ساركوزي الخارق يسقط إلى الأرض
الرئيس المندهش من مدى نطاق عدم شعبيته.
بحسب معظم المقاييس، من المفترض أن نيكولا ساركوزي يعاني ركودا جيدا. فقبل وقت طويل من حدوث الانهيار، كان الرئيس الفرنسي قد دعا إلى وضع حد للتجاوزات الرأسمالية، وهي نداءات تم الاستهزاء بها في ذلك الوقت ولكنها تبدو اليوم متبصرة. فالاتجاه السائد اليوم يميل نحو تشديد الأنظمة المصرفية والمزيد من تدخل الدولة على الطريقة الفرنسية. ولم تضطر الحكومة (بعد) إلى إنقاذ أي من البنوك الفرنسية الكبرى. والشعب الفرنسي ليس غارقا في الديون. وصحيح أن الاقتصاد الفرنسي تضرر ولكن بدرجة أقل من معظم الاقتصادات المجاورة. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي مقرها باريس أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.3 في المائة هذا العام، مقارنة بنسبة 3.7 في المائة في بريطانيا ونسبة 5.3 في المائة في ألمانيا. إلا أن مزاج الناخبين الفرنسيين متقلبا، لذا ليس من المستغرب أن ساركوزي فقد شعبيته في فرنسا.
وفي الواقع، انخفضت مستويات تأييد الرئيس بواقع نقطتين مئويتين إضافيتين لتصل إلى 36 في المائة في نيسان (أبريل)، وفقا للمسح الشهري لمعهد TNS-Sofres. فقد حصل على دفعة صغيرة فقط بعد قمة مجموعة العشرين في لندن، مع أن الصحافة الفرنسية فسرت القمة بوصفها نجاحاً فرنسياً - ألمانياً. وتراوح مستويات تأييده عند مستوى أدنى بكثير من المستويات المرتفعة لشعبيته التي تمتع بها خلال الأشهر الستة الأولى من رئاسته عام 2007. وفي استطلاع للرأي تم إجراؤه أخيرا، عبر عدد أكبر من المجيبين عن ثقتهم بقدرة النقابات العمالية على تخفيف آثار الركود أكثر من ثقتهم بساركوزي لتحقيق ذلك. والمحبط أكثر هو أن الاستطلاع الذي أجري أخيرا، والذي أظهر تراجع شعبية ساركوزي بواقع ست نقاط أخرى أظهر أيضا أن سلف ساركوزي، جاك شيراك، يحظى بشعبية أكبر.
كيف يمكن تفسير ذلك؟ أحد الأسباب هو الأداء الاقتصادي المطلق. فمع الأخبار المسائية اليومية التي تبلغ عن فقدان الوظائف وإغلاق المصانع، فإن معرفة الفرنسيين أن اقتصادهم لا يتقلص بسرعة تقلص اقتصاد ألمانيا نفسها ليس مصدر ارتياح لهم. ولعل الناس لم يأخذوا قروضا عقارية ضخمة ولا يعانون فواتير ضخمة غير مسددة للبطاقات الائتمانية، إلا أن تأثير التباطؤ العالمي لا يزال واضحا وملموسا. وعادت البطالة لتصبح ثانية أكبر مصدر قلق للناخبين؛ وبلغت نسبة البطالة 8.6 في المائة في شباط (فبراير)، أي أعلى بكثير من متوسطها في الاتحاد الأوروبي. وينتشر الغضب من حقيقة أن العمال العاديين يدفعون الثمن بوظائفهم مع أن فرنسا تعاني أيضا فضائح خاصة بها فيما يتعلق برواتب المديرين التنفيذيين، مثل زيادة الراتب بنسبة 180 في المائة، لتصبح 1.3 مليون يورو سنويا، التي يأخذها Jean-Francois Cirelli، المستشار الحكومي السابق الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس شركة GDF-Suez العملاقة للطاقة.
وينسب الناخبون بعض الفضل لساركوزي بسبب معاملته في البداية للأزمة المالية. ولكن مع انتشار الركود، ساد الشعور بخيبة الأمل. وهم يعانون صعوبة في المطابقة بين صورة رئيسهم النشط وعدم الكفاءة الواضحة في مواجهة الأزمة العالمية. ولا يعود ذلك لانعدام رغبته في المحاولة. فقد تعهد الرئيس بإنقاذ مصنع Caterpillar للأجهزة في Grenoble ومصنع Continental للإطارات في Picardy؛ وتريد الحكومة الإبقاء على شركة Heuliez، التي تصنع قطع غيار السيارات وتوظف ألف عامل. إلا أن الناخبين بدأوا يشعرون بالقلق من الوعود، ويعود ذلك جزئيا إلى كون ساركوزي يقدم وعودا أكثر مما يستطيع الوفاء به. ففي العام الماضي، حين أعلنت Arcelor-Mittal إغلاق جزء من مصنع الفولاذ في Gandrange شرق فرنسا، سارع إلى الموقع ووعد بإبقاء المصنع مفتوحا - إلا أن الشركة أغلقته على أية حال، وتم فقدان 575 وظيفة في المصنع.
وهناك تفسير آخر، وهو أن ساركوزي لم يعد يهيمن على الدبلوماسية الدولية كما كان حين كانت فرنسا تترأس الاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من عام 2008. فقد أحب الفرنسيون الطريقة التي كان رئيسهم النشط منهمكاً على الدوام في العمل الدبلوماسي، جائلا من جورجيا إلى الشرق الأوسط، حيث جعل فرنسا مهمة مرة أخرى في العالم. وحتى الآن، تظهر الاستطلاعات أن الناخبين يوافقون على الطريقة التي يدافع بها ساركوزي عن المصالح الفرنسية في الخارج، مع أن معظمهم لا يزال متشككا من قدرته على فعل الكثير لإنقاذ الوظائف في الوطن.
وثمة عامل آخر، وهو المزاج المتوتر عموما في جميع أنحاء الدولة. ولا يلوم الناخبون ساركوزي بالكامل على هذا، ولكنهم لا يستلهمون الثقة به. وليس جديدا حب الفرنسيين بالانطلاق إلى الشوارع للاحتجاج، حيث غالبا ما يتم نقلهم إلى العاصمة عن طريق عربات تستأجرها النقابات. وفي هذا العام، كان هناك يومان من احتجاجات الشوارع الضخمة والإضرابات، احتشد في أحدها ثلاثة ملايين شخص من جميع أنحاء الدولة. وللمرة الأولى في الأول من أيار (مايو)، يوم العمال، دعت جميع النقابات العمالية الرئيسية إلى يوم عمل مشترك.
وقد تكون الأرقام هائلة. إلا أن الحكومة تعد جميع الاحتجاجات المنظمة طريقة طبيعية، بل ومفيدة، للتنفيس عن الإحباط. وما أثار القلق هو انتشار المزيد من الاحتجاجات المتفرقة. ومن الأمثلة تفشي حالات اختطاف - أو حجز الرؤساء رهينة في مكاتبهم - رؤساء الشركات، الذين يتم احتجازهم من قبل الموظفين في مكاتبهم طوال الليل. وتسببت الاحتجاجات الطلابية في إغلاق بعض الجامعات وإلغاء المحاضرات لأسابيع طويلة. وحاصر صيادون الأسبوع الماضي موانئ Boulogne وCalais وDunkirk بالقوارب وحواجز الإطارات المحترقة. وهذه الحوادث ليست مرتبطة. ولكنها تبدو جميعها مشروعة في نظر الناخبين: قال 64 في المائة من المجيبين عن أحد الاستطلاعات Yنه لا يجب معاقبة مرتكبي هذه الأعمال، بمن فيهم مختطفو رؤساء الشركات.
والأهم من ذلك، يخشى أن تأخذ الأمور منحى بشعاً عند أقل استفزاز. وأخيرا، قال Henri Guaino، أحد مساعدي ساركوزي في الإليزيه، على التلفزيون إن "المخاطر السياسية مرتفعة جدا، وخطر العنف والثورة كبير جدا". وفي إشارة إلى ثورة الفلاحين عام 1358، يصف Nicolas Baverez، المعلق الاقتصادي، هذا بأنه استثناء فرنسي. فهو يقول إن فرنسا تستجيب بصورة سيئة للصدمات الاقتصادية، ويعود ذلك جزئيا إلى عدم وجود مؤسسات تحت الدولة. ويساعد هذا على تفسير شعبية العمل المباشر، والسبب الذي يجعل الاحتجاجات تصبح متطرفة بسرعة أكبر مما في الدول الأخرى.
وتستعد الحكومة لمواجهة فصل الربيع الذي سيكون صعبا، وهو الموسم التقليدي للاستياء الفرنسي. وما يريح ساركوزي بعض الشيء هو أن الناخبين يعتقدون أن المعارضة الرئيسية لا تتمتع بالمصداقية أيضا. والاشتراكيون منقسمون كما هم دائما، حتى تحت رئاسة زعيمهم الجديد، Martin Aubry. ولا تزال Segolene Royal، المرشحة الرئاسية للحزب التي منيت بالهزيمة عام 2007، تجول هنا وهناك كما لو أنها ما زالت في حملتها. وإذا كان أداء أي حزب معارض جيدا في الانتخابات الأوروبية في حزيران (يونيو)، فسيكون من الوسط بقيادة Francois Bayrou، أو المجموعة اليسارية المناهضة للرأسمالية بقيادة Olivier Besancenot، وليس الاشتراكيين.
ولعل هناك شيئاً آخر يشعر الرئيس ببعض الراحة. فساركوزي قد لا يكون شعبيا ولكن مستويات تأييده لا تزال أعلى بكثير من المستويات المتدنية التي وصلت إليها مستويات تأييد شيراك. وفي عام 2006، مع انتشار الاحتجاجات الطلابية في جميع أنحاء الدولة، انخفضت مستويات تأييد شيراك بدرجة كبيرة لتصل إلى 16 في المائة. ولا يزال أمام ساركوزي بعض الوقت قبل أن تنحدر مستويات تأييده إلى هذا المستوى المنخفض.