لعنة السياسة

لعنة السياسة

قد تطول الأزمات المالية لأن العلاجات الفاعلة غير مستساغة سياسيا.

مع اقتراب أزمتهم المصرفية من النسب اليابانية، ربما يشعر الأمريكيون ببعض الراحة بسبب حقيقة أن ثقافتهم السياسية أكثر قدرة على إيجاد حل. أم هل يستطيعون هم ذلك؟ فردة الفعل السلبية الحالية المناهضة للمصرفيين تشبه إلى حد مذهل غضب الناخبين الذي أحبط الجهود الرامية لإصلاح النظام المصرفي الياباني في التسعينيات. وفي الواقع، فإن الدرس الدائم الذي يمكن استخلاصه من الأزمات المالية هو الكيفية التي تتداخل بها القيود السياسية مع الحلول الفاعلة اقتصاديا.
فعلى سبيل المثال، بدأت وزارة الخزانة الأمريكية ومجلس الاحتياطي الفيدرالي بدراسة خيارات استخدام الأموال العامة لشراء أصول القروض العقارية غير السائلة وحقن رأس المال في المؤسسات المالية بعد وقت قصير من إنقاذ بنك Bear Stearns الاستثماري الذي فشل، في آذار (مارس) 2008. ولكن لم يتم التصرف وفقا لهذه الخطط إلا بعد ستة أشهر أخرى. ويقول هنري بولسون، وزير الخزانة في ذلك الوقت: "لم يكن هناك طريقة تمكننا من الذهاب إلى الكونجرس دون أن يفهم الشعب الأمريكي أننا نواجه أزمة".
ومن المؤكد أن بولسون وبن بيرنانك، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، لم يطلبا من الكونجرس السماح بانفاق 700 مليار دولار لدعم النظام إلا بعد أن أثار فشل Lehman Brothers ذعرا عالميا في أيلول (سبتمبر). ويقول البعض إنه كان على بولسون أن يبذل جهودا أكبر للحصول على الأموال قبل أزمة Lehman. ربما كان هذا صحيحا، ولكن من المشكوك فيه أنه كان سينجح في ذلك. فهو يشير: "حتى في ذروة الأزمة، تبين أن تحقيق ذلك صعب جدا".
وقد كتب Phillip Swagel، وهو اقتصادي سينضم إلى جامعة جورج تاون هذا الخريف، في استعراض تجربته كمساعد لبولسون من كانون الأول (ديسمبر) 2006 حتى كانون الثاني (يناير) 2009، أن المشاركين في الأسواق والاقتصاديين الأكاديميين يقترحون غالبا حلول لا تعير انتباها كبيرا للعقبات السياسية والقانونية في العالم الحقيقي. وقال بعض الأكاديميين أنه يجب إجبار دائني البنوك على مقايضة ديونهم مقابل أسهم مثلا. إلا أن Swagel يشير إلى أن هذا ليس ممكنا قانونيا دون إجراء تغيير على قانون الإفلاس، وهي عملية سياسية ملتوية. وبصورة مماثلة، فإنه للحد من حالات حبس الرهن على المساكن، ركزت وزارة الخزانة والكونجرس على خفض أسعار الفائدة لأصحاب المنازل المكافحين، مع أن هذا سيكون أقل فاعلية من دعم عمليات تخفيض قيمة أصول القروض العقارية. إلا أن السياسيين والناخبين يعتقدون أن هذه عملية إنقاذ غير مقبولة لبعض أصحاب المنازل الذين لا يستحقون ذلك.

ويدرس الاقتصاديون منذ زمن طويل الطريقة التي تتداخل بها القيود المؤسسية مع الخيارات الاقتصادية الفاعلة، مثل حين تبني جماعات المصلحة الخاصة حواجز الدخول إلى أسواق المنتجات. ولم تلق مثل هذه القيود اهتماما كبيرا في الكتابات عن الأزمات المالية. إلا أن الدراسة الدقيقة تبين أن كثيرا من هذه العقبات السياسية تبرز فجأة من أزمة إلى أخرى. وفي البداية، سعت وزارة المالية اليابانية للحصول على حلول لأزمتها المصرفية من القطاع الخاص لكيلا تثير غضب الناخبين عن طريق استخدام أموال دافعي الضرائب. وحين فشلت تلك الحلول، اقترحت الحكومة عام 1995 إنفاق 685 مليار ين (سبعة مليارات دولار) للسيطرة على القروض المتعثرة لشركات تمويل القروض العقارية. وكانت ردة الفعل عنيفة. فقد طالبت أحزاب المعارضة باستقالة وزير المالية ونظمت اعتصاما في البرلمان. وفي أحد الاستطلاعات، كانت نسبة غير المؤيدين من الناخبين تبلغ 87 في المائة. إلا أنه تم إقرار هذا الإجراء في النهاية، ولكن التجربة كانت مؤلمة للغاية، بحيث إنها أحبطت الحكومة عن معالجة القروض السيئة للبنوك الأكبر بكثير حتى عام 1997.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، تتفاوض بعض الحكومات على العقبات السياسية. وغالبا ما تتم الإشادة بكوريا الجنوبية بسبب سرعتها وقوتها في الاستيلاء على البنوك الفاشلة وشراء الديون السيئة بعد أزمتها المالية عام 1997 / 1998. إلا أن حكومة كوريا الجنوبية تمكنت من تجنب الغضب الشعبي عن طريق القول إن صندوق النقد الدولي أجبرها على اتخاذ هذه الخطوات، ولا يزال معظم الكوريين اليوم يلومون الصندوق على التسبب بهذه الأزمة.
واستولت السويد على مصرفين وأصدرت ضمانا شاملا لمسؤوليات البنك المالية في أوائل التسعينيات، مع أن التحالف الحاكم لم يكن يملك أغلبية في البرلمان. ويقول Bo Lundgren، وزير المالية في ذلك الوقت، إن الناخبين السويديين كانوا سيرفضون عملية الإنقاذ لو تم طرحها في استفتاء. إلا أن الحكومة ضمنت أولا دعم حزب المعارضة (الذي ورثت الأزمة منه)، ومن ثم حصلت على السلطة اللازمة من البرلمان للحصول على أموال غير محددة، بحيث لا تكون مضطرة إلى العودة ثانية لطلب المال في وقت لاحق.

لا يختلف الأمر هذه المرة

حصول باراك أوباما على شيك على بياض أمر مناسب له، حيث إنه حذر في الرابع عشر من نيسان (أبريل) من أن البنوك الأمريكية قد "تتطلب موارد إضافية كبيرة". وقد كتب أوباما 750 مليار دولار أخرى من الأموال المحتملة لتحقيق الاستقرار في ميزانيته لعام 2010، إلا أن منح الأموال الإضافية سيكون صعبا للغاية. وعلى الرغم من الأغلبيات القوية في الكونجرس ومستويات تأييده الشخصية المرتفعة، إلا أن عليه التغلب على المعارضة القوية من الناخبين الذين أنهكهم الكشف عن تجاوزات المصرفيين.
وقد يعني هذا انتهاك بعض المبادئ الاقتصادية. ويفضل الاقتصاديون بصفة عامة الإعانات الشفافة على الإعانات الخفية. إلا أن Swagel يقول إن وزارة الخزانة أدركت أن تبخيس تأمين أصول البنوك يثير معارضة سياسية أقل من دفع أكثر من اللازم لقاء أصول فقط لأن التأمين أقل شفافية. وتعتمد وزارة الخزانة أيضا على مجلس الاحتياطي الفيدرالي لتمويل الأصول غير السائلة عن طريق طباعة المال، لأن هذا لا يتطلب موافقة من الكونجرس (حتى لو عرّض استقلال مجلس الاحتياطي الفيدرالي للخطر).
والإغراء الآخر هو ربط المساعدة المقدمة للمصرفيين بجرعة كبيرة من العقوبات لتلبية تعطش الشعب للعدالة. فقد رفعت السويد دعوى قضائية ضد مجلسي إدارة مصرفين قامت بتأميمهما. ووافق كثير من المسؤولين التنفيذيين على سداد مكافآتهم الضخمة لتجنب الملاحقة القضائية. ووعد أوباما بأنه إذا احتاجت البنوك إلى مزيد من المساعدات، "فسنحاسب المسؤولين عن ذلك". وبالطبع، يكمن الخطر في أن تؤدي تهدئة غضب الناخبين إلى إشعالهم أكثر، وتصعب من عملية وضع الأموال في النظام المصرفي حين تدعو الحاجة إلى ذلك.

الأكثر قراءة