غير لهجتك
لم يسبق أن كانت توقعات السلام بين اليهود والعرب في الأراضي المقدسة أكثر كآبة مما تبدو عليه الآن، على الأقل إذا أخذت تصريحات الزعماء بظاهرها. ففي الأسبوع قبل الماضي، حصلت إسرائيل على حكومة جديدة يرفض رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، القول إنه يجب أن تكون للفلسطينيين دولة خاصة بهم. وينكر الإسلاميون في حماس، التي فازت بالانتخابات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية وقد تفوز بالانتخابات المقبلة، رسميا، حق إسرائيل في الوجود أصلا.
وقد فشل الهجوم الإسرائيلي في كانون الثاني (يناير) على قطاع غزة الذي تديره حماس في إخراج حماس من المعادلة. وقال نتنياهو إنه يريد أن "تنهي القوات الإسرائيلية مهمتها" وتطرد حماس من السلطة في غزة. ويشمل تحالفه حزب شوفيني متطرف يريد زعيمه، أفيغدور ليبرمان، تجريد الإسرائيليين العرب "غير الموالين" للدولة اليهودية من حقوقهم. وقد يتفاوض ليبرمان، بوصفه وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد، الذي تنصل حتى لاتفاق السلام غير الواضح، الموقع في أنابوليس عام 2007، مع الفلسطينيين والعالم العربي. وظاهريا، توحي هذه التركيبة من الأشخاص والسلطة على كلا جانبي الجدار بالهلاك.
ومع ذلك، فإن سياسة عملية السلام التي ليست اسما على مسمى متغيرة على الدوام. فأولا يشتهر نتنياهو بأنه انتهازي، وهي صفة يمكن استغلالها أحيانا لتحقيق المنفعة العامة. فهو يتحدث، وإن بغموض، عن رغبته في إقامة السلام مع جيرانه، بما في ذلك الفلسطينيين كما يبدو. ويقال أيضا إنه تعهد بالالتزام بالاتفاقيات السابقة التي وقعتها إسرائيل مع الفلسطينيين، التي تنص معظمها على ضرورة أن يكون للفلسطينيين دولة خاصة بهم، حيث إن هذا ثمن مستعد أن يدفعه لاجتذاب حزب العمل الأقل تشددا إلى التحالف. وكان الزعماء الإسرائيليون السابقون، بمن فيهم سلفي نتنياهو، إيهود أولمرت وأرييل شارون، قد رفضوا بشدة إقامة دولة فلسطينية ولكن تم إقناعهم أنها الطريقة الوحيدة لضمان أمن إسرائيل. ومن المحتمل أن يدرك نتنياهو في الوقت المناسب هذا. وسيتضح قريبا أن الأفكار البديلة- منح الفلسطينيين "الاستقلال الاقتصادي"، مثلا دون إقامة دولة فعلية - هي مجرد هراء. ووجود ليبرمان السام في وزارة الخارجية ليس بحد ذاته حاجز منيع أمام التفاوض. فعلى العرب والفلسطينيين أن يتقبلوا هذا ويأملوا أن يعرض وسطاء آخرون، ربما نتنياهو نفسه، طريقا أمام التفاوض الجدي.
والتقلب على الجانب الفلسطيني أكثر وضوحا. فالجناحان اللذان يتقاتلان بضراوة فيها يتلمسان طريقهما نحو تشكيل حكومة وحدة. وقد تتورط حماس نفس ورطة نتنياهو وتضطر لقبول الاتفاقيات الفلسطينية السابقة مع إسرائيل التي تشمل الاعتراف بالدولة اليهودية دون الاضطرار للفظ كلمات الاعتراف بها بوضوح. وقد صرح العديد من قادة حماس بأنه إذا وافق الفلسطينيون في استفتاء عام على قبول وجود إسرائيل، فلا مانع لديهم. وإذا تم تشكيل حكومة وحدة تشمل حماس وتنبذ العنف، سيكون من الحماقة أن يرفض نتنياهو التحدث إليها.
ولكن لا يزال على الغرباء تقديم المساعدة
وفي عام 2002، وعدت جامعة الدول العربية، بوصفها المدافعة الرئيسة عن حقوق الفلسطينيين، بالاعتراف بإسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية على طول حدود عام 1967، مع قبول ضمني لتبادل الأراضي للسماح ببقاء بعض المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية في إسرائيل. ولا يزال هذا الوعد، الذي كررته جامعة الدول العربية أخيرا في قمة الدوحة قائما. ولكن من الضروري أن تزيد أمريكا مشاركتها ومرونتها بعد فترة طويلة من عدم التدخل والتشدد تحت رئاسة جورج بوش.
وحتى الآن، يتردد باراك أوباما بصورة غريبة من المشاركة، ويعزى ذلك جزئيا إلى عدم وجود حكومة إسرائيلية قوية. ولكن لم تعد هذه الذريعة قائمة. فقد أعلن هو ووزيرة خارجيته، هيلاري كلينتون، أن ضمان قيام دولتين، إسرائيل وفلسطين، يجب أن يكون الأساس الوحيد للتوصل إلى صفقة. ولا يمكن لأمريكا أن تقدم دعما غير محدود للحكومة الإسرائيلية التي تقول إنها ستتراجع عن المبدأ الرئيسي القائم على إقامة دولتين وتستمر باستيطان الضفة الغربية. وإذا لم يغير نتنياهو مساره، ينبغي على أوباما خفض المساعدات المقدمة لإسرائيل. وعليه أيضا أن يبذل جهودا كبيرة، من خلال مبعوثه، جورج ميتشيل، أو من خلال وسطاء آخرين، لإشراك حماس في المفاوضات. وبهذه الطريقة، فإنه على الرغم من قتامة التوقعات المستقبلية، ولكن ليس بالضرورة أن تكون ميؤوس منها.