الأمير نايف: الرجل الكبير.. في موقع كبير
دوما تثبت الأسرة السعودية الحاكمة أنها أسرة جديرة بالملك أيما جدارة. تثبت مثلا ـ أن رجالاتها أوفياء للمبادئ، قادرون على اتخاذ القرار الصائب، موحدون فيما بينهم على ما يخدم هذه المبادئ، وما يحقق مصالح الشعب، ويقود البلاد إلى مزيد من التقدم والاستقرار، وهي وحدة تظل رمزا قويا ومطردا للوحدة الوطنية الكبرى.
هذه حقيقة توافرت الأدلة عليها.. ومن هذه الأدلة: القرار الملكي الذي اتخذه الملك عبد الله بن عبد العزيز بتعيين الأمير نايف بن عبد العزيز نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء. هكذا.. بهدوء وحنكة سياسية وروح أخوية وتقاليد دستورية عريقة أصيلة اتخذ الملك هذا القرار الكبير، بموجب مسؤولياته وصلاحياته التي خولها له دستور البلاد، أو النظام الأساسي للحكم.
وبهذا القرار: تبوأ الأمير نايف مكانة جليلة هو لها أهل، وبها جدير، وعليها قدير.
فهذا الرجل القوي الأمين ظل عقودا متتابعة وهو في (قلب النظام)، يتحمل مسؤولياته الجسام بثبات وصبر واقتدار ويواجه العواصف الأمنية ـ الداخلية والخارجية ـ بصلابة المؤمن بالله، المتوكل عليه وبعقلانية الحفيظ على سلامة البلاد وأمنها الوطني، وبمهنية الخبير الضليع في إدارة الأزمات في الأوقات العصيبة، وتسيير الشؤون العادية في الأوقات العادية.
ولعل الوقت قد تهيأ الآن ـ بهذه المناسبة ـ للحديث عن (بعض) خصائص هذا الرجل الكبير ـ بعقله وخلقه ومسؤوليته ـ :
1 ـ فمن هذه الخصائص: أنه يحمل مفهوم أن الدولة هي مؤسسة (من أجل الإنسان) أو المواطن.. على سبيل المثال، في خواتيم رمضان عام 1420هـ التقى بأمراء المناطق وكان محور كلمته في هذا اللقاء هو (الإنسان) أو (المواطن).. لنستمع إليه وهو يقول ـ في ذلك اللقاء ـ "أقولها بصراحة وقناعة نحن تم تعييننا لأجل أن نقوم بالواجبات تجاه المواطن، ويجب أن يعرف كل مسؤول مهما كانت مرتبته سواء كان عسكريا أو مدنيا: أننا جميعا كمسؤولين لنا وظيفة محددة في الدولة وهي (خدمة المواطن).. وينبغي أن يكون شعار كل مسؤول هو: يجب أن أبذل جهدا لكي أنهي قضية المواطن وأجعله يحس أنني مهتم به وبقضيته، وأن أي مواطن يتقدم لي بشكوى على أي مسؤول يتسبب في تأخير معاملته أو قضيته أو تعطيلها، فإني سأكون مع المواطن في صفه حتى أعرف الأسباب والمعوقات.. فصاحب الحاجة يريد قضاء حاجته، وعلينا أن نستقبله وأن نتبع الأسلوب المناسب والمقنع له, علينا أن نشعره بأننا مهتمون به ونتعاون معه، وأننا هنا في مواقعنا وظفنا لأجل خدمته".
والحق أن هذا هو مفهوم الدولة في الإسلام وهو مفهوم تناهى في التميز عن مفاهيم الاشتراكية والرأسمالية مثلا.
2 ـ ومن هذه الخصائص: العقلانية والرويّة والرؤية الصائبة لسياقات الأحداث. فبعد أحداث 11 (سبتمبر) 2001 بمدة وجيزة، أي في أواخر (سبتمبر) من العام نفسه عقد الأمير نايف مؤتمرا صحافيا عالميا.
ومتى؟
في ظرف كان (الارتجاج العقلي) هو العملة الرائجة في السياسة والثقافة والإعلام حيث طغى الانفعال والتوتر والأحكام المتسرعة الجزافية على كل شيء وكل مستوى، وهي حالة أثرت وبعمق ـ في المعلومة وفي التحليل والقرار والموقف.
هنالك: في مناخ انخفاض معدلات العقلانية إلى أدنى مستوى: نجد الأمير نايف يحتفظ برويّة عقله، وسكينة نفسه.. وهذه نماذج من العقلانية المبصرة تتبدى في مؤتمره الصحافي العالمي يومئذ:
أ ـ يقول: "يجب أن نفرق بين الإرهاب وقتل الأبرياء والاعتداء على ممتلكاتهم وبين من يدافع عن قضيته دفاعا مشروعا كإخواننا الفلسطينيين" وهذه عقلانية قوية الحجة, فالإرهاب إفساد في الأرض. إن الكفاح من أجل تحرير الأرض المحتلة فهو عمران للأرض بالعدل والحرية والعزة والكرامة وسائر حقوق الإنسان, وثمة معنى آخر أصيل ووفي وأمين في هذه العقلانية التي تفرق بين الإرهاب والكفاح المشروع.. هذا المعنى هو: أن الأمير نايف استصحب وهو يتحدث في هذا الشأن نصا واضحا في اتفاقية أمنية عربية: كان له دور بارز في صياغتها وإخراجها وهي الاتفاقية الأمنية العربية لمكافحة الإرهاب، إذ تقول هذه الاتفاقية: "لا تعد جريمة: حالات الكفاح بمختلف الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان من أجل التحرير وتقرير المصير وفقا لمبادئ القانون الدولي".
ب ـ وقال في المؤتمر العالمي نفسه: "إن الواقع يؤكد أن موقف بعض الدول الغربية غير عادل تجاه قضية فلسطين، بل إن الواضح هو مساعدة إسرائيل في مجالات متعددة، وإذا لم يعد النظر في هذه المواقف ويرفع الظلم عن الفلسطينيين فإن المخاطر والمشكلات ستزداد سوءا.
ومما يدل على العقلانية الراجحة في قوله هذا: أن المخاطر والمشكلات ازدادت تضخما وحدة بالفعل, والواقع خير شاهد.
ج ـ وقال: "إن أعمال الإغاثة ستستمر.. وهذه عقلانية أخلاقية واعدة. فالربط الميكانيكي بين أعمال الخير وبين الإرهاب يدل على فقدان العقل, إذ ليس من المعقول ـ بأي مقياس ـ أن يحرم المحتاجون إلى الخير منه بسبب استغلال حزبي أو سياسي أو إرهابي لأعمال الخير, لأن هذه قاعدة مجنونة لو طبقت لجفت منابع الخير في الأرض, حيث إنه في كل مجال هناك من يستغل ما هو حسن فيما هو قبيح.
د ـ وقال في المؤتمر العالمي ذاته: "إن موقفنا من الإرهاب منطلق من إسلامنا وإننا ثابتون على إسلامنا".
هنا قضيتان رئيستان:
أولا: قضية أن المملكة تكافح الإرهاب بموجب شريعتها الإسلامية التي حرمت الإرهاب في كل صوره, ودانت العنف في شتى صيغه لا بموجب مفاهيم أخرى من هنا وهناك.
ثانيا: إن الذين يربطون بين الإسلام والإرهاب مخطئون أو مغرضون, والمملكة لن تستجيب ـ قط ـ لمفاهيمهم الخاطئة هذه, ولذلك فهي ثابتة على إسلامها أبدا, "فاستمسك بالذي أوحى إليك إنك على صراط مستقيم وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون".
هـ: وقال ـ يومئذ "السعوديون بشر ولكن لم يثبت حتى الآن شيء".
ها هنا مسألتان حاسمتان أيضا:
أولا: مسألة أنه من ناحية عقلية يمكن أن يخطئ السعوديون ـ كغيرهم من البشر ـ فيتورطون في أعمال إرهابية أو أي جرائم أخرى .. وهذا نقد أمين للذات.
ثانيا: مسألة أن الروايات الأمريكية والإعلامية ـ على مستوى العالم ـ عن حادث 11 سبتمبر لم تقترن بما يوثقها 100 في المائة ويجردها من الظنون والأوهام والدس والهوى والكيد السياسي والإعلامي.
والكاتب شهيد على أن الأمير نايف قد أكد وجهة نظره هذه أكثر من مرة, أي "لم يثبت شيء حتى الآن", طبعا ليس مبالغة في "عصمة" السعوديين فهو قد جزم بأن السعوديين بشر من البشر من الوارد أن يرتكبوا أفعالا شنيعة, ولكنه لحظ أن السيناريوهات كلها استدارات للتوكيد بلا دليل قطعي الثبوت والدلالة, على أن الفاعلين في 11 سبتمبر هم "سعوديون" وأن الحملة الضارية يجب أن توجه إلى كل شيء في السعودية: مناهج تعليمها, وثقافتها, ونظامها الاجتماعي والسياسي وشعبها: كل شيء .. كل شيء.
وهذه سيناريوهات لا تشكك في رواية أحداث 11 سبتمبر فحسب, بل تشكك كذلك في الأهداف السياسية التي ترتبت عليها, وهي أهداف مشبعة بالأهواء والأغراض والمكائد الخبيثة.
ونلحظ ـ في هذا المقام ـ ملحظين اثنين:
أ ـ نلحظ حرص الأمير نايف البالغ على "التحقق من صحة المعلومة" بطريقة علمية موثقة.
ب ـ نلحظ أنه تعامل مع "واقع الإرهاب" بطريقة أكثر فاعلية, وأشد حسما وأوفى نتائج مما تعامل الأمريكان أنفسهم مع الإرهاب, هذا على الرغم من الاجتهادات المختلفة حول الروايات الأولى الرسمية عن حدث 11 سبتمبر.
ومهما يكن من أمر فإنه في سياق منفصل ظهرت في الأيام الأخيرة ـ وبالتحديد في أول آذار (مارس) 2009 ـ معلومات تضعف الثقة بالرواية الرسمية عن تلك الأحداث النحسة النكدة, فقد نشرت مجلة "أمريكان فري برس" بتاريخ أول آذار (مارس): أنه كان للموساد الإسرائيلي يد في التخطيط والتنفيذ لأحداث سبتمبر, ومما قالته المجلة في هذا المجال "إن مؤامرة 11 سبتمبر لم تتم غربلتها وضبطها بطريقة جيدة, ولذلك تمكنت المخابرات الإسرائيلية من السيطرة على سياقاتها منذ البداية, فقد جندت هذه المخابرات شخصا اسمه الجراح في شباكها وكان الجراح هذا أحد المتهمين بتنفيذ هجمات 11 سبتمبر.
3 ـ ومن هذه الخصائص: التفتح على النقد الموضوعي المعقول فهو دائما يردد "هؤلاء الذين ينتقدوننا دائما بسبب تمسكنا بالإسلام: إذا قصدوا بنقدهم المجال التطبيقي فلا بأس, فنحن لم ندع العصمة في تطبيقنا الإسلام, أما إذا قصدوا بنقدهم الإسلام ذاته, فليس لهم ذلك بأي وجه من الوجوه لأن الإسلام مصدره فوق بشري ولا يحق لبشر أن ينتقده كائنا من كان".
وثمة خصائص أخرى عديدة يتمتع بها الرجل, ومنها ـ على سبيل المثال ـ خاصية الاهتمام العالي والدائم بقضية "الأمن الفكري" التي يلح عليها منذ أكثر من 30 عاما.
لذلك كله ـ وغيره ـ امتلأ المواطنون غبطة وارتياحا بمقدمه في هذا الموقع الكبير الجديد.
امتلأوا غبطة وارتياحا بالثقة بمن اتخذ القرار وهو عاهل البلاد الملك عبد الله بن عبد العزيز.
وامتلأوا غبطة وارتياحا بمن كان مناط القرار وهو الأمير نايف بن عبد العزيز الذي هو قريب من الناس دوما وعلى أمد طويل: قريب من قضاياهم وقناعاتهم وشؤونهم وشجونهم وأحوالهم.
فاهنأ أبا سعود بثقة الملك وثقة الشعب.
واهنأ ـ من قبل ـ بتوفيق الله وعونه ونعمته "وما بكم من نعمة فمن الله"