العودة إلى الواقع
بعد شهرين من تنصيبه، يمكن لباراك أوباما أن يشير إلى بعض الإنجازات المثيرة للإعجاب. فقد أقر رزمة حوافز بقيمة 787 مليار دولار - الأكبر في التاريخ الأمريكي - ووضع الخطوط العريضة لأجندة طموحة لإصلاح الرعاية الصحية والتعليم ومعالجة المستحقات وتشجيع الطاقة "الخضراء". كما أفرح معجبيه في الوطن وفي الخارج من خلال البدء بعكس مسار سياسات جورج بوش حول مواضيع مثيرة للجدل، مثل التحدث مع إيران والاحتباس الحراري والتعامل مع المقاتلين الأعداء وبحوث الخلايا الجذعية.
ولكن للأسف يمكن أيضا لمنتقدي أوباما الإشارة إلى سجل حافل بالفشل. فقد انهار عدد كبير من مرشحيه للمناصب العليا. ولا تزال الصفوف العليا لوزارة الخزانة شاغرة في خضم أخطر ركود منذ الثلاثينيات. ويعتقد Warren Buffett، أحد مؤيدي أوباما الأوائل والرجل الأسطورة الذي عرف بالتمسك بالأسهم التي يدعمها، أن الرئيس بدأ يفقد تركيزه. أما Andy Grove، الرئيس السابق لشركة Intel، فيصف أداء الإدارة بأنه "غير فاعل". وقد بدأ حتى الصحافيين والمحللين الإذاعيين الذين دعموا حملة أوباما بحماس يفقدون صبرهم.
إن عديدا من إنجازات أوباما تتصف بالخيالية. فقد وقّع فاتورة إنفاق بقيمة 410 مليارات دولار تتضمن 8570 مشروعا مخصصا (توجيه الأموال لمشاريع معينة)، على الرغم من تعهده بالحد من هذه الممارسة. وتستند ميزانيته إلى افتراضات غير واقعية عن النمو الاقتصادي المستقبلي لأمريكا وعن تكلفة برامج الإنفاق. وهو يتحدث عن أرقام خيالية: لم ينجح Peter Orszag، مدير الميزانية المثير للإعجاب عادة، في التوضيح للكونجرس كيف يعتزم أوباما أن يجد 634 مليار دولار التي وعد بها "كدفعة أولى" لإصلاح الرعاية الصحية.
إن أداء أوباما الغريب هو جزئيا نتيجة للعالم سريع التقلب الذي وجد نفسه فيه. فليس هناك عدد كبير من الرؤساء الذين وصلوا إلى السلطة وهم يملكون مثل رأس المال السياسي الكبير هذا. فقد تغلب أوباما على جون ماكين بواقع سبع نقاط. ويمتلك حزبه أغلبيات 39 مقعدا في مجلس النواب وعشرة مقاعد في مجلس الشيوخ. ويمكن للإدارة أيضا أن تعتمد على القدرات العقلية والقوة السياسية لشبكة قوية من المؤسسات الفكرية الليبرالية وجماعات الضغط التي تم تشكيلها خلال سنوات بوش. إلا أن هذا يبخس تقدير قوته. فانتخابه يمثل نقطة تحول في تاريخ أمريكا العنصري المرير. وربما كان يتزامن مع نهاية عهد المحافظين الذي بدأ بانتخاب رونالد ريجان عام 1980.
وفي الوقت نفسه، يواجه أوباما مجموعة تحديات صعبة بصورة غير عادية. فأمريكا وقعت في قبضة ركود شديد يقضي على الوظائف ويقلل الطلب بمعدل ينذر بالخطر. وقد انهارت بعض أشهر المؤسسات المالية في أمريكا. وشركة General Motors على وشك الانهيار. وقد يبلغ معدل البطالة، الذي وصل الآن إلى 8.1 في المائة، أرقاما ثنائية. ويمكن القول إن النظام السياسي الأمريكي يعاني أكبر خلل وظيفي من أي وقت مضى، حيث الأحزاب مستقطبة بصورة كبيرة فيما تبث الدورة الإخبارية على مدى 24 ساعة الأخبار السيئة.
ويعني كل هذا أنه من الصعب تقييم أول شهرين لأوباما في منصبه. إلا أن هناك بعض الأمور التي تبدو واضحة جدا. فالرئيس طموح بشكل مذهل، فهو يريد أن يكون "تحويليا" في أكثر من مجرد كونه أول رئيس أسود. إلا أن رئاسته تضررت حتى الآن بسبب مزيج من عدم الكفاءة والاستعداد للعودة ثانية إلى التكتيكات التي رفضها حين كان مرشحا. وفي الواقع، ربما تسهم رغبته في أن يصبح "تحويليا" في زيادة مشكلاته، حيث إنها تصرف انتباهه عن الأزمة الاقتصادية.
الليبرالي العملي
لقد حدد أوباما بالفعل أجندة هي الأكثر طموحا لتحويل أمريكا منذ ثورة ريجان: اقتراح رعاية صحية شاملة، وتوسيع دور الحكومة الفيدرالية في التعليم، ومعالجة مشكلة الاحتباس الحراري، والحد من عدم المساواة المتنامي في أمريكا. وقد أثار هذا جدلا حاميا بشأن أيديولوجيته. فهل هو ليبرالي متمسك بالعادات القديمة سيقدم رد اليسار على رونالد ريجان؟ أم هل هو من الديمقراطيين الجدد، كما يزعم هو شخصيا؟ ربما كان مزيجا من الاثنين. فأوباما ليبرالي عملي، أكثر ثقة بالحكومة الكبيرة من الديمقراطيين الجدد لبيل كلينتون، ولكنه أقل تشبثا بالحلول الليبرالية من الكثيرين من الأسود القدامى في حزبه.
وقد أمضى حياته المهنية، باستثناء عام واحد تقريبا في مجال الاستشارات التجارية، في القطاع غير الربحي، أولا بوصفه منظم مجتمع ولاحقا بوصفه سياسيا بارزا. وغالبا ما يتحدث باستخفاف عن القطاع الخاص في مذكراته. ويجتذب دعم متحمس من النقابات العمالية وجماعات الضغط الليبرالية. والمؤسسة الفكرية الأكثر تأثيرا في واشنطن تحت رئاسة أوباما، التي تعد معسكر التدريب لكثير من كبار المسؤولين الذين عينهم، هي مركز التقدم الأمريكي، الممول من قبل بعض الأشخاص الليبراليين من أصحاب الملايين، مثل George Soros وPeter Lewis.
إلا أن الرئيس يتشكك بالأيديولوجية بوصفه شخصا عمليا. فبعض أبرز الشخصيات في إدارته هم من الوسط. فعلى سبيل المثال، كانت Kathleen Sebelius، وزيرة الصحة المحتملة، حاكمة ولاية كنساس وكانت تحظى بالشعبية، وكنساس هي من أكثر الولايات المحافظة في الدولة. أما Larry Summers، كبير المستشارين الاقتصاديين، فهو منتقد مشهور لليبراليين. ويقول Cass Sunstein، مسؤول التنظيم، إن على الحكومة استخدام حوافز السوق "لدفع" الشعب بدلا من ضربهم مباشرة.
ومن المؤكد أن أوباما يعتزم زيادة الضرائب على الأثرياء - ولكن فقط إلى مستواها خلال إدارة كلينتون، التي حدث خلالها ازدهار التكنولوجيا الرفيعة وتحسن قطاع الشركات الصغيرة. ويريد أوباما إصلاح قطاع الرعاية الصحية. ولكنه يفضل أن يعزز النظام الخاص بدلا من استبداله بخدمة صحية وطنية "تدفع تكلفتها جهة واحدة"؛ وكثير من أنصاره هم من رجال الأعمال المثقلين بتكلفة الرعاية الصحية. وهو يريد زيادة دور الحكومة الفيدرالية في التعليم. ولكنه يتحدث ببلاغة أيضا عن إدخال نظام الأجر على أساس الجدارة وإنشاء المزيد من المدارس العامة المستقلة. ويقول رئيس موظفيه، Rahm Emanuel: "الموارد مشروطة بالإصلاح". وقد أدى توتر الإدارة من الليبرالية القديمة إلى ترددها في التعامل مع الأزمة المصرفية. فبدلا من أن تقوم ببساطة "بتأميم" أضعف البنوك والاستحواذ على الديون السيئة، كانت تفضل وضع نظام حوافز معقد للمستثمرين من القطاع الخاص.
وإذا كانت سياسته الداخلية مزيجا من الطموح العملي والليبرالي، فإن سياسته الخارجية هي مزيج من الحذر العملي والليبرالي. فقد قام بتنقيح النظام القانوني الذي يحكم إرهابيي القاعدة، وأنهى عمليات الاستجواب الوحشية، ووعد بإغلاق معتقل جوانتانامو، مما أفرح اليسار المناهض للحرب. ولكن خلاف ذلك تتميز سياسته بالجمع بين الواقعية والحذر. فهو يستخدم الواقعية حين يتعامل مع القوى الأخرى: لمّح للصينيين أنه لن يثير ضجة بشأن حقوق الإنسان، وللحكام العرب بأنه لن يتبنى نهجا أكثر توازنا تجاه الشرق الأوسط. ولكنه يستخدم الحذر حين يتعلق الأمر بتهدئة "الحرب على الإرهاب": أعاد النظر في الوعد الذي قطعه خلال حملته بسحب القوات الأمريكية من العراق خلال 16 شهرا، وهو يزيد الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، ويصعّد الهجمات في الأراضي الباكستانية.
أوباما
لم تكن أكبر مفاجأة تكشفت في أول شهرين لأوباما هي أفضلياته في السياسة (التي أعلن عن معظمها)، بل افتقاره بعض الشيء إلى الكفاءة. فالرجل الذي اكتسب لقب "أوباما دون دراما" لأنه أدار حملة منضبطة، يتعثر مرة تلو الأخرى منذ توليه المنصب.
وقد خسر أوباما عددا كبيرا من المرشحين: وزيرا تجارة محتملين، هما Bill Richardson وJudd Gregg؛ ووزيرا للصحة وأحد منظمي الإصلاح الصحي، هو Tom Daschle؛ وأحد كبار المسؤولين عن الأداء، وهي Nancy Killefer، ورئيس مجلس الاستخبارات الوطني، هو Charles Freeman. وشوّه هذا مزاعم إدارته بالنقاء الأخلاقي، خاصة لأن اثنين من المرشحين، هما Daschle وKillefer، يعانيان مشكلات ضريبية. كما أسهم هذا بإيجاد حس بالفوضى.
والآن، يدفع أوباما ثمنا باهظا لضمان تعيين وزير الخزانة، تيم جيثنر. فالمشكلات الضريبية التي يعانيها جيثنر تعني أنه كان يجب أن يكون البيت الأبيض متشككا جدا في تدقيقه لشخصيات وزارة الخزانة الأخرى. وقد كان غامضا في خطاباته العامة الأولى وبطيئا في وضع خطة لتصنيف بنوك أمريكا. وربما بدأت ثقة أوباما به تؤتي ثمارها أخيرا؛ فقد أدت خطته لشراء "الأصول السامة"، التي تم نشرها الأسبوع الماضي، إلى ارتفاع الأسواق، لذا كان واثقا بنفسه أمام الكونجرس، وقد تم الآن شغل المناصب العليا تقريبا في إدارته. ولكن كان من الأفضل ألا تنتظر وزارة الخزانة كل هذا الوقت كي تعمل بأقصى طاقتها.
وقد ارتكبت إدارة أوباما أيضا قائمة طويلة من الأخطاء الصغيرة. فمن المفترض أن يكون جوردن براون، رئيس الوزراء البريطاني، أحد أقرب حلفاء أوباما في إصلاح النظام المالي العالمي، وذلك لأسباب أيديولوجية وتاريخية على حد سواء. إلا أن أوباما أفسد لقاءه مع براون، حيث لم يمنحه أكثر من نصف ساعة وقدم له هدية عبارة عن مجموعة رخيصة من أقراص الفيديو الرقمية التي لا يمكن تشغيلها في بريطانيا. وعلى الرغم من أن اجتماع مجموعة العشرين في لندن هو أول لقاء لجميع الدول الصناعية الكبرى منذ أن تولى أوباما منصبه. إلا أن تحضيرات الإدارة له كانت سطحية ومتعجلة.
إن كثيرا من أخطاء أوباما نابعة من سوء تقدير استراتيجي واحد: فهو يحاول فعل الكثير جدا في وقت سريع للغاية. فالأزمة المالية كانت ستطغى على أية إدارة، فما بالك بالإدارة التي لا تزال تحاول ملء المناصب الرئيسية. إلا أن أوباما اختار هذا الوقت بالذات لمعالجة مجموعة من المشكلات، مثل الرعاية الصحية والتنظيم البيئي، التي أرهقت إدارات أخرى لم تكن مثقلة بالمشكلات مثل إدارة أوباما.
وتقدم الإدارة تبريرين لذلك، الأول حقيقي (لا يمكن إصلاح الاقتصاد الأمريكي دون التصدي أيضا للمشكلات طويلة الأجل) والثاني سياسي (لا تضيع أبدا الفرصة التي تقدمها أزمة جيدة). ولا شك أن الاقتصاد الأمريكي سيكون أقوى إذا تمكنت الدولة من تخفيف تكاليف الرعاية الصحية. إلا أن تضخم الرعاية الصحية لا علاقة له بالأزمة المالية. والمشكلة المتعلقة بعدم تضييع الفرصة التي تقدمها الأزمة الجيدة هي أن المرء يبعد المؤيدين المحتملين، خاصة الجمهوريين، ويخاطر بزيادة العبء على النظام. وتشير Peggy Noonan، التي كانت تكتب خطابات ريجان إلى أن "أوباما يحب أن يقول إنه يمكن للرؤساء فعل أكثر من شيء واحد في الوقت نفسه. ولكن في الواقع فإن رؤساء اليوم سيكونون محظوظين إذا تمكنوا من فعل شيء واحد في وقت واحد، ناهيك عن اثنين". ويجدر التذكير بأن المثل الأعلى لأوباما، وهو فرانكلين روزفلت، لم يدخل أجندة إصلاح واسعة إلا بعد أن أثبت جدارته في معالجته للأزمة المصرفية.
وهناك كثير من الدلائل التي تشير إلى أن الإدارة مشتتة للغاية. ويقول المستشار David Smick، إن لدى أوباما نهج ثلاثي الأبعاد للأزمة - هو "التأجيل ثم التأجيل ثم التأجيل". فهو يعلن عن خطط كبيرة دون تقديم تفاصيل. ويعد بالانضباط في الميزانية ثم يؤجل اتخاذ القرارات الصعبة حتى وقت لاحق. ويلقي خطاب ينتقد فيه مكافآت المجموعة الأمريكية الدولية ("أشعر بالغضب") ولكنه لا يوضح الفكر الذي يستند إليه برنامجه الاقتصادي. وقد عبّر Buffett عن مخاوف واسعة النطاق بشأن فشل الإدارة في تحديد الأولويات. "المهمة الأولى هي الفوز بالحرب، الحرب الاقتصادية. والمهمة الثانية هي الفوز بالحرب الاقتصادية - وبالمهمة الثالثة. ولا يمكن أن تتوقع من الناس الاتحاد وراءك إذا كنت تحاول إجبارهم على قبول مجموعة كبيرة من الأشياء".
وقد أسهم أيضا قرار أوباما بالإعلان عن ميزانية إنفاق كبيرة في الوقت الذي ينفق فيه المليارات لإنقاذ النظام المالي في تعزيز المخاوف المتعلقة بالوضع المالي لأمريكا. وتشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس إلى أن بعض السياسات الاجتماعية لأوباما ستكون مكلفة أكثر مما يزعم البيت الأبيض، وأن الاقتصاد سينمو بوتيرة أبطأ. وسيبلغ العجز 9.3 تريليون دولار خلال العقد المقبل، أي نحو 5.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا. ويعترف Orszag أن مثل هذا الرقم سيكون غير مستدام.
السياسة كالمعتاد
المذهل بالقدر نفسه التناقض بين طموح أوباما الكبير وعدم كفاءته المتكررة هو التناقض بين وعده برفع مستوى السياسة واستعداده لمواصلة السياسة كالمعتاد. فجميع الرؤساء يرشحون أنفسهم للرئاسة بناء على وعد بتغيير واشنطن وينتهي بهم الأمر إلى أن يصبحوا أسرى لها. إلا أن قليلا منهم فقط عكسوا مسارهم بسرعة أوباما نفسها، الخبير في الأمل.
خذ مثلا العلاقة بين الحزبين. صحيح أن أوباما قام ببعض التعيينات على أساس حزبي، مثل الإبقاء على روبرت جيتس في وزارة الدفاع ومنح وزارة النقل لـ Ray LaHood. وقدم تنازلات في مفاوضات الحوافز، ودعا بعض الجمهوريين إلى حفلات كوكتيل. إلا أن تعاونه الحزبي يشبه إلى حد كبير تعاون جورج بوش: فهو يحب أن يؤيد خصومه سياساته.
وقد أحاط أوباما نفسه "بسياسيين" ديمقراطيين أقوياء، مثل Rahm Emanuel، رئيس موظفيه، وDavid Axelrod، الخبير الاستراتيجي لحملته الذي أصبح من كبار المستشارين. ومنح المناصب العليا في إدارته بصورة حصرية تقريبا لأشخاص من عالم الحكومة: سيناتور سابق (في وزارة الخارجية)، ومسؤولين حكوميين سابقين (وزارة الدفاع ووزارة الدفاع)، وحاكمين سابقين (وزارة الصحة ووزارة الأمن القومي). ويشير David Ignatius من صحيفة Washington Post إلى أن هذه الإدارة "ضعيفة في مجال الخبرة العملية مثل ضعف نادي للكتب في هايد بارك". ولا يحد هذا فقط من نطاق النصائح التي يمكن تقديمها له والخبرة التي يمكنه الاستفادة منها، بل يصعّب أكثر منع انتشار الذعر في "وول ستريت" أو "ماين ستريت".
وأوباما منهمك بحماس الآن في أمر كان قد تخلى عنه حين كان مرشحا، وهو فن الحملات الدائمة. فكبار مستشاري البيت الأبيض يجتمعون كل ليلة أربعاء للتخطيط لاستراتيجية سياسية. ويقوم مدير الحملة الانتخابية السابق لأوباما، David Plouffe، بإرسال رسائل إلكترونية إلى الملايين من مؤيدي أوباما لتشجيعهم على الضغط على ممثليهم في الكونجرس لإقرار الميزانية. ويلقي أوباما معظم خطاباته في الولايات التي لا تفضل الجمهوريين أو الديمقراطيين. وقد اقترح فريق أوباما مرارا وتكرارا أن الجمهوريين حزب "لا" يدين بالولاء لـ Rush Limbaugh، مذيع البرنامج الحواري الإذاعي المستقطب. بعبارة أخرى، يبدد أوباما رأسماله السياسي في فعل ما فعله كلينتون بالضبط مرارا خلال رئاسته: تبرير أخطائه ومحاولة الاستفادة من دورة الأخبار على مدى 24 ساعة وتشويه صورة المعارضين.
إن قرار أوباما باستئناف نشاط حملته هو دلالة على المشكلات التي تواجهها إدارته. فهي في حاجة ماسة إلى صرف الانتباه عن حقيقة أنها أخلت ببعض وعودها. وهي عازمة على التعامل مع الغضب الذي أثير بسبب المكافآت التي تم دفعها لبعض كبار المديرين في المجموعة الأمريكية الدولية. وترغب بشدة كذلك أن تضمن أن لا يحقق الحزب الجمهوري رأسمالا سياسيا كبيرا من الفوضى في البيت الأبيض. والنتيجة هي دوامة تنازلية: كلما فشل أوباما، زاد لجوؤه إلى الحملة الدائمة، وكلما لجأ أكثر إلى الحملة الدائمة، أصبح أكثر مثل أي رئيس آخر.
وما يزيد الانطباع أن الأمور تسير كالمعتاد دون تغيير هو أن أوباما لا يزال مستمرا في الاتجاه القائم منذ زمن طويل بجمع المزيد من السلطة في البيت الأبيض. فقد عيّن مجموعة من المتنفذين الأقوياء من البيت الأبيض للإشراف على مكاتب مجلس الوزراء. وهؤلاء المتنفذين غير مسؤولين أمام أي شخص باستثناء أوباما. ولديهم حوافز كبيرة للمشاركة في بناء الإمبراطورية والحروب على المناطق. فعلى سبيل المثال، يعكف Jim Jones، مستشار الأمن القومي، على إعادة تحديد دور مجلس الأمن القومي للإشراف على كل شيء من السياسة الخارجية التقليدية حتى التغير المناخي. وقد اشتكى الليبراليون الأمريكيون بمرارة من تسييس إدارة بوش للاستخبارات. إلا أن أوباما زاد هذا التسييس لمستويات عليا جديدة عن طريق تعيين Leon Panetta، الديمقراطي المخلص الذي ليس له جذور في عالم الاستخبارات، للإشراف على وكالة الاستخبارات المركزية.
ولا يمكن بعد وصف الرئيس بأنه فاشل. فلا يزال الوقت مبكرا على ذلك. فخلافا للنظام الديكتاتوري الانتخابي في بريطانيا، فإن النظام السياسي الأمريكي مصمم ليكون محبطا للآمال. فالسلطة منقسمة، والكونجرس يستخدم مكانته لتعزيز التشريعات، والرئيس ينطلق من النجاح إلى الفشل وبالعكس. وفي هذه المرحلة من الدورة الانتخابية، كان كلينتون منهمكا بقضية المثليين جنسيا في الجيش فيما كان جون كينيدي يتجه نحو خليج الخنازير.
وعملية التأكيد تطول أكثر وتصبح مؤلمة أكثر من أي وقت. وقد شهد كل رئيس في الآونة الأخيرة فضيحة لبعض المعينين الرئاسيين. وزاد الاستقطاب. ويثير الركود أسئلة تتعلق بجوهر الانقسام الأيديولوجي بين الأحزاب: هل يجب اللجوء إلى الحوافز الكينيزية (نسبة إلى جون مينارد كينيز) أو التدمير الخلاق الشومبيتري (نسبة إلى جوزيف شومبيتر)؟ هل يجب إنقاذ الأشخاص الذين اقترضوا الكثير من المال أم تركهم يغرقون؟ يمكن لأي رئيس الانهيار بسبب هذه الانقسامات، حتى الرؤساء الذين بذلوا جهودا كبيرة للتعاون الحزبي. ولا تزال نسب تأييد أوباما في مستوى الستين، على الرغم من ضغوط الأزمة العالمية، ولا يزال الجمهوريون غير شعبيين وغير متماسكين.
وقد كان أوباما بطيئا في أغلب الأحيان في الاستجابة للأزمات خلال الحملة الانتخابية. ثم حين كان أنصاره يشعرون باليأس ويستعد خصومه للهجوم، كان يستجمع نفسه ويتصدى للتحديات. وكان بطيئا في فهم جميع عناصر الرئاسة. فقد فشل في وضع أولويات ثابتة، وغالبا ما كان يدع الأحداث تملي عليه أجندته. وبشكل عام، فإن أداءه يبدو ضعيفا. ولكن هناك أخيرا علامات، حين كشف عن خطته لإنقاذ البنوك، بأنه بدأ بفعل ما كان يفعله غالبا خلال حملته، أي تبرير الثقة الكبيرة التي يشعر بها الناس تجاهه.