إصلاح الرعاية الصحية

إصلاح الرعاية الصحية

لطالما كانت التكنولوجيا متهمة بارتفاع التكاليف الصحية بصورة خارجة عن السيطرة، وقد تساعد الآن على تخفيضها.

مع تزايد الشيخوخة والأمراض في العالم المتقدم، وتزايد الثراء والصحة في العالم النامي، سيزيد الطلب على الرعاية الصحية. وينبغي للحكومات التكيف مع ذلك. ويريد باراك أوباما أن يضم 46 مليونا أو نحو ذلك من الأمريكيين الذين لا يملكون تأمينا في النظام الصحي غير الموثوق للدولة. وكشف قادة الصين عن خطة بقيمة 120 مليار دولار لتوسيع التأمين الصحي لفقراء الدولة. ولدى عديد من الدول النامية مخططات مماثلة.
والعائق أمام ذلك هو التكلفة. وتكافح الأنظمة الصحية في أوروبا الغربية، التي تقدم بالفعل تغطية شاملة، للتغلب على مشكلة ارتفاع التكاليف. ووفقا لمكتب الميزانية في الكونجرس، سيزيد برنامجيا Medicare وMedicaid، المخططين الحكوميين الأمريكيين للمسنين والمعوزين، من 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2007 إلى 12 في المائة عام 2050- حيث إن ثلاثة أرباع الزيادة هي نتيجة تضخم التكاليف، وليس نسبة المسنين بين السكان.
وكثير من هذه التكاليف الإضافية هي نتيجة التكنولوجيا الجديدة - وهو أمر غريب ففي معظم الصناعات الأخرى، تساعد التكنولوجيات الأكثر إنتاجية على تخفيض التكاليف: فمثلا حل برنامج معالجة الكلمات محل الآلة الكاتبة، وتم استبدال التلكس بالفاكس (ثم بالبريد الإلكتروني). ويحدث هذا في الطب، حيث وفرت العلاجات الجديدة لمرضى القلب والأوعية الدموية وللأطفال الرضع الذين ولدوا بوزن قليل منافع تفوق بكثير تكاليفها. ولكن هذا لا يحدث بصورة كافية. فإما أن يتم مواصلة استخدام المعدات القديمة (لن تستبدل آلة تصوير فاخرة جهاز الأشعة السينية القديم) أو يتم دفع كثير لقاء "ابتكارات" غير مجدية: مثل الأموال التي يتم إنفاقها على أحدث الأدوية المقلدة عن أدوية ناجحة ولكنها ليست متفوقة عليها، حين تكون النسخ الجنيسة من الأدوية متوافرة.
وتختلف أسباب ذلك من دولة لأخرى، إلا أن هناك شيئين يبرزان بصورة متكررة: أنظمة الدفع المشوّهة (نادرا ما يدفع الطبيب الذي يصف الدواء المكلف ثمن عدم كفاءته) وعدم وجود منافسة صحيحة. وغالبا ما يتوقع مصنعو الأجهزة الطبية سداد ثمن المعدات الجديدة الباهظة على أساس "التكلفة المضافة"، وهي ممارسة نادرا ما تتم في الأسواق التنافسية، وتشكل شركات الأدوية احتكارات مؤقتة على الأدوية الجديدة التي قد لا تكون أفضل من البدائل الرخيصة المتوافرة في السوق اليوم. وقد تجنبت هذه الصناعة إلى حد كبير تحليل عائد التكلفة الأساسي.
ويبدو أن التغيير قد يكون بدأ أخيرا. وهو مدفوع جزئيا بمجموعة من تقنيات المعلومات والاتصالات التي من المفترض أن تجعل الرعاية الصحية أكثر دقة وشخصية. ومن المفترض أن يؤدي انتشار السجلات الطبية الإلكترونية وظهور "شبكة ذكية" للطب (بحيث يستطيع الأطباء، وأحيانا المرضى، من رؤية ما يفعله نظراؤهم) إلى زيادة الشفافية. ويجب أن تكون "الأدوية الذكية"، التي يتم تصنيعها لتتناسب مع احتياجات الناس أرخص من نوع الأدوية التي تناسب الجميع، خاصة إذا لم تكن الجرعات تعتمد على قدرة الإنسان على تذكر أوقاتها. ومن المفترض أن تسهّل أجهزة المراقبة الطبية الشخصية وغيرها من الأجهزة معالجة الأمراض المزمنة المكلفة التي تدوم لسنوات، مثل السكري وتشوّهات القلب، على أساس وقائي. ويمكن رصد دقات القلب في المنزل عن بعد بدلا من الاضطرار إلى الذهاب لإجراء فحوص طبية، ويمكن اكتشاف المشاكل مقدما، وبالتالي تجنب حالات الإدخال في المستشفى التي تكون تكاليفها باهظة.
وهذا التغيير مدفوع أيضا باستعداد الأطباء والسياسيين، خاصة في الدول الأكثر فقرا، بتطبيق بعض الاختبارات الاقتصادية على الأقل على الإنفاق الطبي. والهند هي أحد الأمثلة، حيث يضطر المرضى الفقراء غالبا إلى دفع ثمن الرعاية الصحية: قد يتم نسخ تقنياتها ونماذج عملها في العالم المتقدم. وهناك أيضا المعهد الوطني للصحة والتميز الطبي السريري في بريطانيا، الذي يدافع عن استخدام التقييمات الاقتصادية الأساسية، وإن بطريقة مركزية مفرطة. ويريد أوباما زيادة دراسات الفعالية المقارنة وتقييمات التكنولوجيا الصحية. وتبدو تلك مملة، ولكنها قد توفر المليارات، وهو أحد الأسباب التي تجعل شركات الرعاية الصحية تشتكي منها.

القوة للشعب

وقد يؤدي وصول الطب الرقمي إلى زعزعة المؤسسة الطبية من جذورها، خاصة لأنها ستوفر معلومات أكثر بكثير إلى المرضى أنفسهم. إلا أن أكبر المدخرات لن تأتي عن طريق الأدوية الغريبة أو "تمكين المرضى"، بل من تطبيق الأسس الاقتصادية. وسيتمكن أوباما من قطع شوط كبير في تحقيق هذا إذا أعاد ترتيب الحوافز في الرعاية الصحية، بحيث تركز الابتكارات على تحسين صحة المرضى وتخفيض تكلفة الرعاية الصحية.

الأكثر قراءة