الأثرياء يتعرضون للهجوم
وكانت هذه السرقة من نوع قديم مألوف نوعا ما: وضع مخططات بونزي ورشوة السياسيين لضمان صفقات مواتية لهم. وهناك مناطق رمادية، كان يخبئ الأثرياء فيها أموالهم في ملاذات ضريبية، وينجحون في سن قوانين ضريبية لصالحهم - خذ مثلا التعامل الذي لا يمكن تبريره مع أرباح الأسهم الخاصة. إلا أن ما يجعل سلوك الأثرياء مزعجا بصورة كبيرة بالنسبة للكثير من النقاد هو أنهم ارتكبوا أكبر جرائمهم في وضح النهار، حيث إنهم كانوا جزءا من النظام نفسه.
الخدعتان الكبيرتان
والتهمة الأولى هي أن الأثرياء أوجدوا شكلا جديدا من الرأسمالية يكونون فيه دائما الرابحين وغيرهم الخاسرون. فقد حصل التجار ومديرو الصناديق على مكافآت ضخمة من المضاربة بأموال الآخرين، ولكن حين فشلوا، كان على الشركة الأم والعملاء، وفي النهاية دافعو الضرائب دفعوا الفاتورة. وأسهمت السياسة النقدية في عدم تماثل المخاطر هذا: حين كانت الأسواق تتعثر، كانت البنوك المركزية تنقذها عادة عن طريق تخفيض أسعار الفائدة.
والتهمة الثانية هي أن المصرفيين ومديري الصناديق لم يكونوا يفعلون شيئا مفيدا. فخلافا لرجال الأعمال الأثرياء "الذين يستحقون ثروتهم" والذين أسسوا مايكروسوفت وجوجل، كان التجار والسماسرة "الذين لا يستحقون ثروتهم" ينقلون المال عبر النظام بصورة لا تحقق الربح سوى لهم. وكلما زادت سرعة تنقل الأموال، كان القطاع المالي يبدو أكبر في اقتصادات الدول الغنية. ومع بلوغ ذروته، أسهم بنسبة 41 في المائة من أرباح الشركات الأمريكية المحلية، أي أكثر من ضعف المعدل قبل عقد من الزمن. ومع ازدياد التمويل، كبر حجم البنوك أكثر - بحيث أصبحت في النهاية كبيرة جدا بحيث لا يجب أن تفشل، لذا حين ترنحت كان على دافعي الضرائب دعمها. وبدلا من أن يكونوا رمزا للرأسمالية، أسهم هؤلاء الأثرياء الذين لا يستحقون ثروتهم بتقويضها: كانت تلك اشتراكية للأثرياء.
وهاتان التهمتان مرتبطتان معا، إلا أن مبررات الثانية أقل بكثير. فعلى الرغم من التكلفة الهائلة لعمليات إنقاذ البنوك، إلا أن ليس هناك شيء غير مستحق بشكل فطري فيما يتعلق بالتمويل؛ فقد حققت الأسواق التي تملك سيولة أكبر منافع ضخمة لبقية الاقتصاد، على الرغم من العيوب التي كانت تعانيها. فقد سهّل انخفاض تكلفة رأس المال على الصناعة الاستثمار والابتكار وحماية نفسها من مخاطر الفائدة وسعر الصرف. ومحاولة تمييز الممولين من رجال الأعمال غير مجدية، حيث سينتهي الأمر بك بالإضرار بالاثنين.
بالإضافة إلى ذلك فإن تهمة إيجاد رأسمالية في صالح الأثرياء دائما ليست مثبتة: فقد خسر بعض الأشخاص الذين كانوا يديرون البنوك حين أفلست البنوك. ولكن لا بد من الاعتراف، حتى من قبل الإيكونوميست التي تؤيد الأعمال الحرة بطبيعتها، أنه كان هناك شيء فاسد في التمويل، تبدو الصفقة الرأسمالية الأساسية، التي يمكن بموجبها لمتحملي المخاطر الفعليين الحصول على مكافآت هائلة، صفقة سيئة إذا اضطر دافعو الضرائب في النهاية إلى دفع فاتورتها. ومن هنا ينبع غضبهم.
آن أوان التصحيح وأكياس الورق البنية
عادة ما تكون فترات التجاوزات، حين تزيد عدم المساواة، متبوعة بعصور من الإصلاح: فقد دمر روزفلت صناديق الاستثمار، وأدخل الكونجرس بعد ذلك بفترة وجيزة ضريبة دخل فيدرالية. وأحد أجزاء عبقرية الرأسمالية هو قدرتها على التكيف مع الاضطراب من الداخل والهجوم من الخارج.
وفي الواقع، بدأ النظام بالفعل بتصحيح نفسه، ولم يعد الأثرياء بنفس الثراء الذي كانوا عليه: ضاع نحو عشرة تريليونات دولار، أي نحو ربع أصول الأثرياء. وستقل عدم المساواة، كما أن البنوك الاستثمارية وصناديق التحوّط بدأت في التقلص؛ وتكافح مجموعات الأسهم الخاصة لتمويل عمليات الاستحواذ. وبعد أن اكتشفت البنوك مدى تقلب الأسواق، ستصبح أقل حماسا للتجارة في المستقبل. وهناك أيضا تصحيح جار في الاستهلاك التفاخري الذي يهدف إلى الظهور واستعراض الثروة: يعرض موقع Net-a-porter، وهو موقع إلكتروني لبيع الملابس الفاخرة المكلفة، إيصال ملابس المصممين إلى زبائنه بأكياس ورق بنية.
إلا أن التصحيح الذاتي الجاري في السوق لن يكون كافيا. وفي النهاية، لن يكون هناك مفر من زيادة الضرائب، بما أن الكثير جدا من الحكومات تتخبط في العجز. إلا أن على السياسيين التعامل مع الوضع بحذر. فزيادة الضرائب على الفور فكرة سيئة جدا، بما أن الحاجة قائمة الآن إلى حوافز مالية. وحتى حين تجمع الحكومات المال، عليها أولا التخلص من الخصومات وعكس اتجاه التدابير التي لا تحابي التقدم على أساس الإنجاز والمقدرة الشخصية (مثل إلغاء جورج بوش لضريبة الوفاة) بدلا من رفع معدلات ضريبة الدخل إلى مستويات عقابية. ولا بد من الضغط بقوة كافية على الأثرياء لكي يحقق الاقتصاد المنافع للجميع.
أما بالنسبة للرأسمالية التي يكون الأثرياء هم الرابحون فيها دوما، من المفترض أن تتقلص مشكلة المخاطر غير المتماثلة، لأن التغييرات في القواعد اللازمة لجعل النظام المالي أكثر أمنا ستسهم كذلك في التخلص من الأرباح غير المبررة. فمتطلبات رأس المال المعاكسة للاتجاه العام لنشاط الأعمال، التي تجبر البنوك على بناء المزيد من الاحتياطيات في الأوقات الجيدة، لن تترك لهم الكثير من المال لإنفاقه على العلاوات الضخمة. فالكثير من مصادر الأرباح الكبيرة نشأت بين الشقوق في الأنظمة التنظيمية؛ وتعمل الحكومات الآن على سد هذه الثغرات. وإذا ركزت البنوك المركزية على أسواق الأصول حين ترتقي، وكذلك حين تسقط، فستزيل الكثير من الزبد. وإذا تمت معاملة البنك الذي يصبح كبيرا جدا بحيث لا يجب أن يفشل بوصفه مرفق خدمات، فسيحقق أرباحا أقل.
وبالتالي، سيكون الحد من تجاوزات الثروات أثرا جانبيا للقوانين التنظيمية التي تهدف إلى تحسين وإنجاح الرأسمالية. ولن تكون مثل هذه التدابير مقدمة لإجراءات ثورية، ولكنها أفضل من ملاحقة الأثرياء. فالأثرياء هدف سهل. ولكن حين تحاول سحقهم، ينتهي بك الأمر عادة بلكم نفسك على أنفك.