المعركة بين قوتين
بالنظر إلى شراسة الهجوم الإسرائيلي على المقاتلين الإسلاميين التابعين لحماس في قطاع غزة في الأسابيع الثلاثة الأولى من كانون الثاني (يناير)، يبدو من الممكن أن تفعل كل ما بوسعها لمنعهم من الحصول على مزيد من الأسلحة. وقد ظهرت الآن فقط قصة غامضة تعبر عن المدى الذي قد تصل إليه إسرائيل (نحو 1.400 كم أو 870 ميل) في سبيل تحقيق ذلك.
وفي تأكيد ضمني على سلسلة تقارير وسائل الإعلام بأن طائرات إسرائيلية و/أو طائرات آلية دمرت قافلة مكونة من 23 شاحنة تحمل أسلحة إيرانية متجهة إلى حماس في منتصف كانون الثاني (يناير) في شمال شرق السودان، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي انتهت ولايته، إيهود باراك: "كل من يحتاج إلى معرفة ذلك يعرفه بالفعل". وبعد إثارة بعض البلبلة، اعترفت الحكومة السودانية بحدوث هذا الهجوم، الذي تم شنه من قبل إسرائيل "على الأرجح"، شمال مدينة بورتسودان على البحر الأحمر. وتؤكد مزاعم غريبة ولكن لا يمكن التحقق منها بأن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، الموساد، حصل على معلومة مفادها أنه سيتم تهريب أسلحة إلى قطاع غزة عبر السودان ومصر؛ وأنه لم يكن أمام القوات الجوية الإسرائيلية سوى بضعة أيام للاستعداد للغارة؛ وأنه ربما قتل 40 شخصا أو نحو ذلك من القافلة، بينهم إيرانيون.
ويُقال إن هدف إسرائيل هو منع حماس من الحصول على صواريخ فجر الإيرانية، المصممة لكي يتم تفكيكها ونقلها في أجزاء عبر أنفاق من مصر إلى غزة، والتي يبلغ مداها من هناك ما لا يقل عن 40 كيلو مترا، مما كان سيمنح حماس مدى أطول من صواريخ القسام المصنوعة محليا أو صواريخ غراد التي هربتها بالفعل إلى الداخل وأطلقتها على إسرائيل. وربما يكون الهدف الثانوي هو تذكير إيران بقوة إسرائيل "وذراعها الطويلة"، وأن إسرائيل قد تتجرأ يوما ما على استخدامها ضد برنامج إيران النووي. وفي أيلول (سبتمبر) 2007، في غارة أخرى أكدتها إسرائيل ولكن فقط عن طريق التلميح، دمرت ما قال الأمريكيون لاحقا أنه مفاعل نووي سري يتم بناؤه في سورية بمساعدة كوريا الشمالية.
وقد ارتبطت إيران والسودان بعلاقات وثيقة منذ الثورة الإسلامية في السودان عام 1989، التي جلبت إلى السلطة حكومة عمر البشير الحالية، والتي استمدت الإلهام من الثورة الإسلامية في إيران قبل عقد من ذلك. وكان حسن الترابي، المفكر الإسلامي الذي نظم الانقلاب الذي منح البشير السلطة، يسعى بصورة واضحة لتحقيق ثورة سنية على غرار الثورة الشيعية في إيران، مع الحرس الثوري وتطبيق أحكام اللباس الشرعي ومحاكم الشريعة. وكان الترابي يأمل تصوير نفسه مثل آية الله الخميني في شرق إفريقيا.
وعلى الرغم من الخلافات العقائدية بين الدولتين، إلا أن إيران اعترفت بصورة سريعة بالدولة التي قد تكون حليفة مفيدة لها في البيئة غير الودودة التي تعيش بها. وفي بادرة صداقة، زار الرئيس الإيراني حينها، أكبر هاشمي رفسنجاني، الخرطوم عام 1991، يرافقه ما لا يقل عن 157 مسؤولا. وبموجب الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال زيارة رفسنجاني، وافقت إيران على المساعدة في تدريب نسخة سودانية من الحرس الثوري، قوات الدفاع الشعبية. ولتحقيق ذلك، تم إرسال، حسن آزدا - وهو إيراني كان يدرب مقاتلي حزب الله في لبنان - إلى السودان عام 1992.
وقد ساعدت إيران أيضا على تأسيس صناعة الأسلحة الوليدة في السودان، التي تعتبر الآن ثالث أكبر صناعة في إفريقيا. ومن المرجح أنه تم شحن الصواريخ التي دمرتها إسرائيل في غارة كانون الثاني (يناير) إلى بورتسودان عبر اليمن من إيران. ولكن من المحتمل أيضا أنه تم تصنيع بعض الأسلحة ليس في إيران بل في المجمع الصناعي العسكري في السودان جنوب الخرطوم. وقد أمضى وزير الدفاع الإيراني أربعة أيام في الخرطوم في العام الماضي، حيث وقع على اتفاقية تعاون أخرى "في مجالات التكنولوجيا العسكرية وتبادل الخبرات والتدريب"، وذلك وفقا لصحيفة سودانية.
وفضلا عن المساعدة الفنية، تدعم إيران والسودان بعضهما بعضا في الدبلوماسية. فقد دعم السودانيون إيران في مواجهتها مع الأمم المتحدة فيما يتعلق ببرنامجها النووي، ودعمت إيران الرئيس البشير في مواجهته مع المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، التي تريد اعتقاله بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور. إلا أن الغارة الإسرائيلية، وإن نجحت في إيقاف القافلة المتجهة إلى غزة، لن تفيد في إضعاف الرابطة بين هاتين الحكومتين، بل ربما عززتها أكثر.