهيا عنه، وطلبت منهم إجراء عملية حسابية بسيطة لتقدير المساحة المخصصة من المسكن البالغ مساحته 1200 أو 1500 متر مربع لكل فرد من أفراد الأسرة البالغ عددها ستة أشخاص أو سبعة، حيث يتضح أنه يخصص لكل فرد من أفراد الأسرة مساحة تصل إلى مئتي متر مربع أو أكثر، وذكرت لهم في السياق نفسه أن متوسط مساحة الوحدة السكنية في سنغافورة – على سبيل المثال – يبلغ نحو مائة متر مربع، وأن متوسط المساحة المخصصة لكل فرد من أفراد الأسرة - على افتراض أن الأسرة تتكون فقط من الأب والأم وطفل واحد - سيكون في حدود ثلاثين مترا مربعا، أي: أن المساحة المخصصة للفرد الواحد لدينا تبلغ - على أقل تقدير - أكثر من ستة أضعاف المساحة المخصصة للفرد في سنغافورة.
فكان رد أحد المدعوين على ما ذكرت أنه لا تصح المقارنة بين مساكننا والمساكن في سنغافورة؛ لاختلاف العادات الاجتماعية والتقاليد بين المجتمعين، وأردف مستشهداً بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي ورد فيه "أن من سعادة المرء المسكن الواسع"، وحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - حق بلا شك، ولكن الأمور لا تقاس بهذا الشكل...
ونظراً لانتهاء المساحة المخصصة للمقالة فاعذروني للتوقف، مع الوعد بأن يتم تفنيد هذه القضية والرد عليها في الأسبوع المقبل إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي