مأوى أم عبء؟
تبدو المنافع الاجتماعية لملكية المنازل أكثر تواضعا مما كانت عليه فيما تبدو التكاليف الاقتصادية لذلك أعلى بكثير.
في أحد مشاهد فيلم It's a Wonderful Life يهم الزوجين السعيدين بدخول منزلهما الجديد. ويقول Jimmy Stewart الذي باعت شركته القرض العقاري للزوجين، إن "الرجل يشعر بحاجة أساسية إلى امتلاك منزل خاص به". ويقدم لهم الخبز والملح والمشروبات لكي "يسود الفرح والازدهار حياتهم إلى الأبد".
ويجسد هذا موقف العالم الأنجلو - ساكسوني تجاه ملكية المنازل. ويعتقد أن امتلاكهم منزلا خاصا بالمرء مفيد للعائلات، لأنه يساعدها على تجميع الثروة. وهو مفيد للاقتصاد لأنه يشجع الناس على الادخار. وهو مفيد للمجتمع لأن مالكي المنازل يستثمرون المزيد من المال في أحيائهم، ويشتركون بصورة أكبر في الأنشطة المدنية، ويشجعون أطفالهم على تحسين أدائهم في المدرسة مما يفعل الأشخاص الذين يستأجرون المنازل. وباختصار، فإن ملكية المنازل مفيدة للجميع - وليس فقط لمالك المنزل - وكلما زاد عدد مالكي المنازل، كان ذلك أفضل. وهذا هو السبب الذي يدفع الحكومة على تشجيع ذلك. وفي أمريكا، أيرلندا، وإسبانيا، يمكن لمالكي المنازل اقتطاع دفعات فائدة القرض العقاري من الدخل الخاضع للضريبة.
إلا أن الانهيار في جميع أنحاء العالم يرتبط بصورة وثيقة بهذه المعجزة المفترضة للسياسة الاجتماعية. فقد بدأت الكارثة مع تزايد حالات التخلف عن سداد القروض العقارية سيئة الائتمان في أمريكا، وهي أداة مالية تهدف إلى توسيع نطاق ملكية المنازل بين الفقراء. وتسارعت الأزمة بعد فشل مؤسستي Fannie Mae وFreddie Mac، اللتين ترعاهما الحكومة واللتين توفران قروضا منزلية رخيصة. ونتيجة لذلك، انخفض معدل ملكية المنازل في أمريكا لمدة أربع سنوات، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا منذ ربع قرن. وفي عام 2008، خسرت 2.3 مليون عائلة منازلها أو واجهت حبس الرهن - ضعف المتوسط قبل الأزمة - ما خفض معدل ملكية المنازل من 69 في المائة عام 2004 إلى 67.5 في المائة في نهاية عام 2008. وانخفض كذلك عدد المساكن التي يسكن فيها مالكوها في بريطانيا عام 2007 - 2008 للمرة الأولى منذ الخمسينيات.
قلاع مدعومة
وهكذا، أسهمت محاولات زيادة ملكية المنازل في توسيع نطاق الأزمة الاقتصادية دون أن تنجح بحد ذاتها. فكيف يؤثر هذا في الحجج الداعمة لملكية المنازل؟ وهل يجب أن تظل تعتبر سلعة عامة؟
يقول العديد من الاقتصاديين والمعلقين إنه لا يجب ذلك. وقد كتب Paul Krugman، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008: "بالنظر إلى الطريقة التي تفضل بها السياسة الأمريكية امتلاك المنازل على استئجارها، يمكن الجزم بأن هناك الكثير جدا من مالكي المنازل في أمريكا". ويتحدث Edward Glaeser الاقتصادي في جامعة هارفارد، عن "جنون تشجيع الأمريكيين على المراهنة بكل شيء على المساكن".
ولم يتأثر صنّاع السياسة حتى الآن. ففي منتصف شباط (فبراير)، اقترح باراك أوباما خطة بقيمة 275 مليار دولار لدعم سوق الإسكان في أمريكا. وفي خارج المنطقة الأنجلو - ساكسونية، قام نيكولا ساركوزي، الذي خاض حملته الرئاسية لتحويل فرنسا إلى ديمقراطية مالكة للعقارات، بتوسيع قروض الإسكان بأسعار فائدة تبلغ الصفر للفقراء.
والحجة الاقتصادية الرئيسية الداعمة لملكية المنازل هي، على حد تعبير Thomas Shapiro من جامعة Brandeis، "أنها أهم وسيلة حتى الآن يمكن من خلالها للعائلات تجميع الثروة". وتبدو هذه الحجة ضعيفة الآن بقدر ضعف أسعار المنازل.
وفي بريطانيا، انخفضت الأسعار بنسبة 12 في المائة منذ ذروتها في تشرين الأول (أكتوبر) 2007. وانخفضت الأسعار في أمريكا بصورة أبطأ ولكن بنسبة أكبر، حيث انخفضت بنسبة 30 في المائة منذ ذروتها في منتصف عام 2006. وتسبب هذا بانخفاض القيمة الإجمالية لمخزون المنازل في الدولة، من أكثر من 22 تريليون دولار عام 2007 إلى 19 تريليون دولار في نهاية عام 2008. وفي الأسابيع القليلة الماضية، شهدت أسواق الإسكان على جانبي الأطلسي بعض علامات الحياة، إلا أن الاحتمالات كبيرة أن تنخفض الأسعار أكثر قبل أن تصل أخيرا إلى أدنى مستوى لها.
إن انهيار أسعار المنازل مهم بصورة مباشرة لمجموعتين متداخلتين: أولئك الذين اشتروا عقاراتهم في ذروة السوق ويواجهون الآن "الملكية السلبية"؛ وأولئك (في أمريكا) الذين أخذوا القروض العقارية سيئة الائتمان. ويعاني نحو عشرة ملايين أمريكي الملكية السلبية - أي أن تكلفة قروضهم العقارية أكبر قيمة منازلهم. وفي بريطانيا، يعاني نحو 3 في المائة من العائلات من الملكية السلبية. وبالنسبة لمالكي المنازل، فإن الملكية السلبية تجعل المنازل أشبه بفخ لا بوسيلة ادخار. فأولئك الذين لا يستطيعون تسديد دفعاتهم يخسرون منازلهم ومدخراتهم ويخسرون (في أمريكا عادة) تصنيفهم الائتماني لمدة سبع سنوات.
والمجال الآخر الذي تشتد فيه المعاناة هو القروض العقارية سيئة الائتمان، التي زادت حصتهم من سوق القروض العقارية الأمريكية من 7 في المائة عام 2001 إلى أكثر من 20 في المائة عام 2006. ووفقا لجمعية مصرفيي التمويل العقاري، بلغ معدل التأخر 22 في المائة في الربع الأخير من عام 2008، مقارنة بنسبة 5 في المائة فقط للقروض ذات الائتمان الممتاز. وكما يقول Krugman، خلص العديد من الناس إلى أن "ملكية المنازل ليست للجميع". إلا أن الدراسة التي أجراها مركز Centre for Community Capital، وهو جزء من جامعة نورث كارولينا، في Chapel Hill، تلقي ظلال الشك على هذا الاستنتاج. فقد قارنت بين مجموعة من الأشخاص الذين أخذوا قروض سيئة الائتمان وبين مجموعة من المقترضين من برنامج Community Advantage Programme (CAP)، المخطط الذي تدعمه الحكومة والذي يقرض لأشخاص ربما كان لديهم قرض عقاري سيئ الائتمان. وكان معدل التخلف عن السداد لمقترضي برنامج CAP ربع النسبة فقط لأولئك الذي أخذوا قروضا عقارية سيئة الائتمان، مع أن دخول وخلفيات المقترضين كانت متشابهة. وبما أن المشكلة الحقيقية تكمن جزئيا في القروض العقارية، وليس في المقترضين، فهذا يوحي بأن أزمة سوء الائتمان كانت فوضى في السوق المالية، وكذلك فوضى إسكانية.
هل يعني هذا أيضا أن لملكية المنازل المنافع الاقتصادية التي يزعم أنصارها أنها تحققها؟ يبدو أن هناك دليلين يؤيدان وجهة النظر هذه. الأول هو أن أداء الإسكان أفضل في الأزمة الحالية من أداء أصول أخرى. فأسعار الأسهم أدنى بنحو 50 في المائة عن ذروتها في العديد من الدول، لذا مقارنة بأصحاب الأسهم، لم يكن حال مالكي المنازل سيئا بشكل كبير. إلا أن هناك عيبا واحدا كبيرا في ملكية المنازل خلال فترة الانكماش: يشتري معظم الناس الأسهم ويدفعون ثمنها فورا، أما المنازل فيتم شراؤها على الهامش (أي وضع حصة صغيرة، إذا تم دفع شيء). وإذا انخفضت أسعار الأسهم بنسبة 10 في المائة، يخسر المرء 10 في المائة، ولكن إذا انخفضت أسعار المنازل بنسبة 10 في المائة، فقد يخسر كل مدخراته. وقد انخفضت قيمة حصة مالكي المنازل الأمريكيين في منازلهم من ذروتها البالغة 12.5 تريليون دولار عام 2005 إلى 8.5 تريليون دولار فقط في نهاية عام 2008. ويقوض هذا الادعاء الذي يقول إن امتلاك المنازل مفيد من الناحية الاقتصادية.
والدليل الآخر على فوائد ملكية المنازل هو أن انخفاض أسعار المنازل أنقذ حتى الآن معظم مالكي المنازل الحاليين من تكبد خسائر مطلقة. ففي أمريكا مثلا، انخفضت أسعار المنازل لتصل إلى مستواها لعام 2004 فقط. وكان يتم عقد نحو 29 مليون صفقة بيع منازل في الولايات المتحدة بين الأعوام 2004 و2007. ولا شك أن أي شخص اشترى قبل 2004 حقق ربحا اسميا. ولكن كما يشير Martin Feldstein من جامعة هارفارد، فإنه إذا ارتفعت أسعار المنازل، يشعر الناس بأنهم أكثر ثراء ويقترضون وينفقون بصورة أكبر. وإذا شعروا أنهم أكثر فقرا، قد يخفضون الإنفاق حتى لو لم تنخفض أسعار منازلهم لتصبح أقل من السعر الذي دفعوه.
وبالتالي، أسهمت إعانات ملكية المنازل في زيادة التقلب الاقتصادي. وزادت الاستهلاك أيضا، حيث كان مالكو المنازل يستخدمون منازلهم كضمان لتمويل الاستهلاك أو الاستثمار. وفي أمريكا، بلغ الاقتراض بضمانة القيمة الحقيقية للمنازل تسعة تريليونات دولار بين الأعوام 1997 و2006 - أي ما يعادل 90 في المائة من الدخل المتاح عام 2006. ومنح هذا مالكي المنازل المزيد من المال لإنفاقه في الأوقات الجيدة ولكن أموالا أقل لإنفاقها في الأوقات السيئة. وفي بريطانيا، أضاف الاقتراض بضمانة القيمة الحقيقية للمنازل ما يعادل 3 في المائة من الدخل بعد احتساب الضريبة للعائلات في الربع الأخير من عام 2007 ولكنه طرح 3 في المائة سنويا بعد ذلك. وبالتالي فإن التغييرات في أسعار المنازل تسهم في تفاقم الدورة الاقتصادية. وقد وجدت الأبحاث الأخيرة التي أجراها صندوق النقد الدولي أن ربع حالات الركود منذ عام 1960، البالغ عددها 100، مرتبطة بفترات انخفاض أسعار المنازل وأن هذه الانكماشات "أعمق وتستمر لمدة أطول من حالات الركود الأخرى".
وساعدت إعانات ملكية المنازل أيضا على إضعاف الخدمات المالية. فقد شجعت المزيد من الناس على شراء المنازل (وهذا كان الهدف)، ولكنها بطبيعة الحال شجعت أيضا المقرضين على تحمل مخاطر أكبر في مجال الإسكان. ولا بأس بهذا حين تكون أسعار المنازل مرتفعة، إلا أن انخفاضها كشف مدى ضعف ميزانيات البنوك.
علاوة على ذلك، إذا كانت السياسة العامة تهدف إلى إيجاد الثروة، فهناك طرق أخرى للقيام بذلك. ويمكن للناس مثلا استثمار مدخراتهم في سوق الأسهم واستئجار منازلهم. ولو فعلوا ذلك خلال العامين الماضيين، لكان أداؤهم أسوأ من أصحاب المنازل. ولكن لمدة ثلاثة عقود قبل ذلك، كانت أسعار الأسهم تتجاوز كثيرا أسعار العقارات، لذا فإنه على المدى الطويل فإن الأسهم رهان أفضل من المنازل. (لا يمكن إنكار أن هذا يزيل تأثيرات أرباح الأسهم والإيجارات التقديرية، التي هي لصالح العقارات). ويعاني الإسكان نقطتي ضعف أيضا بوصفه استثمار. فهو يستنزف بصورة غير متناسبة كميات كبيرة من الأموال، مما يتناقض مع الفكرة القائلة إن على المستثمرين التنويع: في أمريكا، تشكل الأسهم المرتبطة بالمنازل 45 في المائة من صافي قيمة العائلة العادية. كما أنها لا توفر السيولة. فلا يمكن مثلا بيع غرفة أو اثنتين إذا احتاج المرء لجمع المال، في حين يمكن بيع عدة أسهم عند الحاجة. ومن الصعب القول إن المنازل هي أفضل الأصول لبناء الثروة.
ويقول Richard Green من جامعة ساوث كاليفورنيا: "لعل الحجة الأكثر إقناعا التي تؤيد وجهة النظر القائلة إن الإسكان وسيلة لجمع الثروة، هو أنه يمنح العائلات آلية للتخلف عن السداد لتحقيق وفورات". ولأن الناس مضطرة لسداد القرض العقاري، فهم يزيدون الاقتراض بضمان منازلهم ويوفرون أكثر مما قد يدخرونه في ظروف أخرى. وهذه حجة قوية في الواقع: وجدت بحوث العلوم الاجتماعية أن الناس تزيد معدل الادخار إذا فعلوا ذلك تلقائيا بدلا من الاضطرار لوضع مبلغ من المال جانبا كل شهر.
إلا أن هناك وسائل أخرى لإيجاد "وفورات التخلف عن السداد"، مثل أن تقدم الشركات خصومات تلقائية على خطط التقاعد. وعلى أية حال، كانت بعض العلاجات المالية العقيمة التي تم الترويج لها في ذروة فقاعة الإسكان مضرة بالادخار. فقد سمحت القروض العقارية سيئة الائتمان، وتلك التي يسدد فيها المقترض الفائدة على المبلغ الأصلي فقط وغيرها من أدوات القروض العقارية للناس بشراء منازلهم دون دفعة أولى ودون بناء قيمة حقيقية لمنازلهم. ويسمح "الإهلاك السلبي" للناس بدفع جزء من الفائدة فقط كل شهر وإضافة الباقي إلى مبلغ القرض الأصلي، ما يزيد ديونهم بدلا من زيادة مدخراتهم. والاقتراض بضمان المنازل له التأثير نفسه.
حيثما يوجد القلب
إلا أن الحجج الرئيسية المؤيدة لملكية المنازل ليست اقتصادية في المقام الأول، بل اجتماعية. ويقول أولئك الذين يريدون توسيع نطاق ملكية المنازل إنه يفيد المجتمع لأنه يشجع قيام مجتمعات مستقرة أكثر التزاما بالقوانين؛ ويزيد احتمالية أن يصوت الناس في الانتخابات المحلية والانضمام للنوادي؛ ويفيد الأجيال المستقبلية لأن أداء أطفال مالكي المنازل في المدارس، كما تبين، أفضل كما أن المشكلات السلوكية التي يعانوها أقل منها لدى أطفال مستأجري المنازل.
وظاهريا، يبدو الدليل على هذه المزاعم قويا. ففي أمريكا، فإن احتمالية أن ينتقل أصحاب المنازل أقل من احتمالية انتقال المستأجرين، لذا فإن المناطق التي يكثر فيها مالكو المنازل أكثر استقرارا. ووفقا لمسح الإسكان الأمريكي لعام 2007، يظل أصحاب المنازل في أماكنهم لمدة تقارب تسع سنوات في حين ينتقل المستأجرون كل عامين.
والأحياء الأكثر استقرارا تتميز بالتزامها بالقوانين. ووفقا لدراسة أجرتها مدينة نيويورك، كانت ملكية المنازل هي العامل الثاني بعد الدخل الذي يفسر اختلاف معدلات الجريمة.
والعلاقة بين الملكية والمشاركة السياسية أقوى. ففي أمريكا، في أوائل التسعينيات، صوّتت نسبة 69 في المائة من مالكي المنازل، مقارنة بنسبة 44 في المائة فقط من المستأجرين. وأصحاب المنازل أكثر احتمالا لمعرفة ممثليهم وتقديم الدعم للقضايا المحلية أو المشاركة في جمعيات الأهالي والمعلمين وأيضا الذهاب إلى الكنيسة.
ولعل العلاقة الأكثر إثارة للدهشة هي تلك بين الملكية والأطفال. فقد وجدت إحدى الدراسات في أمريكا أنه في عام 2000 كانت علامات أطفال مالكي المنازل في الرياضيات أعلى بنسبة 9 في المائة عنها لدى أطفال المستأجرين؛ وكانت مستويات القراءة أعلى بنسبة 7 في المائة. وليس لهذا علاقة بالدخل: فقد تمت السيطرة على هذا العامل في الدراسة. ووجدت دراسة أخرى أن أطفال مالكي المنازل أكثر احتمالية بنسبة 25 في المائة للتخرج في المدرسة الثانوية وأكثر احتمالية بنسبة الضعفين للدراسة في الجامعات. كما أن احتمالية أن تصبح فتياتهم المراهقات حوامل أقل.
إلا أن هذه الدراسات لا تحسم القضية. فقد وجدت علاقة بين تعليم الأطفال وامتلاك المنازل. ولكن هل هذا، كما يقترح البعض، لأن ملكية المنازل تتطلب أن يكون لدى الأهل مهارات إدارية أو مالية ينقلونها لأطفالهم؟ أم هل السبب في ذلك هو أن الأشخاص الذين يمتلكون مثل هذه المهارات يساعدون أطفالهم في المدرسة ويشترون أيضا المنازل؟ لا أحد يعلم.
وليس من المؤكد أيضا أن أصحاب المنازل يهتمون دائما بأحيائهم أكثر من المستأجرين. فبعض الدراسات تقول إن التأثير يعتمد على بعض الأشخاص الذين يتسمون بروح الجماعة والمستعدين لأن يكونوا مثالا يحتذى به. ويمكن أن يتسم المستأجرون بروح الجماعة أيضا. ففي أمريكا، غالبا ما تكون المناطق التي تضم الكثير من المستأجرين مؤقتة لأن فترة الاستئجار قصيرة في العادة. ولكن في ألمانيا، يستأجر الناس المنازل لعدة سنوات. وقد تكون هناك علاقة إيجابية بين الأحياء المستقرة وزيادة ملكية المنازل ولكن ليس بالضرورة. وكما يقول Bill Rohe من جامعة نورث كارولينا، فإن "الدليل على المنافع الاجتماعية لملكية المنازل حدسي إلى حد كبير".
ومع ذلك، فإن ملكية المنازل بصورة عامة تمنح الناس حصة في محيطهم. فالشوارع النظيفة تزيد قيمة العقارات، مما يمنح المالكين الحوافز اللازمة لتحسينها أكثر. ولا يحصل المستأجرون على هذه الميزة، بل وقد يضطرون إلى دفع المزيد من المال إذا تحسن الحي.
إلا أن مسألة فيما إذا كان الاستقرار شيئا جيدا خلال الانكماش مسألة مختلفة. فقبل عقد من الزمن، قال Andrew Oswald من جامعة Warwick، إن امتلاك منزل خاص بالمرء يجعله أكثر ترددا في الانتقال، لذا تصبح أسواق العمالة أكثر تصلبا مع زيادة ملكية المنازل. وهو يزعم أن زيادة مستوى ملكية المنازل (إن لم يكن المستوى نفسه بالضرورة) مرتبطة بارتفاع معدل البطالة. فقد شهدت أيرلندا واليونان وإسبانيا زيادات في ملكية المنازل في الثمانينيات والتسعينيات وكانت معدلات البطالة فيها مرتفعة. وشهدت أمريكا وسويسرا معدلات ملكية مستقرة، ونجت من ارتفاع طويل الأجل لمعدل البطالة.
ولا تزال حجته مثيرة للجدل. ويشير النقاد إلى أن هناك الكثير من الأمور الأخرى غير ملكية المنازل تمنع الناس من الانتقال (مدارس الأطفال والأصدقاء وما إلى ذلك). وعلى أية حال، يجب على أسواق الإسكان التي تتوافر فيها السيولة أن تتيح للناس فرصة الانتقال إذا أرادوا ذلك. ومن الممكن أيضا أنه حتى لو اضطر الناس للبقاء في مناطق منكوبة، يمكن للوظائف أن تنتقل هناك للاستفادة من استعداد مالكي المنازل لقبول أجور أقل.
وبعد هذا، تبدو حجج Oswald قوية بصورة خاصة في هذا الوقت. فالركود في أمريكا يضغط بصورة قوية على مجموعتين من الولايات: فلوريدا، كاليفورنيا، ونيفادا، التي شهدت أكبر فترات ازدهار في بناء المنازل في التسعينيات، وميتشجان ونيو هامبشاير وديلاوير وويست فيرجينيا والمسيسيبي، التي تملك أعلى معدلات لملكية المنازل. وفي الواقع، لم يعد الناس ينتقلون كثيرا كما كانوا في السابق: كانت نسبة الذين غيروا مكان سكنهم عام 2007-2008- البالغة 11.9 في المائة من السكان- هي الأدنى منذ بدء التسجيل. لذا فإن أسواق العمل تبدو أقل مرونة مما كانت عليه. وتسهم الملكية السلبية في تفاقم معدل انعدام الحراك لأن الناس أكثر ترددا الآن للانتقال إذا كان هذا يعني البيع بخسارة. ويعتقد الباحثون في كلية Wharton أن احتمالية انتقال الأشخاص في الملكية السلبية أقل بنسبة الضعف من غيرهم. وبهذا يمكن أن يسهم ارتفاع معدل ملكية المنازل في تمديد فترة الركود وتعميقها.
ولا تزال المشكلة هي كيفية تقدير التكاليف الاقتصادية مقابل المنافع الاجتماعية لملكية المنازل. ولا يمكن بسهولة تقدير ذلك، إلا أن الارتفاع والانخفاض أخيرا في أسعار المنازل يوحي بأن التكاليف أكبر والمنافع أقل مما كان يعتقد سابقا.
وإن كان امتلاك المنازل نعمة كبيرة، من المتوقع إذن أن تكون الأحياء التي فيها الكثير من مالكي المنازل أفضل حالا من تلك التي فيها الكثير من المستأجرين خلال سنوات الازدهار. ولا يبدو أن هذا قد حدث.
ولكن ما حدث هو أنه فوق مستوى معين، تسببت حالات حبس الرهن في الكثير من الضرر خلال السنوات السيئة. وقد وجدت الدراسات التي أجريت أخيرا في نيويورك وكليفلاند أنه إذا استولى المقرضون على 3 - 4 في المائة من العقارات في منطقة واحدة، تنخفض الأسعار المحلية بسرعة أكبر وأكثر من المتوسط. واللافتات الكثيرة المكتوب عليها "للبيع" في بريطانيا لها التأثير نفسه. بعبارة أخرى، قد تكون الملكية أحيانا أسوأ بالنسبة للأحياء من الاستئجار.
مأوى - لأموالك
وأخيرا، قد يكون العقد الذي تم فيه بصورة مهووسة توسيع ملكية المنازل قد قلل بالفعل من استقرار الأحياء. ويشير Nicolas Retsinas، مدير المركز المشترك لدراسات الإسكان في جامعة هارفارد، إلى أنه حتى الانهيار عام 2008، كان الأمريكيون يعتبرون منازلهم استثمارات مالية بدلا من مكان للعيش. وينطبق هذا على دول أخرى. فقد كان الاقتراض بضمان المنازل في أمريكا وترتيبات الشراء من أجل التأجير في بريطانيا قائما على الافتراض القائل إن المنازل استثمارات في المقام الأول.
ونتيجة لذلك، يبدو أن الناس بدأت بشراء وبيع المنازل بصورة أكثر تواترا. وبين منتصف التسعينيات ومنتصف سنوات 2000، تضاعف تقريبا عدد المنازل الجديدة المباعة في أمريكا، من أكثر بقليل من 600 ألف منزل إلى أكثر من 1.2 مليون منزل عام 2006.
ولعل هذا جعل أسواق العمل أكثر قدرة على الحراك، ولكنه لم يكن بالتأكيد ما كان يهدف إليه صنّاع السياسة، حين بدأوا في توسيع ملكية المنازل. ويبدو أن جهودهم في السنوات القليلة الماضية أضعفت، ولكنها لم تفند تماما، أفضل الحجج المؤيدة لمعاملة ملكية المنازل بوصفه شيئا يجب التشجيع عليه: بأنه يزيد مدخرات الناس ويوجد أحياء أفضل للجميع. ولكن لعل هذا ليس مثيرا للاستغراب. فكما كتب Adam Smith في The Wealth of Nations قبل قرنين، فإن "المنزل الذي يتم العيش فيه لا يسهم أبدا في إيرادات سكانه".