دعوني وإياها ؟!
هي محبوبة لا يمل الولهان انتظارَها، فإذا تلاقيا مرت الأوقات أسرع، يتودد أحدهما للآخر بما استطاع، إن تكلمت أصغى، وإن مالت هالت، ليس بحرامٍ على العاشق يترنم لسانــُهُ بوصفِ كوامِنِها. محبوبتي (اللغة العربية) لغةٌ تشرَّفتْ بتردُّدِ القرآنِ على حروفِـها، وبـِالتفافِ معانيــِه حولَ أساليبِ بلاغتــِها، ومن هنا سعى العربُ قديماً وبلغوا في تحقيقِ مُرادِهم من صَونِ هذه اللغةِ بجميعِ فُروعِها وأخصِّها النحو من خلالِ ما ابتدَعَهُ أبو الأسودِ الدُّؤَليُ من تقعيدِ أصولــِها وشواهِدِها، وبما تابَعَهُ عليهُ المتأخرون من تَسْمِـيْكِ سِياجـِها، وتعظيم شأنـها. وتتجلى مُهمَّتُنا اليوم في تجديد الميثاقِ الـمُـلقى علينا تجاهَ بنت العروبة ؛ رعايةً وتعليماً تحدُّثاً بها واعتزازاً، لأنها (لغتــُنا التي حفظَتْ علينا شخصيتَنا عبَر التاريخ، وربطت شعوبَ أمتِنا برِباطِها الوثيقِ، وقرَّبتْ بين أمزجةِ مواطنِينا ومشاعِرِهم، وواءمتْ بين تقاليدِهم وأفكارِهم. وهي الحصنُ الحصينُ الذي لاذَ به العربُ طوالَ خمسةَ عشرَ قرناً، فصان كيانـَـهُم من أن يتمزَّقَ، وحفظَ شملَهُم مِن أن يتفرَّق.. ووحَّد كلمتَهُم على دفعِ العُدوانِ كُلَّما تعرَّضُوا للعدوان. وهي مُهمَّةٌ قرآنيةٌ أوْكَلَهَا اللهُ إلينا؛ لأنَه باستجلابــِها والمنافحةِ عنها نَمْلِك مفتاحاً نَعِيْ بهِ التكاليفَ إذ هي: مِن الدِّينِ، ومعرفتُها فرضٌ واجبٌ، فإن فَهمَ الكتابِ والسنةِ فرضٌ، ولا يُفهمُ إلا بفهمِ اللغةِ العربيةِ، وما لا يتمُّ الواجبُ إلا بهِ فهو واجبٌ. وقد ذكر الثعالبُّي ـ رحمه الله ـ ما نصُّهُ (من أحبَّ الَله تعالى أحبَّ رسولَه محمداً، ومن أحب الرسولَ العربيَ أحبَّ العربَ، ومن أحب العرب أحب العربيةَ التي نزل بها أفضلُ الكتبِ على أفضلِ العربِ والعجم. والعربيةُ خيرُ اللغاتِ والألْسِنَةِ، والإقبالُ على تفهُّمِها من الدِّيانةِ، إذ هي أداةُ العلمِ، ومفتاحُ التفقُّه في الدينِ). أما النحوَ فهو يصونُ اللسانَ عن اللحنِ ؛ إذ غالباً ما يَصرِفُ المعنى المبتغى وينحرُ بلاغَتَه، ويذهبُ بجمال المبنى، فيُهان بذلك "عنترةُ وطَرَفةُ، وابنُ آكلِ المَرارِ والحجاجُ، والمتنبئُ والعشماوي" وقد يَعترِضُ اللحنُ الكلامَ بعذرٍ ــ وهو كثيرٌ ــ ولكن إياك وأن تجعلَه دَيْدَنــَكَ، وعلامةً فارقةً لك، فقد بيَّن الجاحظُ أن اللحنَ قد يكون مُحتاجاً إليه، ولكن مِمَّن ؟؟
قال (واللحن من الجواري الظِّرافِ ومن الكَواعبِ النَّواهدِ ومِن الشَّوابِّ الِملاحِ ومن ذواتِ الخُدورِ الغرائِرِ، أيسرُ. ورُبَّما اِستَملَحَ الرجلُ ذلك منهن، ما لم تكن الجاريةُ صاحبةَ تكلُّفٍ..).
ورغم هذه المكانة انبرى للغةِ العربية أعداءٌ هَمْهَمُوا حولَ تركيبــِها بتعقيدِهِ، فقذفوها بالرجوع، شريفةً مِنهُ جُملُها ومفردُاتها، وحكموا عليها بالشـَّنقِ بريئةً من تُهمِهِم قواعدُ نحوِها وصرفِها، قُضاة محكمتها "وَيْلَمُور، وليم وِلكوكس، سلامة موسى " وغيرهم، فشدُّوا الوَثاق فلا مَنَّ ولا فِداء، ورغمَ هذا كُلِّه تصدَّى المصلحونَ لردِّ الكيدِ الأحمرِ" الإنجليزي، والفرنسي " وغيرهما ؛ ليحفظوا البقيةَ الباقيةَ من تراثـِـنا.
ولكن عزاءنا : أن العربية من القرآن ؛ وقال الله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، ومن أبرز سبل التمسك باللغة العربية:
1. إدامة النظر في القرآن الكريم وحفظه.
2. مدارسة قواعدها وبلاغتها مع شعراء الجاهلية وصدر الإسلام.
3. اهتبال الفرص للتحدث بها، والحديث عنها.
حفظ الله علينا ديننا ولغتنا.
عضو في الجمعية الفقهية السعودية في كلية الشريعة