محاكمة استعراضية جديدة في موسكو
غالبا ما تدل المحاكمات على حدوث تغيرات كبيرة في الحياة السياسية الروسية. فقد مهدت أول محاكمة استعراضية لمهندسي Shakhty عام 1928 الطريق لكي يوطد ستالين سلطته عام 1929. وكانت محاكمات عام 35/1936 لـ Kamenev وZinoviev، اثنين من ثوار الثورة البلشفية اختلفا مع ستالين، مقدمة لإرهاب أكبر بعد ذلك بعام. وقد تكون محاكمة ميخائل خودوركوفسكي وPlaton Lebedev، التي تم افتتاحها في الحادي والثلاثين من آذار (مارس)، حاسمة بالقدر نفسه للحياة السياسية الروسية اليوم.
وهذه هي المحاكمة الثانية لخودوركوفسكي- والأولى في ظل رئاسة ديميتري ميدفيديف. وقد تمنح هذه المحاكمة ميدفيديف إما مكانا له في التاريخ وإما مجرد حاشية صغيرة في قصة سلفه فلاديمير بوتين. وأدى اعتقال Lebedev في تموز (يوليو) 2003، الذي أعقبه اعتقال خودوركوفسكي في تشرين الأول (أكتوبر) 2003، إلى تدمير شركة Yukos للنفط وبالسجن لمدة ثماني سنوات لكل منهما. وكان هذا تحولا بعيدا عن التحرر الذي ساد في التسعينيات نحو سيطرة الشركات الاستبدادية. وبدأت عملية إعادة توزيع الملكية والسلطة نحو رجال جهاز الأمن السابقين والحاليين، الذين يعرفون معا باسم siloviki.
وأكد خودوركوفسكي في المقابلات الصحفية أن قائد siloviki السابق، Igor Sechin، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس الوزراء، هو الذي بدأ الهجوم على شركة Yukos. وهو يقول إن siloviki يفضلون العزلة على الاندماج، والسرية على الشفافية، والقمع على سيادة القانون. وكان تمزيق شركة Yukos انتصارا لهم. وقد أنهى ذلك فترة وجيزة من المحاكم المستقلة سياسيا، وحولها إلى آلية للقمع. وكما تقول Lyudmila Alekseeva، المناصرة البارزة لحقوق الإنسان التي تعارض النظام، فإن خودوركوفسكي لم يكن من سجناء الرأي ولم يكن يحاكم بسبب معتقداته - بل كان ضحية للقمع السياسي.
وقد اشتهر خودوركوفسكي في السجن بحزمه واحترامه لنفسه، وقد قربه هذا من أجيال من السجناء السياسيين في روسيا، وهي نقطة أبرزها في افتتاح محاكمته الأسبوع الماضي عن طريق تبني شعار المنشقين في السبعينيات: "السلطة: نفذ قوانينك بنفسك". ومن المفترض أن يلقى هذا صدى لدى ميدفيديف، الذي يحب أن يروج لخليفته بوصفه محاميا ولأولوياته المتمثلة في منح المحاكم استقلالها ومحاربة ما يصفه بـ "العدمية القانونية".
ويقول محامو الدفاع إن القضية ضد خودوركوفسكي وLebedev مثال بارز على العدمية القانونية. فهي تتجاهل القاعدة العالمية القائلة إنه لا يمكن محاكمة أي شخص على الجريمة نفسها مرتين. كما يتم إجراؤها في المنطقة والوقت نفسيهما. وفي المحاكمة الأولى، تم اتهام خودوركوفسكي وشركائه بالتهرب من الضرائب. والآن يتم اتهامهم باختلاس 350 مليون طن من النفط وغسل الأرباح من خلال شركات تجارية في الخارج. وهذ هو النفط نفسه الذي يقال إن خودوركوفسكي لم يدفع ضرائب كافية عليه، كما يقول Vadim Klyuvagant، محامي خودوركوفسكي.
ويقول Klyuvagant إن كتب أدلة الادعاء البالغة 188 في هذه القضية لا تفسر كيف سرق خودوركوفسكي كامل إنتاج شركة Yukos من النفط على مدى ست سنوات. ولكنها تشير بدلا من ذلك إلى أن وجود الشركة بحد ذاته، التي كانت تعد في السابق أكبر شركة في الدولة وأكثرها شفافية، غير قانوني. ورد خودوركوفسكي على ذلك في المحكمة قائلا إنه في هذه الحالة، فإن أي شخص (بما في ذلك أعضاء النيابة العامة) الذين اشتروا البنزين من محطة وقود Yukos خلال تلك السنوات هم شركاء في الجريمة.
والعقوبة القصوى لهذه التهم هي 22 عاما. ويقول Yuri Shmidt، وهو محام تم سجن والده في عام 1929 وأيضا في عام 1937، إنه لم يكن بوسعهم اتهام خودوركوفسكي بهذه التهم عام 2004. فقد كان الكرملين لا يزال يضع في اعتباره الرأي العام في الوطن وفي الخارج. أما اليوم فهو يعتقد أنه يستطيع أن يفعل ما يريد. ومع ذلك، فإن نتيجة المحاكمة الثانية غير معروفة.
فأولا، المزاج العام مختلف الآن. وفي عام 2003، اعتبر اعتقال خودوركوفسكي أول بادرة لمساءلة الدولة أعضاء حكم القلة الذين لا يحظون بالشعبية، والذين لا يستحقون الثروات المفاجئة التي حققوها. واعتبر الكثيرون سجنه أمرا عادلا، إن لم يكن مشروعا تماما. أما اليوم، فهو يعد سجينا خسر كل شيء دون أن ينهار في معسكر اعتقال سيبيري قاس. وهو يستحق تعاطف واحترام أكبر مما يستحقه البيروقراطيون والسياسيون.
وكانت القضية قد بدأت عام 2006، ولكنها ظلت كامنة في العام الماضي. وقد برزت الآن لسببين. الأول هو أن مدة سجن خودوركوفسكي ستنتهي عام 2011، قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي قد تعيد بوتين إلى الكرملين. ولكن تحرير خودوركوفسكي (الذي أصبح يحظى بالشعبية الآن) قد يفسد هذه الخطة إذا رشح نفسه، أو دعم مرشحا آخر.
والأكثر مدعاة للقلق بالنسبة للكرملين هو أن إدارة Yukos السابقة رفعت دعوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ. وإذا حكمت المحكمة بأن روسيا طبقت القانون بأثر رجعي وفرضت على الشركة بصورة غير مشروعة دفع 34 مليار دولار ضرائب متأخرة، وهو الأمر الذي دمر الشركة، أو أنها اختارت شركة Yukos من بين جميع الشركات لإخفاء عملية الاستيلاء عليها، قد تصدر أوامر للحكومة بتعويض الشركة ومساهميها. وهذه الاحتمالية المحرجة على درجة كبيرة من الخطورة بحيث إن البعض يزعم أنها دفعت الكرملين لمناقشة احتمالية الانسحاب من المجلس الأوروبي.
إن تزامن قضية ستراسبورغ ومحاكمة موسكو أمر لافت للنظر. وفي التاسع والعشرين من كانون الثاني (يناير)، أعلنت المحكمة الأوروبية أن قضية Yukos مقبولة. وفي غضون أيام أصدر المدعون العامون الروس لائحة اتهام جنائية ضد خودوركوفسكي، بعد الانتهاء من تحقيقهم قبل عامين من ذلك. وربما يأمل الكرملين أن يمكّنه الحكم الذي أصدرته محكمة روسية بأن عمليات شركة Yukos غير قانونية من مماطلة قضية ستراسبورغ.
ولكن كما يقول المحلل السياسي، Kirill Rogov، فإن الأشخاص الذين بدأوا بهذه القضية لا يستطيعون الفوز بها سياسيا. وإدانة خودوركوفسكي هذه المرة سيثير الشكوك حول إدانته في القضية الأولى، حيث تبدو الاتهامات متناقضة. ولكنهم لا يستطيعون أيضا إطلاق سراح خودوركوفسكي. وربما يفضل البراغماتيون في الكرملين التفاوض مع خودوركوفسكي، بحيث يعرضون عليه حكما بالبراءة أو حكما مخففا مقابل إسقاط مطالبات Yukos بالتعويض وإظهار امتنانه.
ولا يرغب ميدفيديف، بصفته محاميا، بتشويه سمعته بسبب محاكمة جائرة أخرى في موسكو. فقد كان حريصا على إبعاد نفسه عن مسألة شركة Yukos. ويعترف خودوركوفسكي بهذا. فقد قال في مقابلة له من خلال محاميه: "أحترم ديميتري ميدفيديف بوصفه الرئيس الشرعي لروسيا، مع أن آراءه السياسية ليست واضحة تماما بالنسبة لي. فمن المؤكد أنه لم ينهب شركة Yukos وليس لديه شيء يخشاه من Platon Lebedev أو مني". وفي افتتاح محاكمته، أشار خودوركوفكسي إلى كلمات ميدفيديف بشأن القانون والفساد، ولكنه كان صريحا وغير مجامل عند الحديث عن المدعين العامين الذين وضعوه في السجن.
ولا شك أن إطلاق سراح خودوركوفسكي قد يحقق مزايا لميدفيديف. فهذا سيعزز سلطته في السياسة الروسية ويكسبه شهرة دولية ويتخلص من شبح شركة Yukos الذي لا يزال يطارد الكرملين. ولكن لتحقيق هذا عليه أن يقنع بوتين ويحارب أولئك الذين انتفعوا من تفكيك شركة Yukos والذين يريدون أن يظل خودوركوفسكي في السجن لبقية حياته.